٢٠٠٥-١٢-١٣

الثالوث .. والحرية .. (1) 0


الآتى ليس : فلسفة ولا هرطقة .. ليس زندقة ولا خروجاً عن الدين .. ليس علمنة ولا ملحدة .. ليس كلام جديد ولا هو بالكلام القديم المثقوب كالأحذية القديمة وليس من مفردات العهر والهجاء والشتيمة – كما قال نزار قبانى يوماً وهو يصف حالنا - ليس اى شئ من كل قاموس الهجوم والهجوم المضاد التى باتت سمة عصرنا الحالى .. احد اعظم عصور الأنحطاط ، اذا ما كنا نعشق استخدام صيغة افضل التفضيل
كان سلفنا التليد يقول .. ان مشكلات مصر الثلاث هى .. الجهل والفقر والمرض .. هراء .. محض هراء – وحقيقة لا اعرف تحديداً معنى كلمة هراء – انما من المؤكد انها تدل على محتوى غير لائق .. ايا كان هذا المحتوى
الجهل والفقر والمرض .. ليست ابداً اسباب تخلفنا .. ولم تكن ابداً ، فالأمور الثلاث السابقة بمنتهى البساطة هى نتائج .. وابعد ما تكون عن الأسباب لما فيه حالنا من انحطاط على كل الأصعدة – حتى وان لم تعجب كلمة انحطاط الكثيرين
الأمر كما قلت قد لا يكون جديداً لكنى اصر انه ليس بالقديم ايضاً ، لأنه طالما بقيت الأسباب الحقيقية بدون علاج جذرى .. ستبقى تلك الأسباب متجددة دائماً ، قابعة على انفاس هذا الوطن .. بشره وحجره .. لن يتحرك قيد انملة الى الأمام
انها الأسباب الخالدة .. خلود البشرية ما بقيت البشرية تعمر هذا الكون .. انها الأسباب الأشهر فى كتب التاريخ والفلسفة وعلم النفس وكل العلوم بحتها وتطبيقها ، طبيعيها ونظريها . التابوهات الأعظم فى شرقنا البائس والتى استطاع الغرب التعامل معها .. أنها الجنس والسياسة والدين
هكذا .. وبأبسط ما تكون الكلمات .. وبأوضح ما تكون يدرك كل عاقل – سراً او علانية ان الثالوث المقدس ، او غير المقدس هو لجام الشعوب وسياطها ، يلعب بها الطغاة كيف يشاؤون ومتى يشاؤون ، يمررون الى شعوبنا الشرقية البائسة جرعات موزونة ومحسوبة من كلاً منها فى اوقات مدروسة وبكميات مدروسة .. فتغيب الشعوب عن وعيها قروناً طويلة .. تصم أذانها ، وتخرس ألسنتها ، وتعمى عيونها .. بفعل آلة الأعلام التى هى وسيلة الحقن التى تخترق جلود تلك الشعوب معطية الجرعات رويداً رويداً .. لتنام الشعوب فى احل العسل
الجنس .. مشكلة المشاكل .. التابو الأكثر خطورة ، الفعل المحرم .. الخبيث .. الدنئ .. الكلمة القبيحة .. الفاجرة .. العاهرة .. التى تتردد الألسن مئات المرات قبل ان تنطق بها .. هى الرجس الذى من عمل الشيطان
هكذا تعلمنا .. وهكذا تشربنا .. وهكذا سمعنا .. الجنس .. الكلمة التى كانت ولا زالت – كما اعتقد – فى عرف الصغار .. " قلة الأدب " كما كنا نصف ذلك الفعل المبهم ، الذى ربما كانت اولى مصادر البحث حول " الفعل " ناتجة مما كنا نشاهده من الأفلام .. النظرات والقبلات والأحضان ، كان التساؤل يقفز من عيوننا الصغيرة فى غير فهم
ماذا يفعل رشدى اباظة مع شادية ؟ طب وليه بيعملوا كده ؟
كانت الأجابات كوميدية .. " بيحطلها قطرة فى عينيها " .. " بينفخلها فى بقها .. – برضه ليه " .. الى اخر تلك الجمل الطريفة التى ما ان كنا نحاول ان نقلدها اولاداً وبنات .. حتى نفاجاً بصواعق وكهارب فوق رؤسنا .. واذا ما تسائلنا والبراءة فى العيون الدامعة بعد جرعة التوبيخ والعقاب لماذا نوبخ على ذلك " اشمعنى رشدى اباظة " .. تكون الأجابة .. دى اصلها " قلة ادب "ل
وهكذا .. اللبنة الأولى فى جدار العزل وفى بناء الشخصية المقموعة المكبوتة , ربما حتى قبل بدء سن المدرسة .. وتجئ المرحلة الثانية مع سن التلمذة .. والأسئلة التى توقع الأهل فى الحيرة وربكة تثير الكثير من الشفقة .. والسؤال الشائع على شفاه الأطفال .. " بابا هو احنا جينا ازاى ؟ " .. وتبدو ايضاً الأجابات مبتسرة .. " الأولاد الصغيرين بيكونوا فى بطن ماما وبعدين بيخرجوا " .. " طب هما دخلوا بطن ماما ازاى " .. " امشى يلااا العب بعيد .. بعدين .. بعدين ، بابا عنده صداع "ع
تسير الأمور على تلك الوتيرة .. فترة غير قصيرة .. هى فترة البحث والفضول لدى الأطفال .. وتكون محصلة المرحلة .. افكار ضبابية حول امور يعلم انه لا ينبغى السؤال عنها .. تهدأ الامور مع التقدم الى سن الصبا والأنشغال بالصحبة وتكوين الأصدقاء .. الى مرحلة البعث .. او قل مرحلة الأنفجار اذا شئت .. فجأة وبين عشية وضحاها ، تختل الموازين بداخل الأجساد , وتنهمر ينابيع الهرمونات فى الأجساد الغضة ، محدثة .. حالة الفوران والغليان .. وتبداء مرحلة جديدة من مراحل معاناة الأب والأم .. لكبح جماح .. الأشبال الخارجة تواً الى فضاء الطبيعة واحتياجات الجسد . ويتزامن معها الأدارك بأمور جديدة نسبياً على الأذن .. فتسمع الويل والثبور .. والعذاب والنار وجهنم لمن يرتكب الجرم الأكبر بعد الشرك .. الزنا .. الفاحشة .. ويضاف الى طابور المرادفات كلمات اخرى الى جانب " قلة الأدب " . وتسمع الحكايات المرعبة حول الزناة وعذابهم .. ماذا يشربون .. وماذا يأكلون .. وكيف مصيرهم الخالد فى جهنم وبئس المصير
الشئ الأعجب من ذلك .. ان اغلب الشفاه التى تنطق بتلك العظائم .. والعيون التى تنثر الشرر لهذا الفعل الآثم .. هى نفسها الشفاه التى تلمع على اطرافها الجوع .. وعلى عيونها اللمعان حين تشاهد .. افلام ايناس الدغيدى ومشاهد العرى الجريئة بها
نعم .. يجب ان نلعن فى العلن .. ونغضب وننتفض .. وندعولأثواب للفضيلة وسراويل العفة .. لكن القلوب تشتاق والعقول تغلى والأجساد تحترق .. انها ازدواجية الشرق المسكين .. انه " السيد احمد عبدالجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ " فى كل منا .. بشكل او بآخر
يتحمل الشباب الشرقى عموماً .. والعربى تحديداً .. حالة من حالات الحرمان تستمر فى المتوسط خمسة عشر عاماً .. منذ سن الخامسة عشر وحتى الثلاثينات .. متوسط سن الزواج فى عصرنا الحالى .. فتيانا وفتيات . هى اجمل سنوات العمر .. هى سنوات الأبداع والعمل .. هى سنوات المغامرة والطيش والشباب .. سنوات الانطلاق والفوران والغليان .. هى سنوات العطاء الحقيقى العبقرية والنبوغ
سنوات يعيشها الشباب العربى .. معطلاً .. نصف منتج .. بنصف عقل .. ونصف قلب .. ونصف جهد .. فخمسون فى المائة – ليس مبالغة – من طاقة الشباب وتفكيرهم واحلامهم ورغباتهم .. هى فى التفكير فى الجنس الآخر .. وهو ما اشك ان احداً قادر على انكاره
يتسائل الكثيرون فى نوع من الغباء .. لمذا لا ينتج شبابناً .. كالشباب الغربى مثلاً .. ولماذا لا يوجد مبدعون فى حياتنا الآن .. واين نحن من شباب فى العصور السابقة قادوا الجيوش وفتحوا الدول وألفوا الكتب واخترعوا .. واكتشفوا .. وهم دون الثلاثين .. انها الحقيقة دون مواربة لن ينتج شباباً شيئاً وهو مقموع محروم .. معطل .. نصف كائن حى
لم تكن تلك مشكلة فى القرون السابقة .. ولا حتى كانت منذ خمسين عاماً ..وبطبيعة الحال لا يوجد شاب فى الغرب يعانى من تلك المشكلة .. ولذا لا تتعجب حين تعلم ان بيل جيتس طور اول نظام تشغيل له وهو دون الثامنة عشر .. وان غيره من الشباب يتبارون فى تحطيم الأرقام القياسية فى شتى المجالات .. جدها وهزلها .. علماً ورياضة .. فنا وادباً . لأنه وبكل بساطة منذ سن الرابعة او الخامسة عشر .. لا يعانى .. مما يعانيه شباب الشرق .. ودع عنك تشجنات المتشنجين حول الرذيلة وانحلال الغرب .. فشرقنا ملئ بالأمراض المخفية بفعل العرف والتقاليد .. وما حالات الزواج العرفى بين شباب الجامعات الا محاولة للهروب من الأحساس المتواصل بالذنب وتخديراً للنفوس .. نفوس الأهل اولاً – اذا ما انفضح الأمر – ونفوسهم ثانياً .. بعد ان لم يستطيعوا " الباء " .. وعجزوا عن الصوم القسرى المتواصل
الى الداعين الى الفضيلة .. لا تقبع فى برجك العاجى .. ولا تضع رأسك فى الرمال .. ولا تحدثنا عن الصوم غير المرغوب .. ولا تحارب فى العلن ما تكتوى انت بنيرانه فى الخفاء
الحل ايها السادة .. ان نعود الى الفطرة الأولى .. ونعود الى صحيح الدين .. حين كانت تمارس الحرية بأصدق صورها .. الحرية المسئولة كما يقول فيلسوفنا العظيم د/ زكى نجيب محمود فى كتابة الرائع " عن الحرية .. أتحدث " .. كل الدين الذى يأمر بتسهيل امور الزواج واجراءاته وعدم تحويله الى أمر شاق على الأنفس وحتى الطلاق الذى هو ابغض الحلال عند الله .. وانظر كيف يعالج الغرب الآن الطلاق ، وكيف يتحول الى حرب ضروس فى امتنا التى تدعو للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. واذكر كيف ذهبت امرأه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ تشكو انها لا تجد عيباً فى زوجها لكنها لا تطيق عشرته .. فكان رد الرسول الكريم .. " ردى اليه حديقته " .. هذا هو الرقى .. وتلك هى الحضارة .. انها ما يفعله الغرب الآن ..ونهرب منه نحن بدعاوى الظروف والضغوط والأبناء .. انها فى المقولة الخالدة .. لمن ذهب يشكو للرسول الكريم اخ له او صديق .. فكانت نصيحته .. " زوجوه " .. هو علاج اذن للعديد من المشكلات والأمراض التى استحالت مزمنة فى شرقنا المتباكى على الأطلال دائماً .. الأرتباط او حتى الأنفصال " الزواج حلوه ومره " .. بالشكل الذى نزلت به شرائعنا السماوية قبل ان ندس انوفنا ونعدل هنا ونصلح هناك ، بدعاوى حفظ الحقوق وتحسباً للزمان وغدره .. قبل فوات الآوان .. وقبل انفجار مجتمعنا الوشيك .. فلن نصمد اكثر من ذلك فى زمن انفلتت فيه كل الأمور وخرجت عن الزمام .. والأ فانتظروا حل الغرب لتلك المشكلة .. وهو الأمر غير المستبعد وغير المستحيل .. بعد ان فات زمان المنع والحجب
ذلك كان التابو الأعظم فى حياتنا
والتدوينة القادمة .. ستكون حول ثانى تلك التابوهات .. السياسة .. وتحسباً ندعو جميعاً " اللهم اجعل كلامنا خفيف عليهم " ب

هناك ٣ تعليقات:

لا أحد يقول...

أؤيدك بشدة في كل ما تقول فنحن يا صديقي فريسة التشدق بالفضيلة التي تغني بها دعاة التمسك بالدين و الدين منهم براء , أنظر الي موجة الأدب الاباحي التي تجتاح المدونات وأصدقك القول أن بعض ممن يكتبون هذا النوع من الأدب يمتلكون فعلا ادوات الكتابة شباب يهدر طاقاته الابداعية في حديث عن الجنس وكأن الورقة البيضاء هي مساحة الحرية الوحيدة المتاحة له , يا صديقي المشكلة الأعظم اننا نستقي ثقافتنا الجنسية من افلام البورنو التي أصبحت تباع في الشارع ومن تلميحات الشارع البذيئة في حين يطل علينا شيخ كبير " عبد الصبور شاهين " في الأهرام قائلا ان تدريس الثقافة الجنسية في المدارس جريمة
يا صديقي لقد فتحت بابا قلما طرقه الناس و عليك ان تتحمل تبعات جرمك الشريف أنا عن نفسي اساند في كل ما تقول و أردد معك أننا جيل يعاني من مشكلة جنسية ... وفقك الله

Darsh-Safsata يقول...


بالرغم من تحليلك الشيق الا انني ارجو ان تسمح لي ان اختلف معك
اولا اتفق معك ان الفقر والمرض هما نتائج وليسوا اسباب، ولكنني لا اتفق معك ان الجهل هو من النتائج بل انني اعتبره أحد أهم الأسباب لكل ما نعاني منه، صحيح انه مثله مثل كل قضية اجتماعبة هو جزء من حلقة وبالتالي يؤثر ويتأثر ولكنه مع ذلك عامل رئيسي فعال قادر على تغيير الكثير من المعادلات المقلوبة التي نحياها
وفي الحقيقة فان موضوع الجنس الذي حللته يمكن اعتباره احد نتائج هذه الآفة (الجهل) وكل حالة الكبت التي نحياها هي نتيحة مباشرة للجهل
وعلى الناحية الاخرى فبالرغم من ان تحرير الكبت هو عامل مؤثر وقد قدمت أمثلة من الدول المتقدمة الا انه في ذات الوقت ليس عاملا كافيا، والامثلة العكسية موجودة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث لا توجد قضايا الكبت الموجودة عندنا ويعيشون في حالات حرية قد تفوق الغرب ولكن مع ذلك فانه لم يساعدهم على الخروج من التخلف
اما عن قضايا الظلاق فلم اسمع ان الامور ميسرة في الغرب بل ان ما اعرفه - وقد اكون مخطئا - انها تاخذ اجراءات مطولة جدا بالاضافة الى تكلفة مرتفعة، ولا استطيع ان اقارنها بالقاء اليمين او الخلع عندنا
عموما اكرر ان تحليلك شيق وانا في انتظار البقية

غير معرف يقول...

الطلاق صعب في أمريكا فقط باقي الدول الغربية الطلاق فيها سلس

و حتي في الولايات المتحدة الطلاق صعب لو الطرفين قرروا ينغصوا عيشة بعض لكن لو متفقين المسألة بسيطة

ده غير أن الجواز الجواز أصلا مش منتشر للدرجة في الدول الغربية (عدا الولايات المتحدة اللي تختلف جدا في الحاجات دي).