٢٠٠٥-٠٩-١٥

ثقافة القبيلة


ثقافة القبيلة
تربيت منذ الصغر – وغيرى الكثير – على مابات اليوم من الصعب تغييره من الأفكار والعادات ، والتى وان ظلت راسخة فى العقول ، إلا ان شطحات من التمرد والمقاومة احياناً ما تكون مفيدة فى كسر قيود هذه الأفكار، وعلى الرغم من حسن النية الواضح فى الكثير منها الا انها ادت الى ما لا يحمد عقباه .
يقول د/ احمد شوقى العقباوى فى دراسة له سمعنا عنها كثيراً ونستدل بها كثيراً .. ونكتفى بذلك دون ان نحرك ساكناً ، ان الطفل المصرى لا يقل معدل ذكائه ابداً عن اياً من اقرانة الأوربيين او الأمريكيين الى سن الخامسة وذلك بناءاً عن احصاءات اختبارات الذكاء التى اجريت فى تجربة الدكتور شوقى ومقارنتها بمثيلاتها الأوربية او الأمريكية .
بداية من هذا السن وربما قبله بقليل والمؤكد انه لفترة طويلة قادمة بعد ذلك ، تبدأ سلسلة من الممارسات القمعية على الطفل المصرى .. فى البيت ثم المدرسة بكل مراحلها ثم المؤسسة الدينية فمراحل التعليم الجامعى وانتهاء بالعمل المفترض ان يقضى فيه الشخص بعد ذلك كل حياته . يُخرج البيت الى الدنيا حماراً صغيراً يتحول عبرمراحل التعليم المختلفة الى جحش يافع " والتعبير للدكتور شوقى العقباوى " يتحمل ما لاقد يتحمله غيره من البشر فى مناطق كثيرة من العالم.
يبدأ ادراك الطفل المصرى بسلسلة من الأوامر والنواهى .. فلا تفعل ثم لاتفعل ثم لاتفعل هى الجملة رقم واحد فى حياة الأسرة المصرية وكأن عدم الفعل هو القاعدة والفعل هو الأستثناء .. ثم تبدأ مرحلة الحشو وبناء الشخصية الحمارية فى مرحلة المدرسة وسلسلة اخرى من اوامر النهى والجملة الأشهر لاتفعل مضافاً إليها وإلا .... " وإلا " هنا تحمل نبرة التهديد والعقاب والذى يتفاوت ما بين الأهانة الشفهية والعملية احياناً ، تختلط الأمور ما بين التربية والتعليم وما بين فرض النظام وفرض الجمود .. فالمناقشة جدل ، والجدل امر غير مستحب وعليك الطاعة دون سؤال .. خاصة اذا كان السؤال يفتح احد التابوهات المحرمة الفتح .. فى الجنس او الدين .. حيث الاجابة محرجة او مكفرة .. وبعدها حول السياسة .. حيث الأجابة والفعل ورد الفعل قد ينتهى بالقتل فى الحالات المستعصية .. والقتل الأدبى او المعنوى فى الحالات الأقل حدة.
ينشأ الطفل المصرى والعربى بشكل عام على ثقافة تدعو للطاعة ، طاعة الأب والأم " أطيعوهم ولو كانوا كفار " ، طاعة " كبير الأسرة " ولو كان رأيه ضد كل منطق ، طاعة كل من لقننى حرفاً " من علمنى حرفاً صرت له عبداً "، وتتفاقم بمرور الوقت نقافة القبيلة .. فلا شئ يتم عمله الا بالرجوع لكبير العائلة " اللى ملوش كبير يشتريله كبير " الذى يفكر ثم يفكرثم يفكر ويأخذ القرار نيابة عن الكل .. ولا يجوز معصيته حتى فى اكثر الأمور خصوصية لدى الفرد .
ثقافة القبيلة .. التى كرست مفهوم عدم النقاش واتكالية اتخاذ القرار ، والألتصاق المبالغ به بالقبيلة " الأسرة " ، ففى حين يبدأ الشاب الغربى حياته العملية منذ سن الثامنة عشر باستقلال تام عن الأسرة فيبدأ العمل والدراسة فى آن واحد مكتسباً الخبرة العملية والحياتية قبل خروجه الفعلى الى سوق العمل، يكون التصاق الشاب المصرى تحديداً مبالغً فيه بالأسرة – والذى بدا حالياً فى التناقص قليلاً لظروف العمل القاسية التى اجبرت العديد الأنتقال والهجرة احياناً – لا اعتراض على العديد من القيم الشرقية التى نفخر بها ، لكن ان يتحول الأمر الى نوع من الكبت و القمع فهو الأمر المرفوض .
