٢٠٠٥-٠٩-٢٩

الكرامة


استيقظت صباح ذلك اليوم ألملم ملابسى المتناثرة فى غرفة الفندق الذى قضيت فيه ليلتين بأحدى محافظات وسط الصعيد فى مهمة عمل ، انهى حساباتى بالفندق اخرج مكملاً مهمتى فى قرى تلك المحافظة ، لم اشعر يوماً بالتيه أو السعادة بأقامتى فى الفنادق الفاخرة التى تتيحها وظيفتى ، كنت كثيراً ما اراه اسرافاً فى غير محله فى وطن يعيش ثلث سكانه بين القبور والعشوائيات ، والأكثر سخرية هو انى انتمى لمكان يعمل من اجل الفقراء
تنفست الصعداء حين تمت مهمتى بنجاح ، وشعرت بنوع من الراحة وانا وادع من كان معى فى مهمة العمل بعد ان شعرت بالرضا فى عيون الكثير منهم ، تحرك القطار صوب جنوب الصعيد مكملاً الرحلة الى حيث نقيم ، كنت قد نزلت فى محطة فى منتصف الطريق حيث جامعتى التى ادرس بها دراساتى العليا ، الحركة كثيفة على رصيف المحطة وبداخلها ألوان من البشر تجئ وتذهب ، طلاب جامعيون فى شلل متفرقة .. شباب وبنات .. اكثر انفتاحاً مما كنا على الرغم من مرور عشر سنين فقط منذ تخرجت من كليتى
توجهت لا شعوريا وبحكم العادة الى احد اركان المحطة حيث يوجد بائع الصحف ، جلت بنظرى حول الكم الهائل من الصحف المتراصة وتصفحت عناوينها ، كنت قد توقفت منذ فترة طويلة عن قراءة ما يعرف باسم الجرائد الحكومية فلا اهرام او اخبار او جمهورية فقد اصبحت تلك الصحف احد رموز الفساد فى هذا الزمن المبارك
كنت – ولازلت – أفخر بأنى امتلك الأعداد الأولى من بعض الجرائد الحزبية والمستقلة والتى ساهمت بشكل فعال فى خلق حالة الرفض والتمرد لدى قطاع عريض من قرائها ، منذ جريدة الدستور فى اصداراتها الأولى فى عام 1996 ، والعدد الأول من الأصدار الثانى لهذا العام بعد بضعة اعوام من الغلق ، صوت الأمة لعادل حمودة اولاً ثم لأبراهيم عيسى ، الفجر لعادل حمودة ، الغد الصادرة عن حزب الغد ، الأسبوع .. وغيرها . كان شيئاً رائعاً هذا الكم الهائل من الصحف التى تسيرعكس الأتجاه .. الأتجاه الرسمى للدولة ، لكنها تسير مع الناس واليهم ولهذا ذاع صيتها وانتشرت بين ايدى الشباب يجدون فيها متنفساً لحريتهم بعد ان بات منع تلك الصحف امراً لا تستطيعه الدوله .. فأغلبها صحف صدرت بحكم قضائى رغم انف الدولة نفسها
لمحت بين هذا الكم من الصحف غثه وسمينه ،جريدة اخرى .. اثار انتباهى اليها ان صدر صفحتها الأولى يحمل اسمها المكون من كلمة واحدة بشكل واضح يمتلئ قوة ، لم استطع تبين اسم الصحيفة جيداً فقد كان المكان مزدحماً قليلاً وانا اقف فى وضع تبدو فيه الصحيفة بشكل مقلوب من ناحيتى .. زاحمت قليلاً حتى امسكت عدداً .. وقرأت اسم الصحيفة .. الكرامة .. ولشد ما كانت سعادتى ودهشتى فى آن واحد ، سعادتى وانا ألمح اسم " حمدين صباحى " رئيساً لتحرير الصحيفة بعد حرب شرسة مع اشاوسة الحكومة لمدة ثمانى سنوات حتى صدور حكم القضاء بالموافقة على اشهار الجريدة " كجريدة مستقلة " ، ودهشتى من غباء رجال السلطة فى مصر فعصر المنع قد انتهى وها هو نصر آخر يضاف الى الى جبهة التغيير فى حرب التغيير . والشئ المؤكد – والذى بات مسألة وقت – ان القضاء ايضاً فى طريقه لإصدار قرار بالموافقة على انشاء حزب " الكرامة العربية " ذا التوجه القومى الناصرى ، ثانى احزاب جبهة التغيير الشابة فى هذا الوطن بعد حزب " الغد " الليبرالى ، وايضاً من المؤكد ان حزب " الوسط " ذو التوجه الأسلامى والمنشق عن الأخوان المسلمين بات قرار انشائه مسألة وقت ايضاً
حزب الغد .. الوارث تيار الليبرالية من حزب الوفد العجوز .. على الرغم من مشاكله لازال امل الكثير من الناس ، حزب الكرامة .. القادم الى الصورة قريباً .. والوارث تيار القومية العربية من افيال الحزب العربى الناصرى
حزب الوسط ... الوريث الشرعى والمعتدل لتيار الأخوان المسلمين
الى جانب الحركات المستقلة التى تنصهر فيها رموز وشباب من كل الأتجاهات باتت تموج بفورة الغضب ..
ويبدو ان نبؤة محمود درويش الشاعر الفلسطينى .. تتحقق وتنتقل فورات الغضب من قلب الغضب فى فلسطين الى الأم .. مصر ، بعد طول جمود وتجمد وتبدو كلماته القوية فى قصيدته الرائعة " انا عربى " ايذاناً بحالة ميلاد جديد.
سجل انا عربى
صبور فى بلاد كل ما فيها يموج بفورة الغضب
ابى من اسرة المحراث لا من سادة نجب
وجدى كان فلاحاً
يعلمنى شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
وبيتى كوخ ناطورمن الأعواد والقصب
فهل ترضيك منزلتى
اذن سجل فى الصفحة الأولى
انا لا أكره الناس ولا اسطو على احد
لكنى اذا ما جعت اكل لحم مغتصبى
حذار من جوعى ومن غضبى
حذار من جوعى ومن غضبى

تبدو الصورة اكثر اشراقاً .. وتبدو حركة مستمرة فى الأفق .. ضعيفة لكنها مستمرة فى مياه راكدة منذ سنين ، ويبدو ان الوطن يستيقظ من سباته الطويل ، لكنه اكثر شباباً .. وقوه .. أكثر غضباً وجرأة ..
ادفع جنيهاً ونصف ثمن الجريدة .. وارفعها الى اعلى قليلاً .. واقراء صدر صفحتها الأولى ..
التاريخ .. الثلاثاء 27 سبتمبر 2005 .. يوم حلف الرئيس مبارك اليمين الدستورية للمرة الخامسة
المانشت الرئيسى .. نقسم بالله العظيم ألا يرثنا جمال مبارك
السنة الاولى .. العدد الأول
اسم الجريدة ..
الكرامة

ليست هناك تعليقات: