٢٠٠٦-٠٩-١٨

هلفطة

الصورة نقلاًعن موقع .. مصريون بلا حدود

فيما يبدو انه تحليق خارج السرب .. واستطراد في غير السياق ، أعود لأخرج كماً من البخار المكتوم فى الصدر بعد ان بت لا استطيع كتمانه ، وانا اعلم انه اولاً واخيراً .. نفثاً للبخار والغضب المكتوم لا اكثر .ه
اقول انه تحليق خارج السرب واستطراد فى غير السياق .. فلن أتحدث عن تصريحات رأس الكنيسة الكاثوليكية التى اثار بها موجة من الغضب – كما لم اتحدث – سابقاً - حول موضوع الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ولم أدلى بدلوى فى الموضوع وقتها – فلفظة موجه هى الوصف الصحيح لما يحدث الآن .. فسرعان ما سوف تهدأ الأمور وتتحول فورة الغضب الى ريم وزبد ينحسر تدريجياً بعد ان وجدت قطعان البشر منفذاً لنفث بخارها المكتوم فى الصدور .. وحسب.ه
لازلت أرى – وأنا حر فيما أرى فنحن فى بلد ديموقراطى كما يزعم رئيسنا – أن أخطر ما يواجه تلك الشعوب البائسة المتحدثة باللغة العربية هو داخلها المهترئ .. وأن ابشع الأهانات وأحطها تأتى من الداخل نفسه .. أما الخارج بكل تجاوزاته " وهلفطته " ومعاركه التى يخطط لها بدقة لأستفزاز تلك الشعوب .. حيث نوع الموضوع وطبيعته وكيفيه اثارته ومتى .. فهى آخر ما نحتاج الى الأندفاع خلفه ولو كان هذا التجاوز فى حق الدين ، ولو كان هذا التجاوز من ابرز رؤس الخارج السياسية والدينية .. وأتمثل قول جد الرسول صلى الله عليه وسلم لرسول أبرهه الحبشى " رد لى بعيرى ، اما البيت فله رب يحميه " . ليس تخاذلاً او ضعفاً او عدم حمية على الدين والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .. هو فقط اختلاف فى الرؤية حول أولوية ما يجب ان نتحرك تجاه تغييره ، وما ينبغى لنا ان نشتعل غضباً له .. وان نستميت فى تغييره حتى نتحول من مرحلة ردود الفعل الى مرحلة الفعل .. وحين نصل الى مرحلة القدرة على الفعل .. يبدأ عندها اعادة ترتيب الأولويات.ه
الداخل المصرى تحديداً صار أكثر ما يجب ان يحركنا وهو التحرك الذى يجب ان يكون الآن – وفقط الآن – فالأيام تمر وتضيق الحلقة يوماً بعد يوم .. وبين عشية وضحاها سوف يكتشف المصريون انهم " لبسوا السلطانية " وان كل تحركات الأب والأبن والفريق النجس .. صارت امراً واقعاً من المحال تغييره.ه
أتفهم ان تغضب الناس – ولهم كل الحق – من أساءة لرسولنا الكريم ، وأتفهم ايضاً ان تثور تلك الشعوب غضباً غيرة على دينها حين يمس من اى فرد فى اى مكان .ه
لكن ما لا اتفهمه حقاً وما لا استطيع منع نفسى من التعجب حياله .. هو ذلك الصمت المطبق .. الكريه ، حين تكون الأهانة يومياً وبشكل مباشر لهؤلاء .. بلسان ويد جلادين من دين هذا الشعب ودمه . لا أتفهم لماذا لا تغلى الدماء فى عروق هؤلاء وهم يشاهدون مقاطع مصورة .. لأشاوس الشرطة وهم يصفعون ويركلون – بل ويسبون الدين نفسه الذى يشتاطون غضباً لأهانته – مواطناً بائساً لا حول له ولا قوة ، لا يقوى على رفع يده ليمنع الصفعات المتوالية من يد جلاده – ضابط الشرطة - المسلم العربى المصرى والذى لسخرية القدر يحمل اسم " مصطفى " ، وهو المقطع الذى انتشر على شبكة الأنترنت ونشرت جريدة الدستور المصرية صوراً منه فى عدد سابق !!ه
المحافظة على عزة وكرامة اى دين لا تأتى إلا بالمحافظة على عزة وكرامة من يعتنقون هذا الدين .. فأذا كنا نهان وتمتهن كرامتنا فى اليوم ألف مرة فى داخل أوطاننا بيد أفراد من نفس الوطن .. فلما نغضب – فقط – حين تأتى الأهانة من الخارج ولماذا نثور ويندفع أفراد منا لتحطيم كنيسة هنا او قتل شخص هناك لا ذنب له ألا انه ينتمى لنفس جماعة من سب او شتم ..ه
ان تسامح الأنظمة العربية والنظام المصرى تحديداً تجاه الغضب الموجه الى الخارج تسامح مشبوه ، فما اظهره النظام المصرى من تسامح حول المظاهرات التى صاحبت قضية الرسوم المسيئة وهو نفس ما تظهره الآن تجاه ما قاله رأس الكنيسة الكاثولكية .. بل وحث وزير الخارجية المصرى وشيخ الأزهر على الأدلاء بتصريحات الأستنكار والشجب .. ليس لحمية النظام وذيوله للدين فهذا آخر ما يعنيهم ، انه فقط محاولة لشغل قطعان البشر بقضايا فرعية – مع تسليمى المطلق بحساسيتها المفرطة وخطورتها – قضايا لن تقدم او تؤخر ، بل وبكل ثقة استطيع ان اقول انها ابداً لم ولن تؤثر فى يوم من الأيام على بنية هذا الدين ولا نبيه الكريم ، فلطالما تعرض الدين الأسلامى لهجمات شرسة من العديد من الأفراد على مر العصور .. وبقى وسيبقى عزيزاً كريماً الى ان يرث الله الأرض ومن عليها .. ولو كره الكارهون . ه
ان ما يحدث الآن فى العالم أجمع .. وفى الوطن العربى تحديداً هو " سيكس بيكو " كما يرى كل من يتابع ما يجرى على ارض الواقع ، اتفاقيات مشبوهة خفية يراد بها تفتيت الوطن العربى ورفع العلم الأمريكى على كل شبر فيه بحيث لا يبقى من يقاوم ولا تبقى رغبة او نية فى المقاومة لدى افراد تلك الشعوب وما سلسلة القضايا المفتعلة التى تخرج رؤوسها بين الحين والآخر إلا جزء من سيناريو إلهاء تلك الشعوب عن قضاياها الأخطر .. وهى التخلص من نظم حكمها الفاسدة التى تعينها على تطبيق سيناريو وراثة الأوطان العربية فى مقابل بقائهم على كراسيهم وتوريثها لأبنائهم من بعدهم فهم الأصلح لتلك المهمة – ولنشهد ما سوف يسفر عنه مؤتمر الحزب " الوثنى " فى مصر خلال أيام – وهو يضع اللمسات الأخيرة لتوريث الأبن .. عرش مصر ، وبالمثل فى باقى الأقطاعيات العربية ، فمن العقيد فى ليبيا وابنه الظاهر فى الصورة بشدة الآن ، الى اليمن التى اعلن رئيسها مؤخراً عدم وجود مانع دستورى لترشح ابنه لمنصب الرئاسة ، وما حدث قبلاً فى سوريا .. الى انقلابات العسكر فى موريتانيا وغيرها .. هذا فى النظم الجمهورية .. وحدث ولا حرج عن بقية الدول العربية التى تحكمها نظم المشيخة فالتوريث فيها سنة لا جدال عليها .ه
فى العصور الوسطى جاء ريتشارد قلب الأسد الملك الأنجليزى بأجندة استعمارية لبست اثواباً دينية تجذب بها العامة والغوغاء الذين عانوا الجوع والجور من بطش حكامهم ، جاء على رأس حملة ضخمة لتأديب المسلمين البرابرة وطردهم من أرض المسيح عليه السلام .. أجُبر على الأنسحاب والعودة الى بلاده موقعاً اتفاقية صلح حفظ بها ماء وجهه .. عندما واجه قائداً مثل صلاح الدين الأيوبى .. لم يتخازل ولم يخنع بدعاوى الحكمة والخيار الأستراتيجى للسلام لم يتحالف مع الأعداء ضد ابناء شعبه ولا ابناء دينه .. لم يبحث احد حول اصوله الكردية ولا انتمائه المذهبى .. حارب حين كانت الحرب لازمة لاستراد الكرامة قبل الأرض .. وارتضى جيشه وشعبه – معه - ان يدفع الثمن الباهظ للكرامة والحرية من المال والدم والروح .. وتسامح حين كان التسامح واجباً من موقع القوة لا من موضع الضعف .. وعقد صلحاً لم يتنازل فيه عن ثوابت العزة .. وضرباً نموذجاً لقائد مسلم تتحدث عنه الأساطير الأوربية الى يومنا هذا.ه
لن يتوقف سيل الأهانات الموجهة لشعوب تلك المنطقة البائسة من العالم إلا حين تُحكم برجال من هذا النوع .. ولن يحدث هذا إلا حين تصبح تلك الشعوب قادرة على اختيار هؤلاء الحكام .. ولن تصبح تلك الشعوب بطبيعة الحالة قادرة على اختيار حكامها إلا حين تصبح حرة فى اختيار كل شئ فى حياتها .. ولن تنعم الشعوب بحريتها .. إلا بعد التخلص من الطغاة المتحكمين فى مقدرات تلك الشعوب .. وهو ما يجب ان يكون شغلنا الشاغل.ه

٢٠٠٦-٠٧-١٦

اذهب الى فرعون ان طغى

فى تنويعة من الهموم بين الداخل والخارج ، وبعد غياب ما يقرب الشهرين عن المدونة لظروف العمل ، والأرتباط ( فقد حدث ما
اخشاه بالفعل وبت قاب قوسين او ادنى من الدخول الى القفص الحريرى ) اوشك ان أتم نصف دينى الآخر .. بينما لا يزال النصف الأول بداخلى غير مستقر .. على ايه حال عدت الى التدوين مرة اخرى .. ودائماً يستفزنى الى العودة شخص واحد ، ينجح دائماً فى اخراجى من حالة (المفيش فايدة ) ، وان ( غيرك كان اشطر ) ولكنه وبكل اقتدار قادر على جعل حتى الصخور تنطق .. انه الرئيس المفدى .. مبارك .. ففى سلسلة من سلاسل تنكيث الرأس ..التى فُطر عليها سيادة الرئيس .. تأتى تصريحات رئيسنا العجوز.. الذى يقاوم الخرف والمرض ، مثله .. مستفزه .. جبانة .. تتسمح بالعقل والحكمة .. وكل حروفها لا تقطر إلا خسة ونذالة وجبن.ه
لا يكفي رئيسنا المفدى انه اشاع الوهن فى جسد هذا الوطن .. وملئ نفوس البشر فيه يأساً واحباطاً وحسرة وألماً .. لا يكفيه انه استطاع ان يخرج من المصريين اسوأ ما فيهم .. فانتشر الفساد فى البر والبحر والجو .. لا يكفيه انه حول بلداً بحجم مصر .. الى تابع ذليل ماتت فيه ارواح الناس وبقيت اجسادهم .. تمارس عمليات الأيض اليومية .. تصحو .. لتأكل فتشرب .. وتمارس القليل من الجنس بعقول متعبة واجساد مهدودة .. لتنام فتصحو فى دوامة من الفراغ اللامنتهى واليأس اللا منتهى .ه
لا يكفيه .. أنه وهو على حافة الموت وقد بات قاب قوسين او ادنى منه .. انه يعد العدة .. ويطبخ ورجاله وكلاب امن دولته .. أكلة " التوريث " لولى العهد .. خليفة أمير المؤمنين .. جمال بن مبارك .. اجحمه الله هو وابيه وآل بيتهم اجمعين . لا يكفيه تسميم ابداننا بهرائه المستمر عن برنامجه الأنتخابى والمشروعات العملاقة وآلاف فرص العمل التى لا تجد من يشغلها كما صرحت وزيرة القوى العاملة الجديدة .. لا يكفيه حرق دمنا فى كل مرة نرى فيها طلعته البهية فى اعلامنا الريادى وتلفازنا اللولبى .. وعلى الرغم من ذلك فيكفى فقط ان ترى وجه الرئيس مبارك فى نشرات الأخبار لتتذكر آخر خمس اعوام من عمره المديد .. تتذكر الآف البشر الذين يستنجدون بالله كى يرحمهم من سجون مبارك ، ومما يحدث بها .. ولازال محمد الشرقاوى وكريم الشاعر .. كعينة من الآف الشباب المصرى الذين فقط أردوا المشاركة فى صنع التغيير .. فكان مصيرهم الأعتقال .. وما بات ليس مخفياً .. كان اعظم .ه
يكفى فقط ان ترى وجه الرئيس مبارك فى نشرات الأخبار حتى تتذكر .. اسماء مثل أيمن نور .. الرجل الذى سوف يقضى من عمره خمس اعوام فى سجون مبارك .. بتهمه تزوير توكيلات انشاء حزب .. فى حين يمرح المتهم الرئيسى فى اغراق ألف مصرى فى عباراته المميته فى اوربا بملايينه .. يخرج لسانه لمن يتحدث عن العدل فى مصر .. يكفى حين ترى وجه سيادة الرئيس .. ان تتذكر قضاه مثل البسطويسى ومكى الذين تم تأديبهم معنوياً .. ومحمود حمزة الذى تم تأديبه عملياً بأيدى وأقدام .. كلاب أمن دولة سيادة الرئيس وتتذكر ان ذلك جزاء المارقين ، المعارضين ، ويقفز الى ذهنك فجأة اسم رئيس المحكمة الدستورية العليا الذى تم تنصيبه منذ أيام ..الرجل المخول له الفصل فى كل التشريعات الدستورية القادمة .. نائب مصر العام سابقاً .. وأحد مهرة الطباخين فى مطبخ مبارك لصناعة التوريث القادم حتماً بعدما صار فى فم كلاً منا ( فردة جزمة ) ومن النوع الردئ .. فأصبنا بالبكم وبتنا نموذجاً لشعب يعيش فى ظل الفرعون الآله يسبح بحمده الآء الليل واطراف النهار.ه
لا يكفي الرئيس مبارك هذا كله .. بل يفتح فمه لا يقول ما ليس له فيه ناقة ولا جمل .. ويتحدث عن المغامرات الغير محسوبة من قبل حزب الله فى لبنان .. آخر معاقل المقاومة والصمود .. فى قلب هذا الوطن من محيطه الى خليجه . ه
يتحدث عن المقاومة كمغامرة غير محسوبة ستزيد الوضع سواء .. وكأن الوضع كان مشرقاً مشرفاً .. وكأنه لا يرى بعينيه اللتين لا يكاد يستطيع رفعهما .. أننا عدنا الى نقطة الصفر مرة أخرى .. وبل ودرجات أدنى من الصفر بكثير. ه
وكأنه لا يرى العراق وما وصل أليه .. ولا يرى سوريا وهى تكافح من اجل البقاء .. ولبنان وهو ومدمر مهشم تتناهشه رغبات زعماء الطوائف به .. وكأن الأندلس تعود من جوف التاريخ فى عصرنا الحالى .. لا يرى فلسطين وقد حوصرت براً وبحراً وجواً ويكاد شعبها يموت جوعاً .. لا يرى السودان والصومال .. والأيدى التى تعبث من خلف الكواليس .. هو بالفعل لا يرى .. فكما اجمعت كل الآراء حتى الآن .. انه رجل بلا رؤية .ه
لا يكفيه ما صنع بنا فى الداخل .. بل خرج ليصب بلادته وجموده وتخاذله على لبنان والمقاومة فى لبنان .. على آخر معاقل العزة والكرامة كما صرح حسن نصرالله امين حزب الله ..وابداً لن يكون ما يحدث فى لبنان الآن اسواء مما كان يحدث بها او مما كان يرسم لها .ه
فخامة الرئيس .. كف يدك ولسانك عن بلاد الله وخلق الله .. ودعهم لشأنهم .. وانشغل بنا نحن رعاياك .. والمحكومين بأمرك وأمر ولى عهدك - ثكلته أمه قريباً بأذن الله - فنحن تشبعنا بالبلادة منك .. وبتنا نستطيع ان نتحمل جار السوء الى ان يرحل " قريباً كما نرجو " او تأتى مصيبه " من عند الله " فتأخذه . ه
من أحد الداعين من الله ان يرفع مقته وغضبه عنا .. من أحد أفراد شعبك الذى عاش وترعرع فى ظل وجهك الكئيب .. من أحد افراد الشعب المصرى البائس .. أقول لك .. لتقل خيراً او لتصمت.ه

٢٠٠٦-٠٥-٢٩

وحل


حين يمتزج الماء بالتراب وتختل النسبة بينهم .. يتكون الوحل ، واسوأ ما فى الوحل انه قادر على تلويث كل شئ حوله وتلطيخه .. فيكفى ان تكون بالقرب من بركة وحل حتى وان لم تقترب منها كى ينالك منها بعض الأثر .. واصعب ما فى الأمر انه ان لم يغسل اثره جيداً فأنه سيبقى وتبقى اثاره عالقة على ملابسك وجسدك تشعر به وان لم تره .ه
يكون الأمر اكثر ايلاماً اذا ما طرطرش احدهم الوحل فى كل الأنحاء فأصاب من اصاب ولوث من لوث .. لكن الأثر لم يكن على الأبدان والأثواب .. بل وصل الى النفوس والأرواح ، فحين تصبح النفوس موحلة .. والأرواح ملوثه بلطخات من الوحل الكريه ، يصبح الأمر كارثياً .. وحين تعم آثار التلوث لتصيب كل ارجاء الوطن كبيره وصغيره ، عظيمه ووضيعه .. فقل على هذا الوطن السلام.ه
يبدو الأمر دائماً وكأننى سوداوى المزاج ، متشائم .. لا أرى من الحياه ألا نصف الكوب الفارغ ، وإلى هؤلاء اقول .. انتم مخطئون ، فأنا أرى مثلكم نصف الكوب الممتلئ .. لكننى آراه ممتلئاً ماء آسناً .. عفناً ، وهو امتلاء لا ارى فيه اى بادرة خير على وجه الأطلاق بل ان كل نقطة تضاف الى هذا الكوب لن تزيده إلا عطناً على عطن .ه
أقول - والحق أقول - ان الأمر طال الكبير قبل الصغير ، والعالم قبل الجاهل وفى فارق بضعة أيام فى أسبوع واحد صادفت نوعين من الأرواح الملوثه بالوحل أحدهما لكبير يدعى أنه عالم ، والأخرى لمجموعة أطفال لم يتجاوزوا العاشرة بعد من أعمارهم .. لوُثت نفوسهم البريئة بفعل نظم تربية وتعليم .. فى البيت والمدرسة على رأسها نفس نوعية هذا الرجل .. الأب .. العالم - كما يدعى - الجامعى.ه
كان النموذج الأول مثيراً للتساؤل والتعجب .. بضعة أطفال يلعبون الكرة فى الشارع .. أعلم بحكم الجيرة انهم لم يتجاوزوا العاشرة بعد من أعمارهم .. لا تستطيع التمييز بين وجوههم فهم أطفال ليس بينهم الأشقر أو الأحمر .. استوقفنى بطريق الصدفة حوار دار بينهم بشكل صاخب ، كانوا يحاولون أبعاد أحدهم عن باقى المجموعة ويتصايحون
لأ متلعبش معانا
أنت مسيحى .. متلعبش معانا
تعال يا احمد بص على ايديه .. فيها صليب
متخلوهش يلعب معانا .. ده مسيحى
أنزوى الصبى الصغير .. فى احد الأركان بجوار منزله الذى يجاور منازل باقى المجموعة التى طردته من تجمعها وهو غيرمستوعب لما يحدث وعلامات عدم الفهم على ملامحه البريئة .. تجعلنى أريد البصق فى وجه كل من يتحدث عن الأخوة بين جناحى الأمة المصرية ، واشعر بالأزدراء لكل تصرفات أئمة السلطان من المسلمين والأقباط الذين يلعبون السياسة بحياة الشعوب .. واشعر اكثر بنوع من القرف والغثيان من حالات التعصب الأعمى التى وصل اليها حالنا .. فبتنا نتعصب لكى شئ ضد اى شئ .. بعد ان اختلت الموازين وانعكست الآيات .. وأصبح أكثر أفراد هذه الأمة ضحالة .. وتفاهة هم سادتها ، وصرنا نحتل مراتب متقدمة جداً فى ترتيب الأسوأ على مستوى على العالم فى كل التقارير الدولية وفى شتى المجالات .. التربية .. التعليم .. حقوق الأنسان .. التنمية البشرية والأنسانية .. الوضع الأقتصادى .. الوضع السياسى .. الوضع الأجتماعى .. ومن أعلى المستويات الى أدنها .. من مؤسسة الحكم .. الى مؤسسة الأسرة التى أفرزت اطفال يمارسون التعصب والتمييز .. وهم بعد فى سن الزهور .ه
تلك كانت الحادثة الأولى ، أما الأخرى وأظنها تسير فى نفس السياق فهى نموذج آخر لنفس المجتمع المشوه الذى يتوالى فى افراز أفراد مشوهون نفسياً يتوالون وراثة وتوريث نفس الأمراض جيلاً بعد جيل .. كان الأمر بسيطاً .. أحد استاذة الجامعة " عالم " كما يدعى ، يتولى تدريسى أحدى المواد الدراسية فى رحلة دراستى العليا " - وبت اشك كثيراً فى كلمة عليا هذه - يوشك الترم الدراسى على نهايته ، واحتاج توقيع هذا الأستاذ على ورقة تفيد انتظامى فى الحضور كى استطيع دخول امتحان المادة .. أمر روتينى لا يحتاج اى فذلكة .. وقفت أمام أستاذى العالم استأذنه فى التوقيع .. نظر إليا من خلف نظارته مشيراً الى أننى قد تغيبت أكثر من مرة .. لم أنكر فقد حدث هذا فعلاً ، كل ما فعلته اننى حاولت ان أعتذر عن ذلك معللاً ان ظروف عملى تجبرنى احياناً على التغيب المفاجئ .. لم يعجب الرد استاذى الجامعى .. فأزاح الورقة جانباً معطياً اياى درساً فى فن المراوغة وكيف اذا ماكنت ابحث عن مبررات فيجب ان تكون أكثر نضجاً وواقعية من مبرراتى الساذجة .. وان شعره الأبيض قد شاب وهو يتعامل مع أمثالى من المراوغين.ه
طوال فترة كلامه لم أعلق فأنا قصرت فعلاً فى الحضور ، ومن حقه ان يصدق او لا يصدق مبرراتى ، ومن حقه أكثر من ذلك ان يرفض التوقيع .. بل وان يرفض دخولى الأمتحان فى مادته هذا الترم ، وبأعتباره رئيساً للقسم الذى ادرس فيه دراستى " العليا " قد يستطيع ايضاً ان يلغى تسجيلى الذى بدأته منذ عامين اذا ما رأى أنى طالب غير ملتزم .. الى هذا الحد فأن الأمر يبدو مقبولاً .ه
وكان ان أختتم الأستاذ الجامعى الفاضل عباراته .. بجملة من ثلاث كلمات : ه
فاهم .. يا حمار
هناك نوعين من الأستجابة يصدران فى مثل هذه المواقف كلاهما تلقائى .. وكلاهما يتوقف على الفرد نفسه ومدى مرونته..أولهما أن " أطرمخ " على ما سمعت ، وأن أبتلع الكلمة واعتبرها كأن لم تكن حفاظاً على تعبى طوال عامين سابقين وأتمسح برداء الحكمة والتعقل ، والمطاطاة للريح والى كل آخر قاموس الليونة والمرونة الزائدة عن الحد . وثانى هذه الأستجابات التلقائية أن لا تقبل ان تبتلع الأهانة ولاتقبل ان تتحمل شخصاً موحل النفس والروح ، لم يحترم نفسه أولاً فأجبر طالبه على عدم احترامه .. فكان أن رددت على الأستاذ الجامعى بما لم أتجاوز به حدود الأدب .. ولكنه كان كافياً لأن يحمر وجه غضباً ويلقى بالأوراق فى جهى .. مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وبأننى سأندم على ردى ذلك ، ولأعتبر ان مجهود عامين قد ذهبا ادراج الرياح .. وانه طالما هو موجود فأننى لن أكمل دراستى فى القسم ولا أى قسم آخر من أقسام الكلية ، وانضم أليه أحد زملائه ممن سمع بالأمر .. وتطوع بأن نعتنى " بقلة الأدب " .ه
الأعجب فى الأمر.. انه بعد أن هدأت العاصفة قليلاً .. انتحى بى أحد زملاء الدراسة ممن يحمل درجة الماجستير فى القسم ويعمل به مدرساً مساعداً ، قائلاً بأننى قد تهورت واننى الخاسر الوحيد فى كل الأمر .. وأن هذا يشبه ما يحدث فى الجيش والشرطة .. وهى سمة فرعونية موروثه .. وأن هذه ليست اهانة بل هى كلمة متداولة على لسان هذا الأستاذ يصف بها من هم أقل منه سناً او درجة علمية ، وغيرهم - بشرط ألا يكونوا من أبناء اعضاء هيئة التدريس الذين امتلئت بهم كل أقسام الكلية - ويلقبونه " بأونكل " .. لم أستطع الرد على زميل دراستى .. لكنى أدركت منطق الوراثه الذى تحدث عنه ، وألتمست له العذر فهذا عمله ومستقبله .. وأدركت ان طرطشات الوحل تتناثر فى كل مكان حتى باتت أمراً عادياً لا يحتاج الى جهد فى تفاديه . ه
تلكم كانت حادثتين فى أسبوع واحد .. يصادف هذا الأسبوع عيد ميلادى الحادى والثلاثين .. ربما قدراً سئ الحظ ان تكون هذه السنون هى الأسوأ على الأطلاق فى تاريخ مصر الحديث .. وربما القديم ، لكنى بت أوقن يوماً بعد يوماً ان الوحل غطى ثوب هذا الوطن .. غطى نفوس البشر فيه وأرواحهم .. قبل ان يغطى عقولهم.ه

٢٠٠٦-٠٤-٣٠

القضية أننا جيل .. بلا قضية


فى زمن الأنحطاط حين ينطمس النظر .. وتبهت الرؤية .. حين يصيب القلب الوهن .. وحين تذبل الزهرات حتى قبل تفتحها ..حين تصير الحياة رحلة من سخف الى أسخف.. حينها يصبح اليقين امراً مستحيلاً .. ويصير الشك فعلاً نبيلاً .ه
حين يصير الوطن معتقلاً عفناً .. تبغى الهروب منه .. ولا هروب .. تحاول العيش فيه .. فيقتلك فى اليوم ألف مرة .. رائحة العفونة .. والرطوبة المنبعثة من جنبات زنزاناته .. حين يصبح الوطن تابوتاً او مقبرة .. تزكمك رائحة الموت اينما ذهبت .. ولا تسمع فيه إلا عويل المعزين .. وهمهمات المرافقين .. فسحقاً لهذا التابوت .. الوطن.ه
حين يشتعل الأمر بين الرفقاء الفرقاء فى الوطن .. وتوشك ان تندلع فى لحظة طيش منها شرارة تجعل بقايا هذا الوطن كومة ركام.ه
حين يهتز قلب مصر .. سيناء .. بسلسلة من الأنفجارات مجهولة المصدر والسبب .. ونبحث عن الفاعل بيننا .. بينما ضحكات الشيطان تمزق سماء جيراننا الألداء فأننا فى الطريق الى قمة الهاوية .ه
حين تسحق احذية كلاب أمن الدولة .. وزبانية النظام البغيض .. شرف القضاء ووجه قاض .. فأننا فى زمن الهكسوس والتتار وسيادة الكلاب المسعورة ..ه
حين يتم التحقيق مع زعماء التمرد - من اجل الكرامة - من القضاة .. وتبدأ لعبة تصفية الحسابات بعد مولد الأنتخابات .. فأننا فى زمن الخرس .. والبكم .. والعمى .. ه
حين يقبع منافسوا الرئيس - الرئيسيين - الآن فى المعتقلات .. لأسباب ملفقة ومحبوكة .. ولا تسمع الا دوى الصمت .. فهو الدليل
على انقطاع الحياة .. وتفاهة من يعيشونها .ه
حين يمد عامين آخرين قانون " المطارق " التى تهوى على رؤس البشر والحجر .. ونقبل ونذعن .. خوفاً من مطرقة القانون الطارئ
فأننا نستحق العيش فى قلب هذا العفن .. ه
حين نرى الحكومة الفرنسية تنهار تحت مطالب المعارضين والمتظاهرين فيستقيل واحد ويعتذر آخر .. ويوشك آخر على السقوط .. تتمزق حسرة على أمة .. تتغنى بالكرامة .. وهى تمارس العهر يوماً بعد يوم .. ولا حياء ولا حياة .ه
حين يصمت هذا الشعب .. ولا ترى منه الا كل بلادة وفتور .. ولذة العيش تحت الأقدام .. ومتعة حك القفا بعد سيل لسعات كف المخبرين من كل شكل ولون .. فهذا ليس دليل موت .. انه دليل على عشق العبودية .. والخوف المفرط من الحرية وثمنها .ه
القضية فى مصر الآن .. اننا نحيا بلا قضية
وحين تصير قطعان البشر بلا هوية .. وبلا قضية .. فانتظروا اسوأ ما فيها .. انتظر الغاب وشريعة الغاب
انتظروا تسيد الضباع .. أحط آكلات اللحوم .. زمام الأمور
انتظروا الأسوأ.. فاليوم - على كل ما فيه - افضل مئات المرات من القادم .. غداً

٢٠٠٦-٠٤-٠٢

عن الحياة .. والموت


تبدو طريقاً طويلة .. احياناً ، وقصيرة فى أغلب الأحيان .. لكنَّا لاندرك أنها قصيرة إلا بعد فوات الآوان .. كأنها نفق او سرداب رطب مظلم ، لا يلوح فى الأفق له نهاية او انه بنهايات تتشابك فى البدايات فتوشك على ان تكون بداية أخرى .. الحياة .. نقطة البدء فى ذلك النفق المظلم الطويل المجهول .. والموت .. نهاية النفق .. ونهاية الرحلة .. نقطة الأستكانة واللاعودة .ه
كل كائن حى تعلم الدرس وأيقن ان لكل بداية نهاية ، ربما تكون النهاية نقطة بدء جديدة ، وربما لا تكون . تعلم الأنسان- بالتجربة - انه ابداً لم تطوى صفحة الا للشروع فى كتابة صفحة أخرى ، حتى أن لم يكن هو مقَلَّب الصفحات أو كاتب الصفحة الجديدة .. انها ابدية العلاقة بين البدء والأنتهاء .. او الأنتهاء والبدء.ه
من بين كل المسلمات التى ضُخت الى العقول منذ الصغر ، من بين كل أنهار وفيضان الأفكار والأراء والخطب والمواعظ ، من بين كل أوراق الكتب ، من بين كل أقوال المتقولين ، وكلام المتكلمين ، من بين كل الثوابت .. لا أستطيع اليوم إلا التأكد من الشئ الحقيقى الذى استطيع ان آراه بين الحين والحين .. الذى استطيع ان ألمسه فى برودة أجساد الآخرين - المختارين - الذى أستطيع ان احمله على كتفى فوق نعش ينقل من المعلوم الى المجهول .. أنه الثابت الوحيد دائماً وابداً ، القاسم المشترك الأعظم بين كل الكائنات - عاقلها وغير عاقلها - انه الموحد بين شتى صنوف البشر وألوانهم .. الذى لا يفرق بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر من جنس البشر .. أنه عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين .. أنه الموت .. حقيقة هذا العالم المؤكده .. الثابتة .. الراسخة التى لا تقبل النقاش او السفسطة او الجدل او العدم او الفلسفة وتفلسف اصحابها .. جادل الأنسان فى كل تفصيلات حياته ودقائقها .. فى الميلاد وفى الوجود .. فى الكون وخلقه وخالقه .. فى الأنسان والشيطان والجن والعفريت .. فى السماوات والأرض وما بينهما .. فى فناء الديناصورات وخلايا الجراثيم ..فى ذرات المعادن والعناصر وانشطارها .. فى الشمس والقمر .. فى كل شئ .. إلا الموت .. فكان المعركة الأخيرة فى لعبة الأنسان والحياة .. المعركة التى ودَّ الأنسان دائماً وابداً ان يخوضها بأمل النصر .. لكنه فى قرارة نفسه كان يعلم أنه المستحيل بعينه .. فالمعركة محسومة منذ لحظة البدء .. والهزيمة دائماً من نصيب بنى البشر .ه كان الموت دائماً وابداً .. الشمس الساطعة التى لا تغيب .. يد الغيب التى تلتقط من تشاء فى الوقت الذى تشاء دون حسيب او رقيب .. دون معنى او رغبة من اصحابها .. او حتى دون سابق انذار. ه ما قبله اختلف عليه كل البشر وما بعده ايضاً لم يتفق عليه البشر .. فقط لحظة الموت ... لحظة اعلان انهيار تلك الكتلة من اللحم والدم والأعصاب .. لحظة اعلان الدخول فى نفق النهاية .. كان يقف الأنسان لحظة .. رهبة ، وجلال ، وخوف ، وطمعاً فى تأخر تلك اللحظة الى ما لانهاية .ه تلك هى الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون .. ما لم يستطع الأنسان الشك فيها لحظة واحدة .. الوجودية .. الربوبية .. العدم .. الغنوصية .. كلها قتلت بحثاً وتفلسفاً .. كلها تقول تجادل فى المجئ .. الوقت .. الكيفية .. الخلق والفناء .. الحياة وما بعد الحياة .. كل ما قبل وكل ما بعد .. اما نقطة الفيصل .. البرزخ ما بين .. القبل والبعد .. ابداً لم تجد مغامراً او متفلسفاً او متحاذقاً .. انها اللحظة التى تقف كل موازين ونواميس الحياة .. الفيصل ببن البدء والأنتهاء .ه انها المسافة الفاصلة ما بين المعلوم والمجهول .. بين الشمس بسطوعها ودفئها وسخونتها وبين الضباب والدخان والتيه .. بين اليقين واللايقين .ه انه الخط الفاصل بين حدين .. عالمين .. المحسوس والملموس والمؤكد وبين الشك و اللامعلوم واللامؤكد ، ابداً .. لم يعد احد فى رحلة عكسية من الخلف الى الأمام .. من المجهول الى المعلوم فيحدثنا .. ويجب السؤال الذى حار فيه كل البشر .. منذ فجر التاريخ ودارت حوله الروايات والأقاصيص والأساطير والنبؤات والويل والثبور الجزاء والعقاب .. الجنة والنار.ه وماذا بعد .. ؟ اجابة السؤال كفيلة بأن تحل كل ألغاز البشرية نشأة الأنسان وبداية اعمال عقله .. عقله الذى دله الى وجود خالق .. طالما وجد المخلوق .. عقله الذى هيأ له هذا الخالق فى صور شتى .. محسوسة ومرئية حين كان الأنسان بحاجة الى آلهه يراها ويتحسسها .. وآخرى تمرح فى جبال الآوليمب .. تطلق ابنائها .. انصاف الآله .. كى تحكم البشر .. فيذعنون لمشيئة الآله المستبدة المتغطرسة .. التى تعيش حياة المجون فى قمة الأوليمب . ه انه السؤال الذى تكفل اجابته .. حياة غير الحياة ، ونمطاً غير النمط .. انه السؤال الكفيل بهدم كل التابوهات العصية منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا ، السؤال الذى تكمن فى اجابته .. راحة البشر ، وشقائهم ، السؤال الخالد فى اذهان وعقول وقلوب كل البشر..ه
هل – حقاً – هناك حياة آخرى بعد الموت ؟
ولأن السؤال سيظل ابداً بلا اجابة .. ستبقى تلك الكلمات فى افضل حالتها .. سفسطة.ه

٢٠٠٦-٠٣-٠٧

صديقى الطاووس .. لا تغضب


صدفة بحتة .. جمعتنى معه بعد ايام قليلة من نعتى له بالطاووس ، وبعد ان رد على ما اعتبره سباً و قذفاً –وهو ما جعلنى أظن انى سوف اتلقى امر استدعاء على يد محضر - برسالة لم اجد تعليقاً عليها إلا " لا تعليق " كان ابرز ما فيها هو وصفى ب " سى افلاطون " .ه
اعترف انى سعدت جداً ، ليس للوصف نفسه بقدر سعادتى ان صديقى استطاع استجداء ذاكرته حتى اسعفته باسم فيلسوف اشك ان صاحبى يعلم حتى فى اى عصر ولد ناهيك عن آرائه او ما قاله فى محاوراته او فى رحلته بحثاً عن اليوتوبيا " وهى لصديقى العزيز .. المدينة الفاضلة " وليست " شتومة " والعياذ بالله .ه
صديقى .. انت حر فى طريقة حياتك وفى افكارك وآرائك ، فلكل منا فلسفته فى الحياة حتى راعية الغنم التى كنت آراها فى صغرى وأحبها لتركها لى ألعب مع أغنامها الوليدة آنذاك ، كانت تعيش وفق فلسفة مؤداها " الصحة والستر وراحة البال " وهى للعجب جل ما يحتاجه الأنسان فى كل العصور ، وما يعيش بحثاً عنه ، وهناك من يفضل ان تكون مقولة مثل" انا ومن بعدى الطوفان " شعاره فى الحياة ، يتحسس خطاها ولو على غير علم منه ، وهم كثر فى زماننا . ه
صديقى .. لكل منا ميزان حرارته الخاص ، والذى يعلو مؤشره وينخفض تبعاً لحساسية الفرد ومرونته وربما بروده اذا صح التعبير، هذا المؤشر اشبه بالخطوط الحمراء التى ولابد ان لكل انسان – " بيحس "- مجموعة منها يحيط بها نفسه فلا يسمح بعدها لأحد بالأقتراب او التدخل وتجاوز تلك الخطوط الحمر . وكما اتفقنا فهى تختلف من فرد لآخر ومن شخصية لأخرى الا انه فى كل الحالات بعدها يبدأ رد الفعل المضاد والذى يتراوح ما بين الضيق الخفى او العلنى و الأنفجار فى الحالات الأشد وعند التجاوز المبالغ لمؤشرات ميزان الحرارة الداخلى.ه
قله فقط هم الذين استطاعوا الاحتفاظ بميزان حرارتهم الداخلى فى قطعة من جليد سيبريا .. بحيث اصبحوا بلا خطوط حمراء ولا من اى لون .. وللحق - والحق أقول - فأن العديد منهم يصل الى القمة .. ورئيسى مصر السابقين خير مثال – أظنه – لتلك الحالات .ه
على أيه حال .. رسالتى لك هى مجرد تنبيه لك من صديق " وهو فى العرف من يصدقك القول " بأن تكون أكثر احساساً فى تعاملك مع الآخرين .. فكلنا يقبل المزاح والهذر بصدر رحب حين يكون فى موضعه ، اما حين يكون المزاح فى غير موضع المزاح .. فهو يا صديقى العزيز .. حمق ، وأنا أسمو بك ان تكون كذلك .ه
حين نقول آرائنا .. وأفكارنا – ولوكانت دخان فى هواء او سراب صحراء – فنحن نتوقع من الآخرين الأتفاق او الأختلاف مع كل او بعض ما جاء ، وهو ما حدث ، نتوقع ايضاً ان يتجاهل آخرون الأمر برمته وهو الأمر الذى لا يشين صاحبه ابداً فحياتنا أعقد فى بعض الأحيان من ان تتيح للعديد منا التفاعل يئساً او انشغالاً، نتوقع ايضاً ان يطلب البعض رفع اسمه من قائمة المراسلات البريدية عموماً وهو ما حدث ايضاً مع بعض الرفاق ، تلك ردود أفعال صحية وتحترم رغبات اصحابها ، اما ان يكون الرد والتعليق .. كلمة سخيفة لا تعنى شيئاً اللهم الا عدم فهم او بلادة .. فهو يا صديقى ما اترفع بك عنه ولا اتوقعه منك.ه
ختاماً صديقى .. ان تكون مهتماً مهموماً بشئونك وشئون من حولك ليست عيباً او سبه على الأطلاق ، ان تريد ان تعرف وتظنه – فى حد ذاته - هدفاً سامياً فى الحياه امر ليس بالسئ .. وكلنا حر فى كيفية عيشه الحياه.ه

يقول القدماء " تكلم .. حتى أراك " .. فما ينطقه لسانك ، او تكتبه يدك هو مرآة لما بداخلك فمنها يرى الناس ما بقلبك وعقلك .ه

ويقول آخرون
الجهل فى القلب كالَنزّ فى الأرض ، يفسد ما حوله .هه

وقال آخر
من لم يُفد بالعلم مالاً .. كسب به جمالاً

وسئل الحكيم بزرجمهر : ما أعجب الأشياء ؟ فقال : نجح الجاهل ، واكداء العاقل

وقال أبوالقاسم احمد بن ابراهيم حفيد الأمام الحسين رضى الله عنه

يلوم على أن رحت للعلم طالباً ... أجمع من عند الرواة فنونه
فأعرف أبكــــار الكلام وعونه ... وأحــــــفظ مما أستفيد عيونه
ويزعم ان العلم لا يكسب الغنى ... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه
فيا لائمى دعنى أغالى بقيمتى ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه

واخيراً صديقى العزيز .. اشير اليك بكتاب " ادب الدنيا والدين " للماوردى ، ففيه بعض ما تحتاجه ، ولا أقول فى النهاية الا ما قاله الشاعر

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدى الفتى من دهره وهو عالم

أمر أخير .. الى كل الرفاق .. الأخوان او الأخوان .. الرفاق حسب موقعهم على خريطة الأنتماء الأيدلوجى " صديقى الطاووس .. ايدلوجى يعنى [ فكرى] ببساطة ومن غيركلكعة " لم أقصد فى لحظة واحدة من رسالتى السابقة انى سأكف عن الكتابة ، وأعتذر ان كان الأسلوب لم يوضح بالشكل الكافى ان ما قصدته فقط أنى سأكتب لنفسى ولو لم يقرأ لى ألا .. أنا ، ولكنى لم اذكر انى سأتوقف عن نشر ما أكتب .. كما فهمت أيها الصديق العزيز .. فأظننى أصلب من مئات الكلمات السخيفة .. وهذا للعلم والأحاطة .ه

٢٠٠٦-٠٣-٠٥

عصيان


هذا العام .. منتصف هذا العام تقريباً - تمر عشر سنوات بالتمام والكمال منذ تخرجت من كليتى .. عشر سنوات كنت خلالها أحلم دائماً بتحقيق مقولة أراها وأتحسسها كل يوم وأشعر بأنى قادر على تحقيقها .. " اللهم هب لى حياة عريضة لا حياة طويلة " كلمة .. اشعر اليوم بعد مرور عشر سنوات على التخرج بأنى لم أحقق منها .. ذرة واحدة.ه
لذا تضحكنى الى حد المرارة أغنية تذاع يومياً على معظم القنوات المصرية والمعنونة " يبقى انت اكيد فى مصر" ، وكثيراً ما تسائلت عن الأبله الذى كتب مثل هذا الكلام وهل هو يعيش فعلاً فى مصر أم انه يسكن كوكب آخر .. وإليكم اسباب نعتى له بالبلاهة : ه
انت اكيد فى مصر اذا ..
ه
كنت طفلاً نابهاً - كأغلب اطفال مصر - تبدو مواهبه متعددة متدفقة ، الى ان تدخل المدرسة الأبتدائية .. فتخرج منها جحشاً صغيراً ظريفاً .. عندما يُسئل " عايز تطلع ايه يا حبيبى لما تكبر " يجاوب وقد حلت الغباوة مكان النبهاة ، والعدوانية مكان الأبداع " عايز اطلع دكتور" .. فتنفرج الأسارير وتسعد القلوب وترد الألسنة " برافو عليك يا حبيبى ".ه
اذا دخلت الى مرحلتى الأعدادى والثانوى ، ممتلاء حيوية ورغبة فى الأنطلاق وتحدى العالم كله .. وخرجت منها كهلاً فى الثامنة عشر .. قد حددت مصيره وشكل حياته القادمين .. أرقام فى مكتب ما يدعى بالتنسيق.ه
اذا دخلت مرحلة الجامعة - وقد سلمت أمرك لله - وشعور بالذنب بأنك من جنى على نفسه بعدم قدرته على تحصيل المجموع المطلوب " كى تكون دكتوراً " ، ثم تقنع نفسك بأن الأمر لازال قابل للتحسن , وأنه من جد وجد .. ومن طلب العلا سهر الليالى ، فسهرت الليالى بعد ذلك كى تكون من الأوائل على دفعتك ..ونجحت فى ذلك ، ثم تدرك أنه ما دمت لا تملك الواسطة فأنت .. لاشئ.ه
اذا خرجت الى الحياة العملية .. وكنت من غالبية الشباب الذى هو احد حالين .. عاطل .. منذ سنين عدداً و تتنقل بين بعض الأعمال البسيطة هنا وهناك حياء من مد يدك الى اسرتك تطلب مصروف الجيب بعد ان صرت شطحاً جاوز الحادية والعشرين من العمر .او انك تعمل براتب يكفيك بالكاد ان تحيا وتعيش ، ثم تقاتل من اجل فرصة عمل توفر لك دخلاً يحفظ كرامتك قبل نهاية الشهر ، فأذا ما وجدته - داخل مصر او خارجها - فأنت تمسك به بيدك وأسنانك " وتعمل قرد " كى تحافظ عليه ولو كان عكس كل ميولك ورغباتك او مهاراتك وقدراتك .. فتعيش فى مقابل هذا الرخاء النسبيى حالة من حالات " التناحة " التى تنتابك بفعل استمرارك فى فعل ما قد يكون ابعد عن ما تحسن فعله .. فتصبح عاجزاً عن الأبداع والتمييز.ه
أنت فى مصر .. اذا أصبحت أيامك كورقة فى ماكينة تصوير تنسخ أيامك مئات المرات بنفس العيوب والأخطاء واللأمل فى التغيير ، الى ان ينتهى حبر الماكينة رويداً رويداً فتبهت مع الوقت ألوان الورقات المنسوخة وتخفت تدريجياً وتدرك بعد فوات الأوان بأن حياتك .. .. يوم أصل وألف صورة .ه
أنت فى مصر .. عندما تشعر بأن سبب وجودك فى الحياة مرهون - فقط - بقدرتك على الأستمرار فى ادارة " ساقية " اخترت - انت - بنفسك ان تضع لجامها فى رقبتك .. فتدور .. وتدور .. وتدور .. مغمض العينين ، حول محورك .. تصب الماء كى يحيا غيرك .. الى ان يأتى الأجل المحتوم .ه
الى كل اصدقائى المغردين خارج السرب .. الى من انتزع اللجام وعاد كما خلق .. برياً .. جامحاً .. لا يقبل القيد او العبودية باسم .. الدين والمجتمع .. والعادات ..والتقاليد ..والناس .. انى قادم .ه

٢٠٠٦-٠٢-٢٦

بدون عنوان


سألنى بعض الأصدقاء أين أنا .. فقد تغيبت لفترة طويلة نسبياً عن المشاركة فى مجموعتنا البريدية او النشر فى مدونتى الخاصة سواء بالكتابة او التعليق لاسيما ان الأحداث المتتالية التى مرت بها مصر والمنطقة العربية ولازالت – فى الشهور الأخيرة - شديدة السخونة تدفع من لا لسان له الى ان ينطق ويصرخ غضباً وألماً .ه
سببان هما المسئولان عن هذا التقصير أولاهما انشغالى الجبرى بأمتحانات الدراسات العليا وهو السبب الظاهر ، والسبب الآخر وما أظنه الأقوى أنى قد تلقيت بعض الردود حول رسالاتى الأخيرة , ومنها " الثالوث والحرية " الثلاث ، بعضها مؤيد لبعض او كل المضون ، بعضها رافض تماماً لكل ما جاء بها .. والبعض الآخر اكتفى بتنبيهى الى خطورة خوضى فيما لا يصح الخوض فيه لاسيما اذا كانت الأرض تحت أقدامى رمال متحركة قد تودى بصاحبها الى الهلاك .. اذا ما استمر فى الخوض فيها دون حذر ، وجائنى تعليق أخير من أحد الزملاء اكتفى فيه بكلمة " اتنيل " ، ولم استطع – فى واقع الأمر- فهم الرسالة الخفية خلف الكلمة ولا كيف يكون هذا " التنيل " وهل هو ما يمارسه صديقى هذا بحيث أصبح راضياً عن نفسه معجباً بها .. مختالاً كالطاووس .ه ربما توقفت بعدها قليلاً مراجعاً نفسى ومعيداً قراءة ما كتبت علنى اصل الى صيغة أكثر واقعية وأكثر تفاؤلاً كما طلب منى أحد أساتذتى الأعزاء .. لكنى أدركت شيئاً واحداً ومؤكداً – على الأقل بالنسبة لى - وهوأنى اكتب لأنى احتاج ان اكتب ، ففعل الكتابة لى هو نوع من الصراخ الصامت الذى لا استطيع كتمانه ، ولا أرغب حتى فى ممارسة ذلك النوع من القهر او القمع على نفسى فى الوقت الحالى.ه
سأكتفى هنا بمقولة " بن رشد " الشهيرة .. رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب .. حين تكون الكتابة هى الملاذ الأخير .. فسأكون حراً فى كتابة ما اعتقده ، انها آخر قلاعى وحصونى التى احتمى بها .. جزيرة الحرية التى اعيش فيها منفرداً مع نفسى حاكماً ومحكوماً .. قاضياً وجلاد .. أميراً ومأموراً .ه
حين تسير حياتك فى عكس ما تريد .. حين تكون شخصاً ابتلى بأنه كتلة من القلق تمشى على الأرض ، حين تكون حانقاً .. غاضباً .. غير مستقر .. متهم بأنك مزاجى .. غير راض .. غير ناضج .. تحمل فوق كتفيك رأساً لا يكف عن الضجيج والغليان .. حين تكون متهماً بالتمرد .. وكل جريرتك .. انك تسأل : كيف ومتى ولماذا ؟سأكتب .. فالكتابة هى وسيلتى للتعبير حين يعجز لسانى عن التعبير عما أريد .. سأكتب محطماً كل القيود والتابوهات .. سأتبع خطى الأولين والآخرين .. فى البحث عن كل شئ يهدئ من قلقى .. سأكتب لى .. أنا .ه

٢٠٠٦-٠١-٣٠

حصاد البهيم


حصاد البهيم

سيدي الرئيس .. تلك الرسالة ليست توبيخاً أو قرعاً ( قرع فلان فلاناً أي وبخه .. وليس المقصود القرع الآخر الشهير) إنها على غرار ما تم خلال الأيام القليلة الماضية .. نوعاً من كشف الحساب ، ومحاولة لقراءة وحصاد ليس كل التاريخ الحافل لفخامتكم .. فقط العام الأخير من حكمك المديد .. جعله الله مديداً حتى فناءنا جميعاً .. هو حصاد العام فقط.. حصاد البهيم .. مع اعتذاري التام لعمل المازنى الجميل " حصاد الهشيم " .
ه