ثقافة القبيلة التى رسخت فى عقولنا فكرة " الصبر على جار السو الى ان يرحل او مصيبة تاخده " وكأننا ليس من حقنا ان نمارس الفعل فقط علينا الأنتظار الى ان يأتى الحل من الخارج .
ثقافة القبيلة مضافاً اليها داء الفرعنة فى الشخصية المصرية والتى قال عنها د/ جمال حمدان في كتابه الأشهر شخصية مصر .. ان الحكام هم سبب كل البلاء والأمراض التى اصابت الشخصية المصرية ، فقط نحن نتفاخر بزويل ويعقوب والباز وغيرهم وننسى انهم الآن وان كانوا عاطفياً افراداً مصريين إلا انهم بكل المقاييس العملية اشخاصاً امريكيين او اوربيين وهذا سبب نجاحهم وبدهياً من المؤكد ان هؤلاء الأفراد لو لم يقدر لهم الخروج من شرنقة المستنقع العربى - المصرى لما نبغوا ولما عرف العالم عنهم شيئا .
ان ثقافة القبيلة المصابة بها شعوبنا العربية ، مع بعض من تبعات داء الفرعنة المرض العضال الذى تصاب به الفصيلة المصرية من البشر وخاصة من ذوى الحيثية او كل من تولى امراً من امور تلك الشعوب البائسة .
ان من يرى او يتعامل مع افراداً تعلموا واحتكوا بالنمط الغربى للثقافة، سيلاحظ فرقاً شاسعاً فى الأداء والقدرة على التفكير والأبتكار يعجز كثيراً ممن لا يمتلك المرونة الكافية ومن عاش فى اطار القبيلة فى التعامل معها او الأندماج السريع مع مفرداتها . ليس كل ما يأتى من الغرب لا يسر القلب كما يقول مثلنا الشعبى فالغرب ليس ايدزاً ومخدرات وانحلال .. الغرب قدرة عجبية على العمل المتواصل والأبداع المتواصل والأنتاج المتواصل ، الغرب شعوب تقدس حريتها فوق كل اعتبار – الغرب يخلق الحلم والهدف ، ويقاتل من اجل تحقيقه ان الغرب نجح حين تحرر .. ليس من ملابسه كما يدعى الكثير من المتزمتين .. بل حين تحرر من الكثير من اطر التخلف التى كانت تحكم عقله .. وهو ما نرجو ان تصاب به شعوبنا .. التحرر بمعناه الأيجابى .. من كل امراضنا المستعصية .
ان النظر الى الحرية كقيمة لا ينبغى التنازل عنها فهى سبيلنا الى الخروج من دائرة التخلف ، حرية ان نفكر ولوشطحت بنا أفكارنا .. فنحن نصيب ونخطئ وليس لأحد ان يحاسبنا على ما نعتنق من افكار – ما دامت لم تتحول الى فعل عنيف – حرية ان نختار ما نريد .. تعليمنا ، عملنا ، حكامنا ، حياتنا وحتى ديننا .. لا ان تفرض علينا قصراً .
ارفض مقولة ان الدنيا باب ندخل من احداها ونخرج من الآخر .. ولا اعلم من قالها ولا ماذا كان يقصد بها لكنها تحمل معنى سلبياً يكرس للاستسلام بدعوى الجزاء الأخروى .
تتحمل الدنيا ان نعيشها دون ناسكين اورهبان او معتزلين ، لكننا لا يكمن تحمل فكرة ان نعيشها دون انجازات افراد مثل اديسون ، وجراهام بل ، والأخوان رايت ، وبيل جيتس .. ومئات من البشر صنعوا حياة قابلة للحياة .
بعد ذلك يبقى السؤال الذى دائماً ما يثير غيظى حين يردده البعض ببراءة اقرب الى السذاجة ..
لماذا يبدو شباباً منبهراً بالغرب ؟
لن اجيب ففيما سبق الأجابة .. ولكننى فقط ارد .. بأنى شخص معجب بالغرب الى حد الأنبهار .. ولأقصى حد.

ليست هناك تعليقات: