٢٠٠٥-٠٩-١٥

الحلم والهدف


حين تجول ببصرك – اذا جاز التعبير - بين جنبات الوطن العربى سوف تكتشف امر يبدوا ساطعاً كالشمس ، ولا يلقى اليه احد بالاً . سوف تلاحظ حالة من الجمود المتغلغل بين شرايين هذا الوطن ، على الرغم من الحركة الظاهرية التى تبدو لأول وهلة وهى ما لاتتعدى القشرة او سطح الحياة .
اما فى الداخل .. داخل المجتمعات نفسها ، داخل البشر انفسهم ، فحالة أخرى .. جمود ولا مبالاة تحكم وتسيطر على مقدرات الحياة واستسلام تام وانعدام مقاومة او حتى رغبة فى المقاومة لدى الأفراد . لا يبدو الأمر هكذا لأننا ننظر بمنظار اسود للحياة ، او لأننا لا نرى الا النصف الفارغ من الكوب .
ارجع برأسك الى الوراء قليلاً ، وحاول ان تتذكر معى امر واحداً مفيداً قدمته دولنا العربية الى الأنسانية ( اللهم الا النفط والتخلف والفهلوة) فى الطب او الهندسة او اى علم من العلوم الأخرى .. لن تجد .
بدأ العالم المتقدم .. فى فك طلاسم الجينوم البشرى .. وكما فتح شمبليون الفرنسى باب تاريخنا الفرعونى نحن المصريين وهوما نتشدق به ليل نهار حول السبعة الاف عاما من الحضارة وقد كانت قبله مجرد طلاسم واصنام ورجس من عمل الشيطان ، يبدأ العالم المتقدم الآن فى محاولة حل اوجاع والآم الاف البشر ويحلم بالقضاء على الأمراض قبل ان تصبح امراً واقعاً عبر اصلاح الجينات المسببة للمرض . وهو ما سيتم انجازه فى القريب العاجل وكان ان حصل اصحاب هذا المشروع العبقرى على جائزة نوبل فى الطب ..
يسعى العالم حولنا الى اكتشاف المريخ واستعماره والى بيع اراضى القمر لبناء المدن القادمة .
يحلم العالم حولنا بما سوف تكون عليه حال احفادهم ، وكيف سيتركون الحياة لهم وهو ما جعل الدول الكبرى تجيش الجيوش للسيطرة على منابع النفط ، والمياه ، والثروات المعدنية تحت العديد من الدعاوى فالحرية تارة الديموقراطية تارة اخرى .. مستغلة فساد حكامنا وتسلطهم على رقابنا .
يحلم العالم حولنا بالحرية المطلقة فافعل ما تشاء وكيف تشاء وفى الوقت الذى تشاء .
يبحث العالم حولنا فى الكون وما فيه والأرض وما تحوى والذرة وكيف تنشطر.. والهدف واحد رخاء شعوبها ورفاهيتهم .
تسعى الدول حولنا الى بناء امبراطوريات .. وكأن دورة التاريخ تعيد نفسها .. لكننا لا نقرأ التاريخ ولا يعرف حكامنا من التاريخ إلا " فرعون " وهامان وقارون ..
تبحث الدول لشعوبها عن حلم .. وهدف حتى لا تتجمد اوصال تلك الشعوب وتصاب بالبلادة كما اصبنا .. حلم يظل يداعب الخيال الى ان يتحقق .. ومن يقرأ روايات هـ . ج . ويلز الخيالية التى كتبها منذ 100 عام ويتحدث فيها عن رحلة الى القمر .. يعلم ان الخيال والحلم هو الطريق الى الأبداع وهو ما تحقق بعد اقل من 70 عاماً من كتابة الرواية وكان ان وطئت قدم الامريكيين لاول مرة فى التاريخ البشرى ارض القمر .. والفضل لفكرة مجنونة خيالية كتبها مؤلف فى رواية .
تخلق الدول لشعوبها هدفاً يعيشون من اجله .. يجعل لحياة البشر معنى وتخرج افضل ما فيهم حتى لو كان هذا الهدف مكلفاً لتلك الشعوب .. فدون هدف للحياة يتحول البشر الى قطعان بشرية تعيش عيشة الغاب. وكان الهدف فى ال 50 عاماً السابقة هدفاً دارونياً " البقاء للأقوى " وانتصرت امريكا فى حربها الباردة .. وهكذا بقيت .
الآن يبحث الغرب عن عدو يلعب دور الأتحاد السوفييتى السابق .. عدو يمكن محاربته ايدولوجياً .. وكما كانت الشيوعية هى الفكرة الشريرة التى يجب محاربتها وتعبئة شعوب الغرب من اجل القضاء عليها .. وهو ما نجح فى نهاية الأمر فى حرب باردة استمرت قرابة السبعين عاماً انتهت بهيمنة النموذج الأمريكى على مقدرات الحياة .. وظهور مصطلحات مثل .. العولمة ، القطب الواحد ، النظام العالمى الجديد ..
لن يعيش الغرب دون هدف يتم الألتفاف تحت رايته .. لن يقبل صناع القرار فى امريكا وانجلترا وغيرها ان تهيم شعوبها الغنية المترفة بحثاً عن الجنس والمخدرات .. لابد ان تخلق عدواً قوياً يثير الهلع فى نفوس شعوبها كي يصبح هناك هدف .. وهو القضاء علي هذا العدو . عدو يملك عقيدة يعتنقها الملايين – كما كانت الشيوعية فى يوم من الأيام – لا جماعات فرادى " كما فى حالة كارلوس الذى انتهت اسطورته بسقوطه " ، وكان ان سار الأمر كما هو مرسوم له ...
انهار الأتحاد السوفيتى .. وزال العدو التقليدى .. وهو ما خلق حالة من الفراغ غير المرغوب لدى شعوب العالم الأول .
صدام حسين يهاجم الكويت بعد اعوام قليلة من سقوط الأتحاد السوفيتى – فى سابقة تدعو للشك فى المحرض حولها – ليبتلع صدام حسين الطعم بكل غباء الحكام العرب .. ويبدأ خلق عدو المرحلة القادمة .
تتكشف الحقيقة .. ويبدو صدام حسين اصغرمن ان يكون عدو المستقبل .. لازلنا بحاجة الى عقيدة لمحاربتها .
تتفجر احداث سبتمبر – وايضاً يثار الشك حول طريقة التنفيذ والمنفذين – ويبتلع احمق اخر الطعم ويخرج على الملأ اسامة بن لادن معلناً نجاحه فى " غزوتى " نيويورك وواشنطن ، ليحقق المراد ويخلق باقتدار شكل العدو القادم وايدلوجيته .
تتوالى الأحداث .. افغانستان ، العراق .. والسيطرة على منابع النفط كهدف هام لكنه ليس الرئيسى .
تتعقد الأمور بانفجارات فى كل انحاء العالم – مجهولة المصدر – تتبناها جماعات هلامية واسماء يبدو ان اصحابها عند خالقها منذ زمن " كالزرقاوى " وغيره ، انفجارات فى مدريد وتركيا ولندن ومصر وغيرها ..
وتعلن الحرب ضد الأرهاب الأسلامى .. حرباً مفتوحة بلا نهاية ..
تكون المحصلة .. بناء امبراطوريه امريكية قادمة .. شعوب العالم الأول تملك الهدف والدافع من اجل اتباع حكامها
والقضاء على هذا العدو وخلق الأمبراطورية والنموذج الحلم .
حكام العالم الأول نجحوا فى احتواء شعوبهم وخلق الحافز لديهم .. والضحية .. نحن شعوب العالم المتخلف الواقع بين المطرقة والسندان .. بين اهداف العالم المتحضر وطموحاته .. وبين غباء وقسوة حكامنا .
من يظن ان هذا السيناريو ساذجاً .. فليقرأ كتب التاريخ .. ليرى نفس الأفكاروان تغييرت الوجوه والأشخاص ..
من يظن ان الأمر تكريس لنظرية المؤامرة فليقرأ مذكرات من عمل بأجهزة المخابرات .. من صلاح نصر الى ادجار هوفر ومن رأفت الهجان الى ايلى كوهين .. ليعرف ان حكومات الظل واجهزة المخابرات تدير العالم فى الخفاء .
ليس الهدف الأسلام كدين ..
ليس الهدف المسلمين كأفراد ..
فالواقع يقول اننا اضعف .. واتفه من ان نكون هدفاً لأحد
الهدف .. ايدلوجيه .. عقيدة ..وافراد يعتنقون تلك العقيدة .. ايا كان نوع تلك العقيدة .. شيوعية كما فى السابق .. دينية كما فى حالتنا ، تصلح لأن تكون هدفاً
خلق الحلم .. وخلق هدف لدى الشعوب هو الوحيد القادر على استنفار قوى تلك الشعوب ..
هو الوحيد القادر على قيادتها نحو افضل ما فيها .. ولتشهد حقبة الستينات فى مصرعلى ذلك ..على مافيها من تجاوزات ( الحلم .. العروبة ، والهدف .. القضاء على اسرائيل ).
خلق الحلم .. وخلق الهدف .. هو القادر على ضخ الدماء فى اوصال الأمم حتى لا تتيبس ويعجز شبابها قبل الأوان.
خلق الحلم .. والهدف .. حتى لو كانت ذات صبغة ميكافيللية او داروينية ، هو ما اكتشف الغرب انه وقود الحياة والتقدم .
ونحن .. نجح حكامنا بتسلطهم وقسوتهم فى القضاء على كل حلم لدينا ، ولم يخلقوا بداخلنا الا هدفاً واحداً ..
" انا ومن بعدى الطوفان "

هناك تعليق واحد:

واحد صعيدى يقول...

لا تعليق