سيدي الرئيس أتحفتنا في مطلع العام السابق ، وكنتيجة لثقل وغلظة وضغط حذاء المارينز " البيادة يعنى " على رقبة فخامتكم الأمر الذي جعلكم تسعلون وتشهقون وتزبدون وتتبولون على أنفسكم في نهاية المطاف .. خوفاً ورعباً وألماً من الضغط المتواصل لقدم ذلك المارينز على رقبتكم .. أقول أتحفتنا فخامتكم بقراركم الفذ .. العبقري .. المبادرة التاريخية .. التنازل عن أحد حقوقكم التاريخية في ركوب هذا الشعب ودلدلة أرجلكم من فوقه .. نعم تنازلت فخامتكم عن حقك الموروث عسكراً عن عسكر .. مملوكاً عن مملوك ، وأمرتم بأن يعاد صياغة مادة في الدستور تتيح لهذا القطيع البائس من البشر في بر مصر المحروسة أن يحلم في يوم من الأيام بأن ينتخب كأغلب شعوب الأرض حاكمه . ه
ويا لهول ما جرى .. لم يصدق القطيع نفسه ، فخرج بعض أفراده عارياً في الشوارع يصرخ ويهلل ويطبل ويرقص ، ويشكر الرب الإله على نعمه التي فاض بها من يحكم باسمه .
ه
وقام ممثلوا القطيع في المجلس المعروف لدى الغوغاء والدهماء والعامة من الشعب باسم " سيد قراره " قام بناء على تلك المبادرة التاريخية .. اللولبية .. البيزنطية .. المهلبية بعمل اللازم ، حيث انكب الرئيس – رئيس سيد قراره – وبعض من خيرة أبنائه من عموم قطيع البشر في مصر بلولبة ومحورة وزفلطة المبادرة التاريخية بالشكل الذي يرضى فخامتكم وولى عهدكم المصون – حفظه الله ، فصاغوا التعديل المطلوب في خير صورة ترضى الله ورسوله .. نعم اعترض حفنة من المارقين الخارجين .. اعترضوا وعارضوا وصرخوا واتهموا سيادتكم بالكذب والنفاق وعدم الجدية ، وأهانوا رئيس ممثلي القطيع " فتح الله عليه وأسره دائماً " واصمين إياه بأنه ترزي فرعوني .. يقص ويحيك القوانين حسب المقاس ولشخص بعينه ، ناسين هؤلاء الغوغاء إن التفصيل حسب المقاس افضل من تفصيل المصنع الذي هو من نوع " All size " ، حيث يتساوى الأمير مع الغفير .. وهو ما لا يصح ولا يليق في مصر المحروسة.
ه
ولكم أعجبني سيدي الرئيس تناحتكم إزاء الأمر فطبقتم المثل الشهير .. ودن من طين وأخرى من عجين ، إلى أن تم المراد من رب العباد وصيغ التعديل الدستوري الفذ ، واستفتى فيه عموم قطيع مصر .. فكانت ضربة أخرى تحسب لفخامتكم في سلسلة الضربات التي نالها الشعب في حكمك المبارك .. من الجوية والمائية والأرضية وتحت الأرضية ، وأعلنت سيادتكم في مؤتمر عام بأن الشعب رضى عن تلك الصياغة رغم انف المارقين ، وبات أخيرا من حق القطيع أن يختار من يذله .. اقصد من يدله إلى خير العمل .ه
واعلن في عموم البلاد انه ولأول مرة في تاريخ مصر المحروسة سوف ينتخب الفرعون انتخاباً لا غبار عليه ، انتخاباً حراً مباشراً .. من بين مجموعة من الفراعين سوف يختار الشعب فرعونه بنفسه.
ه
وبين عشية وضحاها اشتعل الحماس في القلوب ، وتاقت الأنفس ولعبت العقول .. عرش مصر .. الذي قيل عنه ممن لا اعلم اسمه .. إن من لم يحكم في مصر .. لم يذق طعم الحكم ، نعم سيدي الرئيس .. أنت الذي نفخت الشعب بقوة ( اقصد نفخت في الشعب ) .. واحييت العظام وهى رميم .
ه
وعاش عموم قطيع مصر في حال من الترقب عظيم يتابعون الحملات الانتخابية للمرشحين العشر ، ويضعون الأيدي على القلوب يحاولون أن يخمنوا من يا ترى سوف يكون رئيس مصر القادم ، وهل يا ترى سوف تنجح فخامتكم أم أن القطيع سيختار بمحض إرادته حاكماً آخر .ه وعاش القطيع أياما صعبة حتى اللحظات الأخيرة لأعلان النتائج لا يستطيع أن يتوقع من الرئيس .. فالمرشحون من خيرة أبناء القطيع وعباقرته وعظمائه .. وكلهم يستطيع أن يقود الدفة .. وكلهم نار على علم .. اللهم إلا أحمق في الأربعين من عمره .. لن اذكر اسمه ولا اسم حزبه .. فأعلم انه يثير مراكز الاستقبال لدى ولى عهدكم خاصة انه في نفس السن تقريباً .. لكنه في " الغد " سيكون عبرة لمن يعتبر و " نور" معاليكم قادر على سحقه كما الذباب والهاموش .
ه
وكان نصر من الله وفتح قريب .. وفزتم سيادتكم بحكم مصر لفترة خامسة .. في انتخابات حرة ونزيهة وديموقراطية ، شعبوية ، تعبوية ، قوية ، ناعمة وكلها حنية .
ه
كل الشعب سعد سعداً لم يسعده من قبل .. حتى إن الوليد في بطن أمه كان يقول نعم لفخامتكم .. ولم اصدق أذني وأنا اسمع جاراً يخبرني بأن ابنه خرج من بطن أمه حاملاً معه " يافطة " عليها .. القيادة والعبور للمستقبل ، ألي هذا الحد أنت في جوف الشعب وبين أحشائه - لكنك أبدا لن تخرج كما يخرج ما في الأحشاء – فأنت باق في الجوف دائماً وأبدا .ه
ثم كانت انتخابات المجلس الموقر .. وفاز حزبكم النابغة الذي أنت على رأسه بأغلبية ساحقة .. وهزم المعارضون شر هزيمة .. ولم يبقى إلا شرذمة قليلة من المارقين نحو اليمين .. أنت والأيام القادمة كفيل بهم.
ه
سيدي الرئيس .. صدق حدسك .. ولم ينته العام إلا وكان ذلك ذلك المارق الذي جرؤ وتحدى فخامتكم علناً وقال أقاويل عن أسرتكم .. ليس اقلها انك والأسرة الكريمة من كبار حرامية البلد وان ثروتكم تقدر بالمليارات وأشياء أخرى يعف اللسان عن ذكرها ، نعم سيدي الرئيس صدق حدسك وثبت انه فعل فعلة نكراء .. فظيعة .. مهولة .. بشعة .. وزور توكيلات إنشاء حزبه الذي انهار حالياً وهو الغباء بعينه .. فتكوين حزب لا يحتاج اكثر من توكيل خمسين فرد ، لكنه أبى إلا أن يصل بهم إلى 2005 توكيل فلجأ إلى التزوير حتى يصل إلى هذا الرقم .. وهى فعلة جلل وامر عظيم .. ودع عنك – اقصد عن فخامتكم – الهمس الذي يدور حول انه كيف وهو من حصل على ما يقرب من المليون صوت – حسب بعض الإحصائيات – يزور للحصول على بضع مئات من التوقيعات .. الأعجب في الأمر انه أيضا لم يستطع الحفاظ على مقعده تحت القبة .. واستحق كذلك الحكم بخمس سنوات جزاء فعلته النكراء .. كما استحق من قبله صاحب " ابن خلدون " الحكم بسبع سنين ، واسمح لي فخامتكم بهذه المناسبة أن أشيد بذلك القاضي صاحب السبق .. الذي تولى الحكم في القضيتين ، والذي أثق أنكم اخترتموه بنفسكم وبعناية فكان نموذجاً لوفاء الكلاب لأصحابها ..وهو الوفاء مضرب الأمثال.
ه
وأخيراً .. سيدي الرئيس لكم تأثرت اشد التأثر حين سمعت أنكم وبدافع من الوفاء عظيم ، قد منحتم أحد وزرائكم الذي لم يشرف باختياركم للوزارة الجديدة نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى جزاء أعماله في الوطن ، فأخرست بذلك الألسن التي كانت تلمح أن هذا الوزير سبة في جبينك لفساده الذي فاق كل حد .. إنها عبقريتك – يا ريس – التي اكتسبتها من طول جلوس على قلوبنا ( أعنى داخل قلوبنا ) وسمحت لك بتمييز الغث من الثمين .. اكثر منا نحن القطيع الذي لا يهتم إلا بمأكله ومشربه ومكان اخراجه وميكانيزم الأنجاب وآليته ..ه
رب احفظ لنا رئيسنا واجعله حاكما علينا إلى أن نموت ويموت أولادنا من بعدنا ثم أولادهم من بعدهم .. رب احفظه حاكماً لنا حتى لو اصبح مومياء في تابوت زجاجي .. واحفظ ولى عهده يا رب واجعله يتزوج وينجب كي يأتى لنا بولى عهد جديد .. واحفظ اللهم جمهورية مصر المباركية .. وألعن كل المارقين الحاسدين غير الراضين .. احفظه لنا يارب .. كي يصنع لنا ... القيادة و العبور للمستقبل ، فنحن لا نستحق إلا هو وأمثاله .ه

إمضاء
ابن من ابناء قطيعكم

٢٠٠٦-٠١-١٥

كل عام وانتم .. كما انتم


أيها الراقدون – أمواتا شبه أحياء ، او احياء شبه اموات .. فوق الثرى ، كيف بالله تجرؤن على لفظ عام سعيد وعيد سعيد .. أي سعادة تلك التي نتحدث عنها ونأملها ونحن على ما نحن عليه .. لا أدرى .. ربما كنت بالفعل أنا من لا يرى فى الأمور الا نصف الكوب الفارغ .. ولا ارى الحياة الأ بمنظار اسود .. يزداد اسوداداً كل يوم .. لا عليكم .. فأنا لم اجد مدخلاً للتالى الا تلك .. المشاغبة.ه

يعيد التاريخ نفسه بتفاصيل تثير الذهول والسخرية .. السخرية من أن يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين وثلاث وعشر ، ففي هذا التوقيت الذي ضاقت الأرض علينا بما رحبت وبلغت القلوب الحناجر ، تنتج أحد الفضائيات الأمريكية برنامجاً وثائقياً مذهلاً حول الحضارة الإسلامية النشأة والسقوط .. منذ هبط الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وحيداً خائفاً مهرولاً من غار حراء مكلفاً برسالة تنوء عن حملها الجبال وحتى سيادة الحضارة الإسلامية نصف العالم القديم .. مروراً بعصور النهضة الإسلامية في بغداد ودمشق والقاهرة حواضر الحضارة الإسلامية الأعظم .. عن محمد وأصحابه .. عن خلفاء المسلمين من أمويين وعباسيين وفاطميين وعثمانيين .. عن صلاح الدين وسليم الأول وغيرهم ، عن ابن رشد وابن سينا والخوارزمي , عن التسامح والعدل والنزاهة التي اتصف بها المسلمون في تلك العصور.. وحتى السقوط .ه
يعترف الغرب – الآن – في شئ يدعو للدهشة والعجب ، إن الإسلام كان سبباً رئيسياً في نهضة أوربا ، ويصرح أستاذا جامعياً مرموقاً في جامعة هارفارد .. كبرى الجامعات الأمريكية ، بأن أوربا لم تبدأ نهضتها إلا بعد الحروب الصليبية حين احتكت بالحضارة الإسلامية وذهلت مما رأت في ذلك الشرق الذي ظنته بربرياً وأدركت بأنها – هي – من تحمل ثقافة التوحش والهمجية ، شاهدت صلاح الدين الذي لا زال يعيش في ذاكرة أوربا إلى اليوم كنموذج لتسامح القائد المسلم عند انتصاره ، حينما كان صلاح الدين قائداً مسلماً – لا أحد يبحث في أصوله العرقية أو الطائفة أو المذهبية .. هو قائد مسلم وكفى لا يهم أن يكون كردياً غير عربي ، مسلماً بأخلاقه وروحه أولاً البعيدة عن التزمت وضيق الأفق والنظرة الأحادية للأمور، كانت بقايا حالة التحضر الإسلامي باقية ولم تهزمها جاهلية العصر الحديث التي نعيشها الآن . ه
شاهدت أوربا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. شاهدت ذلك في بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغر ناطة .. تاريخ الإسلام المشرف .. والذي نبكى عليه أطلالا الآن . بنهاية الحملات الصليبية أدرك الأوربيون انهم في ظلام دامس وفقر مدقع سببه الرئيسي تحالف الدين والسياسة ، وانتهت الحملات الصليبية ولم تنتهي حالة الانبهار بما شاهده " الفرنجة " في حواضر الحضارة الإسلامية ، وبدأت حالة اقتراب من تلك الحضارة التي بهرتهم بحريرها وتوابلها ومساجدها وفلكها وطبها وهندستها ، إلى حد الافتتان ، فكان " توما الأكوينى " رجل الدين المسيحي في تلك الفترة الذي أتقن العربية وعاش يقرأ ويترجم وينقل ألي أوروبا المظلمة كل مصابيح الحضارة الإسلامية فكان من أوائل من يشار إليهم بالبنان كحجر زاوية في بداية عصر النهضة الأوربي ، حالة الانبهار التي جعلت رساماً من اشهر رسامي عصر النهضة – رافاييل – يضع ابن رشد الفيلسوف المسلم في صدر لوحة له حول صانعوا الإنسانية ، ذاقت أوربا التوابل القادمة من الشرق المسلم ، ولبست الحرير والنسيج المبهر القادم من إيران وبلاد فارس المسلمة ، رأت كيف ذاب الغزاة المغول – بعد اقل من 100 عام على سقوط بغداد – في الإسلام فكان ملوكهم بعد ذلك في الهند والصين من عظام الحكام المسلمين .. تشهد على ذلك آثارهم في تاج محل ، ومساجدهم في ماليزيا إندونيسيا والفليبين .ه
أخذت أوربا " تَسَامُح " الدين الإسلامي وحريته .. حريته في الاعتقاد ، والبحث ، والتفكير ، الأمر الذي كان غائباً عنها بفعل تحكم الباباوات وتحالفهم مع الملوك والأمراء واستعبادهم الشعوب باسم الرب ، فكانت نهضتهم إلى اليوم خير شاهد على ذلك .ه
وحين تشرذمت الدولة الإسلامية بعد ذلك إلى دويلات ، على رأس كل منها مغامر أو أفاق أو وريث عرش أحمق ، بدأ السقوط .. السقوط المتتالي والمدمر في الأندلس والمغرب العربي ، في الشام ومصر ، في الهند وإيران . دويلات أشبه بالمدن يتصارع فيها الحكام من الأسرة الواحدة على حكم مقاطعة لا تزيد عن بضع مئات من الكيلومترات وكان ذراعي كل متمرد آو راغب في الحكم ..ه فارس يحمل سيف ، وإمام – سلطان – يتحدث باسم الدين ويدعو للحاكم .. المنصور بالله ، الناصر بالله ، المستنصر بالله ، سيف الله ، المعتز بالله ، المستعصم بالله .. الخ . وصار الحكام أبناء العمومة واللغة والدين والدم ، يتحالف كلاً منهم مع الأعداء ضد ابن عمه وربما أخيه كي يستولى على عرشه أو إمارته ، ويفتح هذا أرضه ويقدم ذاك ماله ، كي يقوم الأجنبي بغزو جاره .. فيكون هو التالي دون أن يدرى .. ويشهد التاريخ قبيل سقوط بغداد على أيدي المغول ، أن الخليفة العباسي استنجد بكل حكام الدويلات المسلمة المنهمكة في صراعها الداخلي المتواصل ، فتخاذل من تخاذل وشمت من شمت ، وطمع من طمع ، بل وراسل بعضهم قواد المغول انه معهم ولن يتدخل أبدا .. في مقابل الأمان له ولإمارته ، فكان بعد ذلك لقمة سائغة .. في يد من لا يحفظ عهداً خاصة إذا كان العهد لمن خان قومه وخذلهم عند الشدة.ه
ما أشبه البارحة باليوم .. انه السقوط الذي بدأ منذ خمسة قرون ولازال مستمراً إلى الآن .. التاريخ يعيد نفسه – كما يصرخ هيكل في برنامجه كل خميس – ولا أحد يقرأ .. لا يقرأ حكامنا التاريخ ، ولا يستمعون إلى من يحذرهم من الهاوية التي يهرولون تجاهها ..ه ساحبين شعوبهم معهم . إنها عجلة التاريخ تدور مكررة نفس الحوادث والتفاصيل في شئ يدعو للدهشة والذهول ..ه
حكام دويلات .. لا يأمن بعضهم بعضاً ، يطمع بعضهم في بعض ، يتربص بعضهم لبعض ، يتحالفون مع الشيطان من اجل بقائهم وأولادهم على كراسي العرش ، يتحالفون .. ويوقعون المعاهدات مع العدو – الحقيقي -المتربص بهم بدعاوى أوراق اللعبة والحكمة والأمر الواقع .. عميت عيونهم وبصائرهم عن رؤية الخطر الحقيقي والعدو الحقيقي .. فيتساقطون دويلة بعد الأخرى .. كالذباب في إناء العسل .ه
كما سقطت دمشق والقدس وغرناطة وطليطلة وقرطبة وكل دويلات الماضي القريب .. سقطت القدس وعكا وعسقلان مرة أخرى و تسقط اليوم بغداد تحت أقدام تتار العصر الحديث .. وتدور الدوائر على دمشق وبيروت وطهران .. ركعت طرابلس والقاهرة والرياض .. ولازال مسلسل الركوع والسقوط مستمراً .. ثم نجرؤ بعد ذلك على تمنى السعادة في أعيادنا لبعضنا البعض .. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.ه