٢٠٢٣-٠٦-١٦

مشغول أنا بما قليلاً ما يشغلُ الآخرين، أو ربما يشغلهم لحظات ثم يَنفُضون عنهم ذلك الانشغال الى ما هو يُسمن و يُشبع من جوع - من وجه نظرهم.

من بين كل هؤلاء الآخرون، لا يشغلني إلا القليل: شريكة الحياة،أطفالنا،وبعض الأقربون.

وأشعر كثيراً بالحيرة فى أعينهم، حينما يسمعوننى أُفصح عن بعض هذا الانشغال فى حديث عارض هنا او هناك.

مصدر الحيرة الأساسى فى الغالب الذى أشعره، يتمثل فى كلمة .. لماذا.

لماذا دوناً عن كل الرجال/ الآباء الذين نعرفهم، يبدوا رَجُلنا/أبانا مختلفاً فى طريقة تفكيره، او مُنشغل بالتفكير فيما لا يُفكر فيه الآخرون من الرجال/الآباء.

وهو انشغال او تفكير، يشعرون بالحرج إزاه، فهو يضرب فى أنفسهم،صميم أفكار القطيع والعقل الجمعى المُنقادون له.

ثم أمد حبل أفكارى عبر التاريخ - كما أفعل دوماً - ففيه الكثير من الاجابات، وأجد الاجابة فى قصة متشابهه مع قصتى، لرجل عاش قبل ألف وتزيد من السنين.

وأُدرك "الشتان" ما بين الحالتين، لكنهما فى النهاية: رجلين، وُضعا فى نفس الموقف.

عرف الرجل شريكته، او ربما هيا التى عرفته أولاً.

كان هو فى بضع وعشرين من عمره (متأخراً كثيراً فى سن الزواج عن أقرانه فى ذلك الوقت)، وكانت هى فى الأربعين: أرملة غنية مستقرة، ومستقلة.

تعامَلت معه قبلاً- مدة من الوقت -كأحد معاونيها فى أعمالها، ومن هنا عرفته ، وربما عرفت بعض أفكاره، وما ينشغل به دوناً عن الآخرين من شئون الحياة .. وعرفها.

ولن أستفيض كثيراً، فالقصة معروفة.

طوال عشرون عاماً، عاشتها معه، لم تشعر بالحيرة من أفكاره، او مما يقوله، او يفعله.

و بالتأكيد ابداً لم تشعر بالحرج، كونه يغرد خارج القطيع.

بل كانت العمود الأول، والركن الأهم، فى نجاحه فيما نجح فيه بعد ذلك.

ويبدوا السؤال التلقائى: لماذا كانت هذه السيدة الأعظم، خلف هذا الرجل العظيم.

لا اجابة محددة فى هذا الشأن يمكن الوصول اليها.

لكنى أعتقد، أنها ملكت عقلاً مفكراً ،متأملاً - كعقله -فانجذبت للرجل بسرعة.

صقل هذا العقل، قريبها الأقرب، "بن نوفل" :مُعلمها، ومُربيها الفكرى.

ومن هنا صدقته، ودعمته، حتى رحيلها. ولذا كان طوال عمره، محُباً وفياً لها فى وجودها ..

متذكراً لها، دامع العين كثيراً حين غيابها.

أتفهم ان ليس كل شريك بهذا الوعى، او القدرة على الدعم، خاصة فيما يخالف القطيع وأفكاره.

لكننى أبحث عن حل توافقى، ارسم به "بسمة" على وجه شريكتى، وأطفالى، والبعض الأقربون، بدلاً من تلك النظرات الحائرة، على وجوه مستنكرة.

وآمل ان اجد ذلك فى أقرب وقت.

٢٠٠٦-٠٩-١٨

هلفطة

الصورة نقلاًعن موقع .. مصريون بلا حدود

فيما يبدو انه تحليق خارج السرب .. واستطراد في غير السياق ، أعود لأخرج كماً من البخار المكتوم فى الصدر بعد ان بت لا استطيع كتمانه ، وانا اعلم انه اولاً واخيراً .. نفثاً للبخار والغضب المكتوم لا اكثر .ه
اقول انه تحليق خارج السرب واستطراد فى غير السياق .. فلن أتحدث عن تصريحات رأس الكنيسة الكاثوليكية التى اثار بها موجة من الغضب – كما لم اتحدث – سابقاً - حول موضوع الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ولم أدلى بدلوى فى الموضوع وقتها – فلفظة موجه هى الوصف الصحيح لما يحدث الآن .. فسرعان ما سوف تهدأ الأمور وتتحول فورة الغضب الى ريم وزبد ينحسر تدريجياً بعد ان وجدت قطعان البشر منفذاً لنفث بخارها المكتوم فى الصدور .. وحسب.ه
لازلت أرى – وأنا حر فيما أرى فنحن فى بلد ديموقراطى كما يزعم رئيسنا – أن أخطر ما يواجه تلك الشعوب البائسة المتحدثة باللغة العربية هو داخلها المهترئ .. وأن ابشع الأهانات وأحطها تأتى من الداخل نفسه .. أما الخارج بكل تجاوزاته " وهلفطته " ومعاركه التى يخطط لها بدقة لأستفزاز تلك الشعوب .. حيث نوع الموضوع وطبيعته وكيفيه اثارته ومتى .. فهى آخر ما نحتاج الى الأندفاع خلفه ولو كان هذا التجاوز فى حق الدين ، ولو كان هذا التجاوز من ابرز رؤس الخارج السياسية والدينية .. وأتمثل قول جد الرسول صلى الله عليه وسلم لرسول أبرهه الحبشى " رد لى بعيرى ، اما البيت فله رب يحميه " . ليس تخاذلاً او ضعفاً او عدم حمية على الدين والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .. هو فقط اختلاف فى الرؤية حول أولوية ما يجب ان نتحرك تجاه تغييره ، وما ينبغى لنا ان نشتعل غضباً له .. وان نستميت فى تغييره حتى نتحول من مرحلة ردود الفعل الى مرحلة الفعل .. وحين نصل الى مرحلة القدرة على الفعل .. يبدأ عندها اعادة ترتيب الأولويات.ه
الداخل المصرى تحديداً صار أكثر ما يجب ان يحركنا وهو التحرك الذى يجب ان يكون الآن – وفقط الآن – فالأيام تمر وتضيق الحلقة يوماً بعد يوم .. وبين عشية وضحاها سوف يكتشف المصريون انهم " لبسوا السلطانية " وان كل تحركات الأب والأبن والفريق النجس .. صارت امراً واقعاً من المحال تغييره.ه
أتفهم ان تغضب الناس – ولهم كل الحق – من أساءة لرسولنا الكريم ، وأتفهم ايضاً ان تثور تلك الشعوب غضباً غيرة على دينها حين يمس من اى فرد فى اى مكان .ه
لكن ما لا اتفهمه حقاً وما لا استطيع منع نفسى من التعجب حياله .. هو ذلك الصمت المطبق .. الكريه ، حين تكون الأهانة يومياً وبشكل مباشر لهؤلاء .. بلسان ويد جلادين من دين هذا الشعب ودمه . لا أتفهم لماذا لا تغلى الدماء فى عروق هؤلاء وهم يشاهدون مقاطع مصورة .. لأشاوس الشرطة وهم يصفعون ويركلون – بل ويسبون الدين نفسه الذى يشتاطون غضباً لأهانته – مواطناً بائساً لا حول له ولا قوة ، لا يقوى على رفع يده ليمنع الصفعات المتوالية من يد جلاده – ضابط الشرطة - المسلم العربى المصرى والذى لسخرية القدر يحمل اسم " مصطفى " ، وهو المقطع الذى انتشر على شبكة الأنترنت ونشرت جريدة الدستور المصرية صوراً منه فى عدد سابق !!ه
المحافظة على عزة وكرامة اى دين لا تأتى إلا بالمحافظة على عزة وكرامة من يعتنقون هذا الدين .. فأذا كنا نهان وتمتهن كرامتنا فى اليوم ألف مرة فى داخل أوطاننا بيد أفراد من نفس الوطن .. فلما نغضب – فقط – حين تأتى الأهانة من الخارج ولماذا نثور ويندفع أفراد منا لتحطيم كنيسة هنا او قتل شخص هناك لا ذنب له ألا انه ينتمى لنفس جماعة من سب او شتم ..ه
ان تسامح الأنظمة العربية والنظام المصرى تحديداً تجاه الغضب الموجه الى الخارج تسامح مشبوه ، فما اظهره النظام المصرى من تسامح حول المظاهرات التى صاحبت قضية الرسوم المسيئة وهو نفس ما تظهره الآن تجاه ما قاله رأس الكنيسة الكاثولكية .. بل وحث وزير الخارجية المصرى وشيخ الأزهر على الأدلاء بتصريحات الأستنكار والشجب .. ليس لحمية النظام وذيوله للدين فهذا آخر ما يعنيهم ، انه فقط محاولة لشغل قطعان البشر بقضايا فرعية – مع تسليمى المطلق بحساسيتها المفرطة وخطورتها – قضايا لن تقدم او تؤخر ، بل وبكل ثقة استطيع ان اقول انها ابداً لم ولن تؤثر فى يوم من الأيام على بنية هذا الدين ولا نبيه الكريم ، فلطالما تعرض الدين الأسلامى لهجمات شرسة من العديد من الأفراد على مر العصور .. وبقى وسيبقى عزيزاً كريماً الى ان يرث الله الأرض ومن عليها .. ولو كره الكارهون . ه
ان ما يحدث الآن فى العالم أجمع .. وفى الوطن العربى تحديداً هو " سيكس بيكو " كما يرى كل من يتابع ما يجرى على ارض الواقع ، اتفاقيات مشبوهة خفية يراد بها تفتيت الوطن العربى ورفع العلم الأمريكى على كل شبر فيه بحيث لا يبقى من يقاوم ولا تبقى رغبة او نية فى المقاومة لدى افراد تلك الشعوب وما سلسلة القضايا المفتعلة التى تخرج رؤوسها بين الحين والآخر إلا جزء من سيناريو إلهاء تلك الشعوب عن قضاياها الأخطر .. وهى التخلص من نظم حكمها الفاسدة التى تعينها على تطبيق سيناريو وراثة الأوطان العربية فى مقابل بقائهم على كراسيهم وتوريثها لأبنائهم من بعدهم فهم الأصلح لتلك المهمة – ولنشهد ما سوف يسفر عنه مؤتمر الحزب " الوثنى " فى مصر خلال أيام – وهو يضع اللمسات الأخيرة لتوريث الأبن .. عرش مصر ، وبالمثل فى باقى الأقطاعيات العربية ، فمن العقيد فى ليبيا وابنه الظاهر فى الصورة بشدة الآن ، الى اليمن التى اعلن رئيسها مؤخراً عدم وجود مانع دستورى لترشح ابنه لمنصب الرئاسة ، وما حدث قبلاً فى سوريا .. الى انقلابات العسكر فى موريتانيا وغيرها .. هذا فى النظم الجمهورية .. وحدث ولا حرج عن بقية الدول العربية التى تحكمها نظم المشيخة فالتوريث فيها سنة لا جدال عليها .ه
فى العصور الوسطى جاء ريتشارد قلب الأسد الملك الأنجليزى بأجندة استعمارية لبست اثواباً دينية تجذب بها العامة والغوغاء الذين عانوا الجوع والجور من بطش حكامهم ، جاء على رأس حملة ضخمة لتأديب المسلمين البرابرة وطردهم من أرض المسيح عليه السلام .. أجُبر على الأنسحاب والعودة الى بلاده موقعاً اتفاقية صلح حفظ بها ماء وجهه .. عندما واجه قائداً مثل صلاح الدين الأيوبى .. لم يتخازل ولم يخنع بدعاوى الحكمة والخيار الأستراتيجى للسلام لم يتحالف مع الأعداء ضد ابناء شعبه ولا ابناء دينه .. لم يبحث احد حول اصوله الكردية ولا انتمائه المذهبى .. حارب حين كانت الحرب لازمة لاستراد الكرامة قبل الأرض .. وارتضى جيشه وشعبه – معه - ان يدفع الثمن الباهظ للكرامة والحرية من المال والدم والروح .. وتسامح حين كان التسامح واجباً من موقع القوة لا من موضع الضعف .. وعقد صلحاً لم يتنازل فيه عن ثوابت العزة .. وضرباً نموذجاً لقائد مسلم تتحدث عنه الأساطير الأوربية الى يومنا هذا.ه
لن يتوقف سيل الأهانات الموجهة لشعوب تلك المنطقة البائسة من العالم إلا حين تُحكم برجال من هذا النوع .. ولن يحدث هذا إلا حين تصبح تلك الشعوب قادرة على اختيار هؤلاء الحكام .. ولن تصبح تلك الشعوب بطبيعة الحالة قادرة على اختيار حكامها إلا حين تصبح حرة فى اختيار كل شئ فى حياتها .. ولن تنعم الشعوب بحريتها .. إلا بعد التخلص من الطغاة المتحكمين فى مقدرات تلك الشعوب .. وهو ما يجب ان يكون شغلنا الشاغل.ه

٢٠٠٦-٠٧-١٦

اذهب الى فرعون ان طغى

فى تنويعة من الهموم بين الداخل والخارج ، وبعد غياب ما يقرب الشهرين عن المدونة لظروف العمل ، والأرتباط ( فقد حدث ما
اخشاه بالفعل وبت قاب قوسين او ادنى من الدخول الى القفص الحريرى ) اوشك ان أتم نصف دينى الآخر .. بينما لا يزال النصف الأول بداخلى غير مستقر .. على ايه حال عدت الى التدوين مرة اخرى .. ودائماً يستفزنى الى العودة شخص واحد ، ينجح دائماً فى اخراجى من حالة (المفيش فايدة ) ، وان ( غيرك كان اشطر ) ولكنه وبكل اقتدار قادر على جعل حتى الصخور تنطق .. انه الرئيس المفدى .. مبارك .. ففى سلسلة من سلاسل تنكيث الرأس ..التى فُطر عليها سيادة الرئيس .. تأتى تصريحات رئيسنا العجوز.. الذى يقاوم الخرف والمرض ، مثله .. مستفزه .. جبانة .. تتسمح بالعقل والحكمة .. وكل حروفها لا تقطر إلا خسة ونذالة وجبن.ه
لا يكفي رئيسنا المفدى انه اشاع الوهن فى جسد هذا الوطن .. وملئ نفوس البشر فيه يأساً واحباطاً وحسرة وألماً .. لا يكفيه انه استطاع ان يخرج من المصريين اسوأ ما فيهم .. فانتشر الفساد فى البر والبحر والجو .. لا يكفيه انه حول بلداً بحجم مصر .. الى تابع ذليل ماتت فيه ارواح الناس وبقيت اجسادهم .. تمارس عمليات الأيض اليومية .. تصحو .. لتأكل فتشرب .. وتمارس القليل من الجنس بعقول متعبة واجساد مهدودة .. لتنام فتصحو فى دوامة من الفراغ اللامنتهى واليأس اللا منتهى .ه
لا يكفيه .. أنه وهو على حافة الموت وقد بات قاب قوسين او ادنى منه .. انه يعد العدة .. ويطبخ ورجاله وكلاب امن دولته .. أكلة " التوريث " لولى العهد .. خليفة أمير المؤمنين .. جمال بن مبارك .. اجحمه الله هو وابيه وآل بيتهم اجمعين . لا يكفيه تسميم ابداننا بهرائه المستمر عن برنامجه الأنتخابى والمشروعات العملاقة وآلاف فرص العمل التى لا تجد من يشغلها كما صرحت وزيرة القوى العاملة الجديدة .. لا يكفيه حرق دمنا فى كل مرة نرى فيها طلعته البهية فى اعلامنا الريادى وتلفازنا اللولبى .. وعلى الرغم من ذلك فيكفى فقط ان ترى وجه الرئيس مبارك فى نشرات الأخبار لتتذكر آخر خمس اعوام من عمره المديد .. تتذكر الآف البشر الذين يستنجدون بالله كى يرحمهم من سجون مبارك ، ومما يحدث بها .. ولازال محمد الشرقاوى وكريم الشاعر .. كعينة من الآف الشباب المصرى الذين فقط أردوا المشاركة فى صنع التغيير .. فكان مصيرهم الأعتقال .. وما بات ليس مخفياً .. كان اعظم .ه
يكفى فقط ان ترى وجه الرئيس مبارك فى نشرات الأخبار حتى تتذكر .. اسماء مثل أيمن نور .. الرجل الذى سوف يقضى من عمره خمس اعوام فى سجون مبارك .. بتهمه تزوير توكيلات انشاء حزب .. فى حين يمرح المتهم الرئيسى فى اغراق ألف مصرى فى عباراته المميته فى اوربا بملايينه .. يخرج لسانه لمن يتحدث عن العدل فى مصر .. يكفى حين ترى وجه سيادة الرئيس .. ان تتذكر قضاه مثل البسطويسى ومكى الذين تم تأديبهم معنوياً .. ومحمود حمزة الذى تم تأديبه عملياً بأيدى وأقدام .. كلاب أمن دولة سيادة الرئيس وتتذكر ان ذلك جزاء المارقين ، المعارضين ، ويقفز الى ذهنك فجأة اسم رئيس المحكمة الدستورية العليا الذى تم تنصيبه منذ أيام ..الرجل المخول له الفصل فى كل التشريعات الدستورية القادمة .. نائب مصر العام سابقاً .. وأحد مهرة الطباخين فى مطبخ مبارك لصناعة التوريث القادم حتماً بعدما صار فى فم كلاً منا ( فردة جزمة ) ومن النوع الردئ .. فأصبنا بالبكم وبتنا نموذجاً لشعب يعيش فى ظل الفرعون الآله يسبح بحمده الآء الليل واطراف النهار.ه
لا يكفي الرئيس مبارك هذا كله .. بل يفتح فمه لا يقول ما ليس له فيه ناقة ولا جمل .. ويتحدث عن المغامرات الغير محسوبة من قبل حزب الله فى لبنان .. آخر معاقل المقاومة والصمود .. فى قلب هذا الوطن من محيطه الى خليجه . ه
يتحدث عن المقاومة كمغامرة غير محسوبة ستزيد الوضع سواء .. وكأن الوضع كان مشرقاً مشرفاً .. وكأنه لا يرى بعينيه اللتين لا يكاد يستطيع رفعهما .. أننا عدنا الى نقطة الصفر مرة أخرى .. وبل ودرجات أدنى من الصفر بكثير. ه
وكأنه لا يرى العراق وما وصل أليه .. ولا يرى سوريا وهى تكافح من اجل البقاء .. ولبنان وهو ومدمر مهشم تتناهشه رغبات زعماء الطوائف به .. وكأن الأندلس تعود من جوف التاريخ فى عصرنا الحالى .. لا يرى فلسطين وقد حوصرت براً وبحراً وجواً ويكاد شعبها يموت جوعاً .. لا يرى السودان والصومال .. والأيدى التى تعبث من خلف الكواليس .. هو بالفعل لا يرى .. فكما اجمعت كل الآراء حتى الآن .. انه رجل بلا رؤية .ه
لا يكفيه ما صنع بنا فى الداخل .. بل خرج ليصب بلادته وجموده وتخاذله على لبنان والمقاومة فى لبنان .. على آخر معاقل العزة والكرامة كما صرح حسن نصرالله امين حزب الله ..وابداً لن يكون ما يحدث فى لبنان الآن اسواء مما كان يحدث بها او مما كان يرسم لها .ه
فخامة الرئيس .. كف يدك ولسانك عن بلاد الله وخلق الله .. ودعهم لشأنهم .. وانشغل بنا نحن رعاياك .. والمحكومين بأمرك وأمر ولى عهدك - ثكلته أمه قريباً بأذن الله - فنحن تشبعنا بالبلادة منك .. وبتنا نستطيع ان نتحمل جار السوء الى ان يرحل " قريباً كما نرجو " او تأتى مصيبه " من عند الله " فتأخذه . ه
من أحد الداعين من الله ان يرفع مقته وغضبه عنا .. من أحد أفراد شعبك الذى عاش وترعرع فى ظل وجهك الكئيب .. من أحد افراد الشعب المصرى البائس .. أقول لك .. لتقل خيراً او لتصمت.ه

٢٠٠٦-٠٥-٢٩

وحل


حين يمتزج الماء بالتراب وتختل النسبة بينهم .. يتكون الوحل ، واسوأ ما فى الوحل انه قادر على تلويث كل شئ حوله وتلطيخه .. فيكفى ان تكون بالقرب من بركة وحل حتى وان لم تقترب منها كى ينالك منها بعض الأثر .. واصعب ما فى الأمر انه ان لم يغسل اثره جيداً فأنه سيبقى وتبقى اثاره عالقة على ملابسك وجسدك تشعر به وان لم تره .ه
يكون الأمر اكثر ايلاماً اذا ما طرطرش احدهم الوحل فى كل الأنحاء فأصاب من اصاب ولوث من لوث .. لكن الأثر لم يكن على الأبدان والأثواب .. بل وصل الى النفوس والأرواح ، فحين تصبح النفوس موحلة .. والأرواح ملوثه بلطخات من الوحل الكريه ، يصبح الأمر كارثياً .. وحين تعم آثار التلوث لتصيب كل ارجاء الوطن كبيره وصغيره ، عظيمه ووضيعه .. فقل على هذا الوطن السلام.ه
يبدو الأمر دائماً وكأننى سوداوى المزاج ، متشائم .. لا أرى من الحياه ألا نصف الكوب الفارغ ، وإلى هؤلاء اقول .. انتم مخطئون ، فأنا أرى مثلكم نصف الكوب الممتلئ .. لكننى آراه ممتلئاً ماء آسناً .. عفناً ، وهو امتلاء لا ارى فيه اى بادرة خير على وجه الأطلاق بل ان كل نقطة تضاف الى هذا الكوب لن تزيده إلا عطناً على عطن .ه
أقول - والحق أقول - ان الأمر طال الكبير قبل الصغير ، والعالم قبل الجاهل وفى فارق بضعة أيام فى أسبوع واحد صادفت نوعين من الأرواح الملوثه بالوحل أحدهما لكبير يدعى أنه عالم ، والأخرى لمجموعة أطفال لم يتجاوزوا العاشرة بعد من أعمارهم .. لوُثت نفوسهم البريئة بفعل نظم تربية وتعليم .. فى البيت والمدرسة على رأسها نفس نوعية هذا الرجل .. الأب .. العالم - كما يدعى - الجامعى.ه
كان النموذج الأول مثيراً للتساؤل والتعجب .. بضعة أطفال يلعبون الكرة فى الشارع .. أعلم بحكم الجيرة انهم لم يتجاوزوا العاشرة بعد من أعمارهم .. لا تستطيع التمييز بين وجوههم فهم أطفال ليس بينهم الأشقر أو الأحمر .. استوقفنى بطريق الصدفة حوار دار بينهم بشكل صاخب ، كانوا يحاولون أبعاد أحدهم عن باقى المجموعة ويتصايحون
لأ متلعبش معانا
أنت مسيحى .. متلعبش معانا
تعال يا احمد بص على ايديه .. فيها صليب
متخلوهش يلعب معانا .. ده مسيحى
أنزوى الصبى الصغير .. فى احد الأركان بجوار منزله الذى يجاور منازل باقى المجموعة التى طردته من تجمعها وهو غيرمستوعب لما يحدث وعلامات عدم الفهم على ملامحه البريئة .. تجعلنى أريد البصق فى وجه كل من يتحدث عن الأخوة بين جناحى الأمة المصرية ، واشعر بالأزدراء لكل تصرفات أئمة السلطان من المسلمين والأقباط الذين يلعبون السياسة بحياة الشعوب .. واشعر اكثر بنوع من القرف والغثيان من حالات التعصب الأعمى التى وصل اليها حالنا .. فبتنا نتعصب لكى شئ ضد اى شئ .. بعد ان اختلت الموازين وانعكست الآيات .. وأصبح أكثر أفراد هذه الأمة ضحالة .. وتفاهة هم سادتها ، وصرنا نحتل مراتب متقدمة جداً فى ترتيب الأسوأ على مستوى على العالم فى كل التقارير الدولية وفى شتى المجالات .. التربية .. التعليم .. حقوق الأنسان .. التنمية البشرية والأنسانية .. الوضع الأقتصادى .. الوضع السياسى .. الوضع الأجتماعى .. ومن أعلى المستويات الى أدنها .. من مؤسسة الحكم .. الى مؤسسة الأسرة التى أفرزت اطفال يمارسون التعصب والتمييز .. وهم بعد فى سن الزهور .ه
تلك كانت الحادثة الأولى ، أما الأخرى وأظنها تسير فى نفس السياق فهى نموذج آخر لنفس المجتمع المشوه الذى يتوالى فى افراز أفراد مشوهون نفسياً يتوالون وراثة وتوريث نفس الأمراض جيلاً بعد جيل .. كان الأمر بسيطاً .. أحد استاذة الجامعة " عالم " كما يدعى ، يتولى تدريسى أحدى المواد الدراسية فى رحلة دراستى العليا " - وبت اشك كثيراً فى كلمة عليا هذه - يوشك الترم الدراسى على نهايته ، واحتاج توقيع هذا الأستاذ على ورقة تفيد انتظامى فى الحضور كى استطيع دخول امتحان المادة .. أمر روتينى لا يحتاج اى فذلكة .. وقفت أمام أستاذى العالم استأذنه فى التوقيع .. نظر إليا من خلف نظارته مشيراً الى أننى قد تغيبت أكثر من مرة .. لم أنكر فقد حدث هذا فعلاً ، كل ما فعلته اننى حاولت ان أعتذر عن ذلك معللاً ان ظروف عملى تجبرنى احياناً على التغيب المفاجئ .. لم يعجب الرد استاذى الجامعى .. فأزاح الورقة جانباً معطياً اياى درساً فى فن المراوغة وكيف اذا ماكنت ابحث عن مبررات فيجب ان تكون أكثر نضجاً وواقعية من مبرراتى الساذجة .. وان شعره الأبيض قد شاب وهو يتعامل مع أمثالى من المراوغين.ه
طوال فترة كلامه لم أعلق فأنا قصرت فعلاً فى الحضور ، ومن حقه ان يصدق او لا يصدق مبرراتى ، ومن حقه أكثر من ذلك ان يرفض التوقيع .. بل وان يرفض دخولى الأمتحان فى مادته هذا الترم ، وبأعتباره رئيساً للقسم الذى ادرس فيه دراستى " العليا " قد يستطيع ايضاً ان يلغى تسجيلى الذى بدأته منذ عامين اذا ما رأى أنى طالب غير ملتزم .. الى هذا الحد فأن الأمر يبدو مقبولاً .ه
وكان ان أختتم الأستاذ الجامعى الفاضل عباراته .. بجملة من ثلاث كلمات : ه
فاهم .. يا حمار
هناك نوعين من الأستجابة يصدران فى مثل هذه المواقف كلاهما تلقائى .. وكلاهما يتوقف على الفرد نفسه ومدى مرونته..أولهما أن " أطرمخ " على ما سمعت ، وأن أبتلع الكلمة واعتبرها كأن لم تكن حفاظاً على تعبى طوال عامين سابقين وأتمسح برداء الحكمة والتعقل ، والمطاطاة للريح والى كل آخر قاموس الليونة والمرونة الزائدة عن الحد . وثانى هذه الأستجابات التلقائية أن لا تقبل ان تبتلع الأهانة ولاتقبل ان تتحمل شخصاً موحل النفس والروح ، لم يحترم نفسه أولاً فأجبر طالبه على عدم احترامه .. فكان أن رددت على الأستاذ الجامعى بما لم أتجاوز به حدود الأدب .. ولكنه كان كافياً لأن يحمر وجه غضباً ويلقى بالأوراق فى جهى .. مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وبأننى سأندم على ردى ذلك ، ولأعتبر ان مجهود عامين قد ذهبا ادراج الرياح .. وانه طالما هو موجود فأننى لن أكمل دراستى فى القسم ولا أى قسم آخر من أقسام الكلية ، وانضم أليه أحد زملائه ممن سمع بالأمر .. وتطوع بأن نعتنى " بقلة الأدب " .ه
الأعجب فى الأمر.. انه بعد أن هدأت العاصفة قليلاً .. انتحى بى أحد زملاء الدراسة ممن يحمل درجة الماجستير فى القسم ويعمل به مدرساً مساعداً ، قائلاً بأننى قد تهورت واننى الخاسر الوحيد فى كل الأمر .. وأن هذا يشبه ما يحدث فى الجيش والشرطة .. وهى سمة فرعونية موروثه .. وأن هذه ليست اهانة بل هى كلمة متداولة على لسان هذا الأستاذ يصف بها من هم أقل منه سناً او درجة علمية ، وغيرهم - بشرط ألا يكونوا من أبناء اعضاء هيئة التدريس الذين امتلئت بهم كل أقسام الكلية - ويلقبونه " بأونكل " .. لم أستطع الرد على زميل دراستى .. لكنى أدركت منطق الوراثه الذى تحدث عنه ، وألتمست له العذر فهذا عمله ومستقبله .. وأدركت ان طرطشات الوحل تتناثر فى كل مكان حتى باتت أمراً عادياً لا يحتاج الى جهد فى تفاديه . ه
تلكم كانت حادثتين فى أسبوع واحد .. يصادف هذا الأسبوع عيد ميلادى الحادى والثلاثين .. ربما قدراً سئ الحظ ان تكون هذه السنون هى الأسوأ على الأطلاق فى تاريخ مصر الحديث .. وربما القديم ، لكنى بت أوقن يوماً بعد يوماً ان الوحل غطى ثوب هذا الوطن .. غطى نفوس البشر فيه وأرواحهم .. قبل ان يغطى عقولهم.ه

٢٠٠٦-٠٤-٣٠

القضية أننا جيل .. بلا قضية


فى زمن الأنحطاط حين ينطمس النظر .. وتبهت الرؤية .. حين يصيب القلب الوهن .. وحين تذبل الزهرات حتى قبل تفتحها ..حين تصير الحياة رحلة من سخف الى أسخف.. حينها يصبح اليقين امراً مستحيلاً .. ويصير الشك فعلاً نبيلاً .ه
حين يصير الوطن معتقلاً عفناً .. تبغى الهروب منه .. ولا هروب .. تحاول العيش فيه .. فيقتلك فى اليوم ألف مرة .. رائحة العفونة .. والرطوبة المنبعثة من جنبات زنزاناته .. حين يصبح الوطن تابوتاً او مقبرة .. تزكمك رائحة الموت اينما ذهبت .. ولا تسمع فيه إلا عويل المعزين .. وهمهمات المرافقين .. فسحقاً لهذا التابوت .. الوطن.ه
حين يشتعل الأمر بين الرفقاء الفرقاء فى الوطن .. وتوشك ان تندلع فى لحظة طيش منها شرارة تجعل بقايا هذا الوطن كومة ركام.ه
حين يهتز قلب مصر .. سيناء .. بسلسلة من الأنفجارات مجهولة المصدر والسبب .. ونبحث عن الفاعل بيننا .. بينما ضحكات الشيطان تمزق سماء جيراننا الألداء فأننا فى الطريق الى قمة الهاوية .ه
حين تسحق احذية كلاب أمن الدولة .. وزبانية النظام البغيض .. شرف القضاء ووجه قاض .. فأننا فى زمن الهكسوس والتتار وسيادة الكلاب المسعورة ..ه
حين يتم التحقيق مع زعماء التمرد - من اجل الكرامة - من القضاة .. وتبدأ لعبة تصفية الحسابات بعد مولد الأنتخابات .. فأننا فى زمن الخرس .. والبكم .. والعمى .. ه
حين يقبع منافسوا الرئيس - الرئيسيين - الآن فى المعتقلات .. لأسباب ملفقة ومحبوكة .. ولا تسمع الا دوى الصمت .. فهو الدليل
على انقطاع الحياة .. وتفاهة من يعيشونها .ه
حين يمد عامين آخرين قانون " المطارق " التى تهوى على رؤس البشر والحجر .. ونقبل ونذعن .. خوفاً من مطرقة القانون الطارئ
فأننا نستحق العيش فى قلب هذا العفن .. ه
حين نرى الحكومة الفرنسية تنهار تحت مطالب المعارضين والمتظاهرين فيستقيل واحد ويعتذر آخر .. ويوشك آخر على السقوط .. تتمزق حسرة على أمة .. تتغنى بالكرامة .. وهى تمارس العهر يوماً بعد يوم .. ولا حياء ولا حياة .ه
حين يصمت هذا الشعب .. ولا ترى منه الا كل بلادة وفتور .. ولذة العيش تحت الأقدام .. ومتعة حك القفا بعد سيل لسعات كف المخبرين من كل شكل ولون .. فهذا ليس دليل موت .. انه دليل على عشق العبودية .. والخوف المفرط من الحرية وثمنها .ه
القضية فى مصر الآن .. اننا نحيا بلا قضية
وحين تصير قطعان البشر بلا هوية .. وبلا قضية .. فانتظروا اسوأ ما فيها .. انتظر الغاب وشريعة الغاب
انتظروا تسيد الضباع .. أحط آكلات اللحوم .. زمام الأمور
انتظروا الأسوأ.. فاليوم - على كل ما فيه - افضل مئات المرات من القادم .. غداً

٢٠٠٦-٠٤-٠٢

عن الحياة .. والموت


تبدو طريقاً طويلة .. احياناً ، وقصيرة فى أغلب الأحيان .. لكنَّا لاندرك أنها قصيرة إلا بعد فوات الآوان .. كأنها نفق او سرداب رطب مظلم ، لا يلوح فى الأفق له نهاية او انه بنهايات تتشابك فى البدايات فتوشك على ان تكون بداية أخرى .. الحياة .. نقطة البدء فى ذلك النفق المظلم الطويل المجهول .. والموت .. نهاية النفق .. ونهاية الرحلة .. نقطة الأستكانة واللاعودة .ه
كل كائن حى تعلم الدرس وأيقن ان لكل بداية نهاية ، ربما تكون النهاية نقطة بدء جديدة ، وربما لا تكون . تعلم الأنسان- بالتجربة - انه ابداً لم تطوى صفحة الا للشروع فى كتابة صفحة أخرى ، حتى أن لم يكن هو مقَلَّب الصفحات أو كاتب الصفحة الجديدة .. انها ابدية العلاقة بين البدء والأنتهاء .. او الأنتهاء والبدء.ه
من بين كل المسلمات التى ضُخت الى العقول منذ الصغر ، من بين كل أنهار وفيضان الأفكار والأراء والخطب والمواعظ ، من بين كل أوراق الكتب ، من بين كل أقوال المتقولين ، وكلام المتكلمين ، من بين كل الثوابت .. لا أستطيع اليوم إلا التأكد من الشئ الحقيقى الذى استطيع ان آراه بين الحين والحين .. الذى استطيع ان ألمسه فى برودة أجساد الآخرين - المختارين - الذى أستطيع ان احمله على كتفى فوق نعش ينقل من المعلوم الى المجهول .. أنه الثابت الوحيد دائماً وابداً ، القاسم المشترك الأعظم بين كل الكائنات - عاقلها وغير عاقلها - انه الموحد بين شتى صنوف البشر وألوانهم .. الذى لا يفرق بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر من جنس البشر .. أنه عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين .. أنه الموت .. حقيقة هذا العالم المؤكده .. الثابتة .. الراسخة التى لا تقبل النقاش او السفسطة او الجدل او العدم او الفلسفة وتفلسف اصحابها .. جادل الأنسان فى كل تفصيلات حياته ودقائقها .. فى الميلاد وفى الوجود .. فى الكون وخلقه وخالقه .. فى الأنسان والشيطان والجن والعفريت .. فى السماوات والأرض وما بينهما .. فى فناء الديناصورات وخلايا الجراثيم ..فى ذرات المعادن والعناصر وانشطارها .. فى الشمس والقمر .. فى كل شئ .. إلا الموت .. فكان المعركة الأخيرة فى لعبة الأنسان والحياة .. المعركة التى ودَّ الأنسان دائماً وابداً ان يخوضها بأمل النصر .. لكنه فى قرارة نفسه كان يعلم أنه المستحيل بعينه .. فالمعركة محسومة منذ لحظة البدء .. والهزيمة دائماً من نصيب بنى البشر .ه كان الموت دائماً وابداً .. الشمس الساطعة التى لا تغيب .. يد الغيب التى تلتقط من تشاء فى الوقت الذى تشاء دون حسيب او رقيب .. دون معنى او رغبة من اصحابها .. او حتى دون سابق انذار. ه ما قبله اختلف عليه كل البشر وما بعده ايضاً لم يتفق عليه البشر .. فقط لحظة الموت ... لحظة اعلان انهيار تلك الكتلة من اللحم والدم والأعصاب .. لحظة اعلان الدخول فى نفق النهاية .. كان يقف الأنسان لحظة .. رهبة ، وجلال ، وخوف ، وطمعاً فى تأخر تلك اللحظة الى ما لانهاية .ه تلك هى الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون .. ما لم يستطع الأنسان الشك فيها لحظة واحدة .. الوجودية .. الربوبية .. العدم .. الغنوصية .. كلها قتلت بحثاً وتفلسفاً .. كلها تقول تجادل فى المجئ .. الوقت .. الكيفية .. الخلق والفناء .. الحياة وما بعد الحياة .. كل ما قبل وكل ما بعد .. اما نقطة الفيصل .. البرزخ ما بين .. القبل والبعد .. ابداً لم تجد مغامراً او متفلسفاً او متحاذقاً .. انها اللحظة التى تقف كل موازين ونواميس الحياة .. الفيصل ببن البدء والأنتهاء .ه انها المسافة الفاصلة ما بين المعلوم والمجهول .. بين الشمس بسطوعها ودفئها وسخونتها وبين الضباب والدخان والتيه .. بين اليقين واللايقين .ه انه الخط الفاصل بين حدين .. عالمين .. المحسوس والملموس والمؤكد وبين الشك و اللامعلوم واللامؤكد ، ابداً .. لم يعد احد فى رحلة عكسية من الخلف الى الأمام .. من المجهول الى المعلوم فيحدثنا .. ويجب السؤال الذى حار فيه كل البشر .. منذ فجر التاريخ ودارت حوله الروايات والأقاصيص والأساطير والنبؤات والويل والثبور الجزاء والعقاب .. الجنة والنار.ه وماذا بعد .. ؟ اجابة السؤال كفيلة بأن تحل كل ألغاز البشرية نشأة الأنسان وبداية اعمال عقله .. عقله الذى دله الى وجود خالق .. طالما وجد المخلوق .. عقله الذى هيأ له هذا الخالق فى صور شتى .. محسوسة ومرئية حين كان الأنسان بحاجة الى آلهه يراها ويتحسسها .. وآخرى تمرح فى جبال الآوليمب .. تطلق ابنائها .. انصاف الآله .. كى تحكم البشر .. فيذعنون لمشيئة الآله المستبدة المتغطرسة .. التى تعيش حياة المجون فى قمة الأوليمب . ه انه السؤال الذى تكفل اجابته .. حياة غير الحياة ، ونمطاً غير النمط .. انه السؤال الكفيل بهدم كل التابوهات العصية منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا ، السؤال الذى تكمن فى اجابته .. راحة البشر ، وشقائهم ، السؤال الخالد فى اذهان وعقول وقلوب كل البشر..ه
هل – حقاً – هناك حياة آخرى بعد الموت ؟
ولأن السؤال سيظل ابداً بلا اجابة .. ستبقى تلك الكلمات فى افضل حالتها .. سفسطة.ه

٢٠٠٦-٠٣-٠٧

صديقى الطاووس .. لا تغضب


صدفة بحتة .. جمعتنى معه بعد ايام قليلة من نعتى له بالطاووس ، وبعد ان رد على ما اعتبره سباً و قذفاً –وهو ما جعلنى أظن انى سوف اتلقى امر استدعاء على يد محضر - برسالة لم اجد تعليقاً عليها إلا " لا تعليق " كان ابرز ما فيها هو وصفى ب " سى افلاطون " .ه
اعترف انى سعدت جداً ، ليس للوصف نفسه بقدر سعادتى ان صديقى استطاع استجداء ذاكرته حتى اسعفته باسم فيلسوف اشك ان صاحبى يعلم حتى فى اى عصر ولد ناهيك عن آرائه او ما قاله فى محاوراته او فى رحلته بحثاً عن اليوتوبيا " وهى لصديقى العزيز .. المدينة الفاضلة " وليست " شتومة " والعياذ بالله .ه
صديقى .. انت حر فى طريقة حياتك وفى افكارك وآرائك ، فلكل منا فلسفته فى الحياة حتى راعية الغنم التى كنت آراها فى صغرى وأحبها لتركها لى ألعب مع أغنامها الوليدة آنذاك ، كانت تعيش وفق فلسفة مؤداها " الصحة والستر وراحة البال " وهى للعجب جل ما يحتاجه الأنسان فى كل العصور ، وما يعيش بحثاً عنه ، وهناك من يفضل ان تكون مقولة مثل" انا ومن بعدى الطوفان " شعاره فى الحياة ، يتحسس خطاها ولو على غير علم منه ، وهم كثر فى زماننا . ه
صديقى .. لكل منا ميزان حرارته الخاص ، والذى يعلو مؤشره وينخفض تبعاً لحساسية الفرد ومرونته وربما بروده اذا صح التعبير، هذا المؤشر اشبه بالخطوط الحمراء التى ولابد ان لكل انسان – " بيحس "- مجموعة منها يحيط بها نفسه فلا يسمح بعدها لأحد بالأقتراب او التدخل وتجاوز تلك الخطوط الحمر . وكما اتفقنا فهى تختلف من فرد لآخر ومن شخصية لأخرى الا انه فى كل الحالات بعدها يبدأ رد الفعل المضاد والذى يتراوح ما بين الضيق الخفى او العلنى و الأنفجار فى الحالات الأشد وعند التجاوز المبالغ لمؤشرات ميزان الحرارة الداخلى.ه
قله فقط هم الذين استطاعوا الاحتفاظ بميزان حرارتهم الداخلى فى قطعة من جليد سيبريا .. بحيث اصبحوا بلا خطوط حمراء ولا من اى لون .. وللحق - والحق أقول - فأن العديد منهم يصل الى القمة .. ورئيسى مصر السابقين خير مثال – أظنه – لتلك الحالات .ه
على أيه حال .. رسالتى لك هى مجرد تنبيه لك من صديق " وهو فى العرف من يصدقك القول " بأن تكون أكثر احساساً فى تعاملك مع الآخرين .. فكلنا يقبل المزاح والهذر بصدر رحب حين يكون فى موضعه ، اما حين يكون المزاح فى غير موضع المزاح .. فهو يا صديقى العزيز .. حمق ، وأنا أسمو بك ان تكون كذلك .ه
حين نقول آرائنا .. وأفكارنا – ولوكانت دخان فى هواء او سراب صحراء – فنحن نتوقع من الآخرين الأتفاق او الأختلاف مع كل او بعض ما جاء ، وهو ما حدث ، نتوقع ايضاً ان يتجاهل آخرون الأمر برمته وهو الأمر الذى لا يشين صاحبه ابداً فحياتنا أعقد فى بعض الأحيان من ان تتيح للعديد منا التفاعل يئساً او انشغالاً، نتوقع ايضاً ان يطلب البعض رفع اسمه من قائمة المراسلات البريدية عموماً وهو ما حدث ايضاً مع بعض الرفاق ، تلك ردود أفعال صحية وتحترم رغبات اصحابها ، اما ان يكون الرد والتعليق .. كلمة سخيفة لا تعنى شيئاً اللهم الا عدم فهم او بلادة .. فهو يا صديقى ما اترفع بك عنه ولا اتوقعه منك.ه
ختاماً صديقى .. ان تكون مهتماً مهموماً بشئونك وشئون من حولك ليست عيباً او سبه على الأطلاق ، ان تريد ان تعرف وتظنه – فى حد ذاته - هدفاً سامياً فى الحياه امر ليس بالسئ .. وكلنا حر فى كيفية عيشه الحياه.ه

يقول القدماء " تكلم .. حتى أراك " .. فما ينطقه لسانك ، او تكتبه يدك هو مرآة لما بداخلك فمنها يرى الناس ما بقلبك وعقلك .ه

ويقول آخرون
الجهل فى القلب كالَنزّ فى الأرض ، يفسد ما حوله .هه

وقال آخر
من لم يُفد بالعلم مالاً .. كسب به جمالاً

وسئل الحكيم بزرجمهر : ما أعجب الأشياء ؟ فقال : نجح الجاهل ، واكداء العاقل

وقال أبوالقاسم احمد بن ابراهيم حفيد الأمام الحسين رضى الله عنه

يلوم على أن رحت للعلم طالباً ... أجمع من عند الرواة فنونه
فأعرف أبكــــار الكلام وعونه ... وأحــــــفظ مما أستفيد عيونه
ويزعم ان العلم لا يكسب الغنى ... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه
فيا لائمى دعنى أغالى بقيمتى ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه

واخيراً صديقى العزيز .. اشير اليك بكتاب " ادب الدنيا والدين " للماوردى ، ففيه بعض ما تحتاجه ، ولا أقول فى النهاية الا ما قاله الشاعر

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدى الفتى من دهره وهو عالم

أمر أخير .. الى كل الرفاق .. الأخوان او الأخوان .. الرفاق حسب موقعهم على خريطة الأنتماء الأيدلوجى " صديقى الطاووس .. ايدلوجى يعنى [ فكرى] ببساطة ومن غيركلكعة " لم أقصد فى لحظة واحدة من رسالتى السابقة انى سأكف عن الكتابة ، وأعتذر ان كان الأسلوب لم يوضح بالشكل الكافى ان ما قصدته فقط أنى سأكتب لنفسى ولو لم يقرأ لى ألا .. أنا ، ولكنى لم اذكر انى سأتوقف عن نشر ما أكتب .. كما فهمت أيها الصديق العزيز .. فأظننى أصلب من مئات الكلمات السخيفة .. وهذا للعلم والأحاطة .ه