٢٠٠٥-٠٩-١٥

وماذا بعد

منذ خمسون عاماً كان ابى – رحمه الله – صبياً تفتحت مداركه على هدير ثورة يوليو وتشبعت فترة صباه وشبابه باحلام الثورة .. كل احلامها وآمالها .. فى وطن افضل وحياه افضل تملؤها العزة والكرامة ، وانكسر معها بعد ذلك فى هزيمة 67 وشاهد نهاية الفرعون وهو يموت حزيناً منكسراً مهزوماً .. دون ان يتحقق الحلم ، شارك مقاتلاً فى الفترة من 67 الى 73 وعاش لحظات النصر ، وتألم مع من تألم حين رأى الفرعون الجديد يهبط الى أرض اسرائيل ، لكنه صدق وعوده بأن السلام قادم وان الرخاء قادم وان الوطن الافضل والحياة الأفضل والعزة والكرامة لاريب قادمين .. وانتظر .. انتظر ان يتحسن الوضع وان يرى ابنائه القادمون تواً الى الحياه طعم الحياة ، كما وعد الفراعين .. ولم يتحقق السلام ولم يأتى الرخاء المنتظر ، شاهد نهاية الفرعون المأساويه بين كهنته وقواده .. ورأى الفرعون القادم وهو يحلف اليمين ويعد الشعب كما وعد من قبله .. عاش ابى بعدها الفترة الاولى كاملة من ولاية الفرعون .. ولم يمهله القدر اكثر من هذا ورحل تاركاً الدنيا ولم يرى من وعود الفراعين الثلاثة الا الوهم ، يداعبه الأمل ان يرى ابنائه ما لم يره هوه فى حياته ان يتحقق وعد بحياة افضل لنبتته الصغيرة علها تعيش ما لم يعشه .. واليوم بعد ما يزيد عن عشرين عاماً على الرحيل وبعد ان صار الأبناء فى سن الثلاثين – لم نرى الا السراب لا وعوداً تحققت ولا حياة افضل نعيشها ولا زال الفرعون موجوداً قارب الثمانين من العمر يدخل فى ولايته الخامسة .. ويعد الشعب بوطن افضل وحياة افضل.. رحم الله ابى .. ورحم الله الشعب المصرى . وماذا بعد .. فاز آل مبارك بفترة خامسة كما كان متوقعاً .. وبغالبية ساحقة تدعو للتساؤل ، هل كانت الأنتخابات نظيفة بالفعل كما يطنطن انصار الحزب الحاكم .. سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة ولا شك ، فعل الرغم من بعض التجاوزات الفجة التى حدثت فى بعض اللجان الانتخابية الأ ان الأمور سارت طوال اليوم فى هدوء غير مسبوق فلم يتدخل الأمن مطلقاً – حسب مارأيت – فى سير العملية الأنتخابية ، بل انى قمت بتصوير مندوبى الحزب الوطنى فى احد اللجان وهم منهمكون فى ملئ بطاقات التعارف التى تزينها صور مبارك لكل الناخبين .. ولم اتعرض للسؤال اللهم ألا من مندوب شرطة اشار اليه احد الضباط بأن يتركنى لسبيلى . فاز آل مبارك بنسبة تقارب ال 90% من اجمالى اصوات الناخبين وهو ما يعنى احد احتمالين ان تلك النسبة غير واقعية وان التزوير وان لم يتم فى التصويت الا انه قد حدث فى احد المراحل السابقة او اللاحقة كتعبئة الصناديق قبل البدء فى التصويت او فى عمليات الفرز ، فالعاملون فى سلك القضاء ( مستشارين ، ومعاونو نيابة .. الخ ) والذين اشرفوا على العملية الأنتخابية ليسوا ملائكة ولا نستطيع ان نتخيل انهم جميعاً ساروا على الصراط المستقيم ، الأمر الآخر هو ان تكون تلك النسبة حقيقية وهو ما يعنى ان الحزب الوطنى استطاع حشد ما يقرب من 6 مليون صوت لتأييد مبارك وهو امر يدعو للتساؤل والدهشة من طبيعة هذا الشعب وتركيبيته فاذا صحت هذه النسبة فأن الأمريحمل معنى واحداً اننا شعب ذا تركيبة نفسية اقرب الى المازوخية نتلذذ بالألم ونقبله ولا نقوى او لانريد ان نوقف هذا الألم .. حفنة من العبيد تتملق السلطة ايا كانت وتمارس نفاق الحاكم حتى لو كان ابليس الرجيم .. تخاف سوطه الوهمى ولا ترى الا قبضته مرفوعة فى الهواء حتى وان كانت قبضة مرتخية لا تقوى على قبض شئ . وماذا بعد ؟.. هذا هو السؤال الاكثر اهمية من المؤكد ان السنوات الست القادمة هى سنوات غليان ، سنوات سوف يتحدد خلالها شكل الوطن خلال الخمسين عاماً القادمة كما كانت ثورة يوليو منذ نصف قرن واتمنى الا نعيش وهماً تلو وهم والا نورث ابناؤنا وطناً لا يحقق لأبنائه ادنى قدراً من حقوقه . ولأنى احمل ميراثاً من عدم الثقة فى حكامنا الفراعين فسيناريو الأيام القادمة سيكون مشابهاً لكل التوقعات التى يخشى منها من يهتم لأمر هذا الوطن : - سيتم اولاً التخلص من كل رموز المرحلة السابقة فى الحزب الحاكم وازاحتهم ككبش فداء لكل احباطات الربع قرن الماضية ، ونوعاً من غسيل الثوب القذر . - ستسيطر لجنة السياسات بالحزب على مجلس الوزراء تماماً بما لا يسمح بوجود اى نوع من الاعتراض وسيحكم الثعالب الجدد قبضتهم على الحزب والمؤسسة الحاكمة. - سيصعد جمال مبارك اميناً عاماً او امين التنظيم . - بعض الأصلاحات فى الدستور وبعض القوانين الأستثنائية ، الى جانب رفع الأجور لبعض الفئات المطحونة .. تجميلاً لصورة النظام . - عامان يمران على الرئيس مبارك بعدها يعلن لأسباب صحية او غيرها تنحيه عن الحكم والدعوة لانتخابات مبكرة . - سيرشح الحزب الوطنى اقوى رموزه السيد/ جمال مبارك لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية المبكرة . - ستخرج جموع الحزب الوطنى والشعب المريض بمداهنة السلطة تؤيد وتبايع الرئيس ابن الرئيس ولى العهد القادم. - طبقا لتعديل المادة 76 من الدستور لن تخوض انتخابات رئاسة الجمهورية احزاب لم يمرعلى انشائها 5 سنوات " حزب الغد " مثلاً ، بعد ان بات الرقم الصعب فى عملية الحراك السياسى الحادثة فى مصر الآن . - مات الملك .. عاش الملك .. واللى يتجوز امى اقوله يا عمى .. يا مبارك قول لجمال انت رئيس فوق الخيال .. مش كفاية مش كفاية .. جمال مبارك للنهاية .. يا جمال يا حبيب الملايين .... شعارات ستنطلق من كل صوب وحدب .. وطبقة اخرى حاكمة اكثر شراسة وقوة واكثر شباباً وطموحاً .. ولا عزاء للمصريين . الرهان الوحيد – وهو للأسف لا يعتمد عليه – هو الشعب المصرى .. هل تستطيع النخبة التى تحركت الآن ان تستمر فى اثارة حركة رفض شعبية عامة كما حدث فى اوكرانيا وقرغيزستان وبلاد بترك الأفيال .. ام ان المصريين جزء من النسيج العربى .. الذى خذل يوماً الثائر الأعظم الحسين بن على على الرغم من تحذير المقربين منه .. والمقولة الأشهر التى قالها احد رفاقه قبل استشهادهم جميعاً فى كربلاء " ان قلوبهم معك لكن سيوفهم عليك " .. هل ترانا بالفعل منافقى سلطة ومتملقى حاكم ؟ يبقى السؤال لتجيب عنه الأيام القادمة ..

ليست هناك تعليقات: