٢٠٠٥-١٠-٢٥

احداث محرم بك

أحداث محرم بك
تعيد الى الأذهان مرة اخرى القضية القديمة .. الحديثة .. المسلمين والأقباط فى مصر ، وبنفس منطق النعام يتعامل معها الجهاز الرسمى فى الدولة .. قبلات واحضان بين رجال الدين من هنا وهناك ، وتشنجات بأن الوحدة الوطنية فى مصر امر مفروغ منه .. وان ايدى خبيثة هى التى تثير الفتنة .. نفس منطق الأختباء من القضايا الشائكة وليس معالجتها
نعم .. هناك مشكلة حقيقية ، يجاهد رجال النظام فى مصر عدم التعرض لها .. ويعالجها رجال الدين من الطرفين بشكل ساذج اتقاء لفتح ملف من الملفات الساخنة التى يخشى من عواقبها , ولذا تبقى النار تحت الرماد دائماً متخوفين من لحظة الأنفجار متحاشين الحديث عنها بشكل مباشر

دعنا نلقى نظرة مثلاً حول بعض الأسئلة والمشكلات التى يتصدى لها علماء الدين المسلمين بالفتوى والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور للمخالفين والذين انتشرت فتاواهم عبر الفضائيات يتنقلون من قناة الى اخرى ، يحسبون انهم يحسنون صنعاً .. وهم اشبه بالقات والأفيون الذى يتعاطاه الشعب كى ينسى مشكلاته .. ولنلاحظ عينة من اسئلة توجه الى كبار علماء المسلمين لتوضح مدى انشغالنا بتوافه الأمور .. وهو امر ترجوه السلطة فى بلادنا من شعوبها لكن الغيرمبرر هو تصدى هؤلاء العلماء للرد على مثل تلك الأسئلة .. ولنقرأ مثلاً


ما حكم الوضوء على طلاء الأظافر ؟
ماحكم وضع احمر الشفاه بعد الوضوء ؟
ما حكم الزوجين الذين يتحدثان فى امور جنسية عبر الأنترنت ؟
ما حكم الزوجين عند سماع الأذان وهم فى حالة الجماع ؟
ما حكم الجماع والنور مضاء ؟
ما حكم الامام الذى يحدث حدثاً ( اكبر او اصغر ) اثناء الصلاة ؟
ما حكم وضع اليد عند الصلاة ؟ هل فوق الصرة ام اسفلها ؟
ما حكم رسم الحاجبين ؟

من الواضح ان الامر لا يخرج عن كونها سلوكيات وشكليات لا تعنى احداً مطلقاً ، بل انها لا تقدم ولا تأخر .. ولكنها الأفيون الذى يسمح للشعب بتعاطيه , ويسمح للعلماء بالأجابة عنه .. اتقاء لفتح باب اسئلة لا يجرؤ أئمة هذا العصر الأجابة عنها .. اذكر خطبة لأمام مسجدنا يوم الجمعة فى نفس الأسبوع الذى استشهد فيه الدكتور عبدالعزيز الرنتيسى كان موضوعها .. فضل قول " سبحان الله ... " ، الى هذا الحد ينفصل الخطاب الدينى عن ما يجرى حولنا من امور تشغل بال الشباب الخالى اصلاً من
اى قضية هامة تشغله .. فلا عمل ولا أمل

يخشى العلماء الأجابة عن اسئلة شائكة ، يكفى مجرد اثارتها لزجر صاحبها واعلان ردته


كيف يكون الأسلام دين ودنيا ؟ بخطاب مفصل علمى واضح لا لبس فيه ولا زجر ؟
الأسلام هو الحل .. كيف يكون ذلك ؟ ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً فى ظل متغيرات تدير رؤوس اعتى الرجال ؟
النص القرانى هل هو نص لكل المكان والزمان ام انه مرتبط بحدث وقتى " وهو ما تحدث عنه الدكتور نصر ابوزيد .. واعلنت ردته عن الأسلام؟ "
اذا كان النص القرانى لكل زمان ومكان .. نريد شرحاً واضحاً لا غموض فيه وبشكل بسيط لبعض ما نجده من امور تبدو فى ظاهرها متناقضة ؟
الحديث الشريف .. الى اى حد يجب الأعتماد عليه عند اطلاق الأحكام ؟
ماذا تعنى تطبيق الشريعة الأسلامية .. هل هى فقط حدود الردة .. الرجم وقطع اليد والجلد ؟
نعيب على اليهود انهم يقولون انهم شعب الله المختار .. الا نقول عن انفسنا " خير امة اخرجت للناس " ؟
كتب التفاسير العتيقة .. الى متى يجب ان تكون هى مرجعيتنا ؟ الا توجد تفاسير تلائم العصر باعتبار ان القران صالح لكل العصور ؟
التاريخ الأسلامى الممتلئ اموراً صاخبة وحروب طاحنة بين صحابة رسول الله .. الا يجب اعادة النظر فى قرأتها دون التسلح باحاديث لا يدرى احد مدى صحتها ؟
التعليم الدينى فى المدارس الذى بات قاصراً على بعض المدرسين ( مسلمين او مسيحيين ) من غير المتخصصين ؟ يلقنون الطلاب مناهج فى منتهى السخف والحمق ؟ ويفتون بأراء شخصية كفيلة بتدمير عقول الأطفال الذين يتلقون ذلك منهم ؟
الى متى يظل الدين اداة فى يد الحاكم يحرك بها الشعب كيف يشاء .. فتارة ابى ذر الغفارى زعيم الأشتراكيين ، وتارة اخرى عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كرأسماليين من الصحابة ؟
اين دور كلمة حق فى وجه امام ظالم ؟
الأزهر .. هل بات اليوم فعلاً هو مرجعيتنا الدينية الأساسية ؟

مئات من القضايا الشائكة التى يتجنب علماء الدين الحديث فيها ، خوفاً وطمعاً .. خوفاً من سيف المعز وطمعاً فى ذهبه

ان ما حدث فى محرم بك .. هو من اعراض امراض الحساسية المزمنة التى تصاب بها الشعوب فى عصور الأنحطاط .. فقط الحرية والعدل هما الكفيلين بالقضاء نهائياً على امراض الحساسية بين افراد الشعب الواحد .. واشهر الأمثلة التى نسوقها فى ذلك هما نموذج " عمر بن الخطاب" و" عمربن عبدالعزيز " لنقفز بعدها مئات السنين الى عصرنا الحالى فى اوربا وامريكا

هناك اخطاء ترتكب من كلا الطرفين ويصران عليها اشد الأصرار

لا زالت الدولة تصر على وضع خانة ( مسلم ومسيحى ) فى بطاقات الهوية .. وهو احد العوامل التى تثير مراكز الأستقبال لدى مصابى الحساسية الوطنية

لازال البعض يتشنج حين يرى احتفالاً دينياً مسيحياً عبر شاشات التليفزيون المصرى .. فين حين ان اشد المسلمين معصية وبعداً عن الدين لن يتأثر لما يحدث قط ولن ينجذب الى ما يحدث من طقوس

لازال بعض المسلمين يرى ان فى الأمر خطورة ان تبنى كنيسة هنا او دار عبادة مسيحية هناك .. وكأن دور العبادة تلك سوف تتخطف المواطنين وتجبرهم على اعتناق مالا يريدون .. او ان حملات تبشير مستمرة سوف تخرج شخصاً سوياً عن دينه

لازالت الكنيسة المصرية تصر على وضع الصليب على يد الأقباط .. وكأنها تخشى عليهم الذوبان فى نسيج المجتمع

لازال الأخوة الأقباط يتعاملون بنوع من الحذر الواضح والريبة تجاه كل ما هو مسلم .. اللهم الا بعض النخب التى تملؤها الثقة بنفسها
لازال الأخوة الأقباط مصرون على انهم ممنوعون من المناصب الحساسة فى الدولة .. ولا يرون ان كل المصريون ممنوعون منها .. اللهم الا من رحم ربى .. او كان له " ظهر" من اهل الثقة

لازال الأخوة الأقباط لا يفهمون ان التعصب جزء من التركيبة البشرية .. لم ولن تحل ابداً ..( داخل الأقباط بين ارثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ) ومشكلات الانجليز والايرلنديين .. خير دليل ايضاً على ان التعصب لا يفرق بين احد ، وداخل المسلمين انفسهم .. هناك تعصب اعمى بين طائقة وطائفة .. بل وداخل الطائفة نفسها هناك تعصب .. يراق على جوانبه الدم .. صعيد مصر خير دليل على ذلك .. وخلافات القبائل الصعيدية بين اشراف وعرب وغيرهم خير دليل على ان التعصب جزء من النفس البشرية تزكيه دائماً اجواء القمع والكبت .. وينمو فى بيئات تعانى امراض الحساسية المزمنة

لا زال الطرفين ( مسلمين ومسيحيين ) تنتفض اجسادهم وتنتفخ عروقهم عند سماع حالات انتقال من عقيدة الى اخرى .. وكأنها نهاية الكون وبداية فناء طائفة لحساب اخرى ، وينسون ان العقيدة الدينية اشد عمقاً وارسخ من مجرد افراد ينتقلون من هنا الى هناك والعكس .. فمن محمد على كلاى ومالكوم اكس الى وفاء قسطنطين اكاد اجزم ان اعتناق الأسلام كان هروباً من مشكلات لا اكثر .. وهو لم ولن يضيف الى المسلمين قد انملة .. فالمسلمين اكثر من مليار نسمة .. لن يؤثر عليهم سلباً او ايجاباً اعتناق الوف اخرين الأسلام .. فالأسلام فى غنى عن هؤلاء اذا كان الأمر هروباً لا اكثر .. وهو الأمر الذى يدعو للدهشة حين تشاهد الفرح الأحمق الذى ينتاب البعض عند اعلان اسلام هذا او تلك .. ان هذا لا يثبت للآخر ان الأسلام دين الحق .. فالأسلام لا يحتاج الى اثبات من احد ولا اثباتاً لأحد . نفس الأمر حين تنطلق اخباراً بأن فلاناً او علاناً ترك الأسلام .. فتجد جحافل من الغاضبين وكأن خروج شخص سيهدم الدين .. وكأن الأسلام كيان هش ينهار اذا ما تركه فرد او حتى ألوف الأشخاص .. ولننظر الى الملكة نازلى ( ام الملك فاروق ) التى اعتنقت المسيحية فى اواخر ايامها وماتت عليها .. هل اضير الأسلام فى شئ .. لماذا نخشى من شئ كهذا .. حسابها عند ربها هو اعلم بحالها الآن وهى تحاسب وحدها على اختيارها ايا كان .. نفس الأمر حدث مع سلمان رشدى .. الذى نادى الأمام الخومينى بهدر دمه .. جاعلاً منه .. شهيداً حياً ونموذجاً لقسوة المسلمين .. بالله ما الذى اضرنا كمسلمين من خروجه عن دينه ... وماذا فعلت اياته الشيطانية .. لا شئ مجرد ذرة غبار فى صفحة السماء الواسعة

لا زال الطرفين ( مسلمين ومسيحيين ) لا يدركون ابعاد الأمر ولا القدرة على رؤية الصورة من كل جوانبها .. المسلمون فى مصر اغلبية وتلك حقيقة لا اعتقد ان الزمان قادر على تغييرها .. حين تمارس الديموقراطية – وهو ما نصارع من اجله – فى مصر ، تبقى حقيقة مؤكدة وهو ان الأغلبية هى التى لها اليد العليا .. هكذا لعبة السياسة وهكذا تمارس فى كل دول العالم .. فلا ننتظر رئيساً مسلماً لأمريكا وبها 8 مليون مسلم .. لأن الأغلبية لن تقبل ذلك .. ويجب ان يقبل الأقباط تلك الحقيقة دون ممارسة ضغوط خارجية او داخلية .. او انتزاع اعتراف بحقوق لا تمنح قسراً .. لندع الأمر للعرض والطلب بلغة الأقتصاد .. ولنمارس نوعاً من الحرية فى الأعتقاد والأعلان عن هذا الأعتقاد .. ولنقبل النتائج دون الشعور بالخطر من قبل المسلمين او الأضطهاد من قبل الأقباط

افنى الشيخ احمد ديدات – رحمه الله – عمره ، فيما اظنه علم لا ينفع وجهل لا يضر .. فما الذى اضافه للأمة وللأسلام وللمسلمين انفسهم بمناظراته وكتبه التى تحاول اثبات خطأ ما يعتنقه الآخرون .. أرى ان كتاباً مثل " شبهات حول الأسلام " للمفكر الأسلامى محمد قطب .. هو اجمل الف مرة من كل عاش احمد ديدات له طوال عمره .. هو محاولة الرد على شبهات تثار حول الأسلام من صلب الأسلام وبردود قاطعة مقنعة لا مساس فيها لعقيدة اخرى .. فيما يجعل العمل نموذجاً للرقى والتسامح عند المخاصمة .. وهو ما يفعله الدكتور محمد عمارة وغيره من المفكرين الأسلاميين المعتدلين
مرة اخرى .. تبدو الكلمة السحرية .. الحرية .. والعدل .. هى العلاج الناجع لأمراض الحساسية المزمنة التى نعانى منها داخل الوطن ، فالعالم حولنا يشتعل من كل جانب .. وآخر ما نريده الآن ان تشتعل النار فى ملابسنا بأيدينا .. وسياسة فرق تسد التى مورست فى لبنان .. وتمارس فى العراق حالياً وفلسطين بين الأشقاء .. تبدو ظاهرة للعيان .. لا نريد حريقاً بداخل البيت فيكفينا ما نحن فيه .. نحن بحاجة للحفاظ على قوتنا من اجل معركة التغيير ومعركة البناء .. دعونا نتعامل كبشر .. ان يعتقد كلاً منا فيما يريده وبالشكل الذى يريد .. وان يحترم كلاً منا الآخر واختياراته .. ولتكن نتيجة اختياره هو امر متروك له شخصياً .. لنتفق ان العدل والحرية كفيلين فعلاً بالقضاء تماماً على مشكلات فرط الحساسية لدينا .. وقى الله مصر شر ابنائها

هناك ٤ تعليقات:

ibn_abdel_aziz يقول...

اتفق معك كثيرا :)

وخاصة عندما يكون اقوي شعار اسلامي مرفوع الان
هو الاسلام هو الحل يحتاج شرح نفسه ولا تجد انسان قادر علي هذا الا بكوبي وبيست عادة

موضوع جيد جدا

غير معرف يقول...

الجبلاوى

Khaled يقول...

المقال جيد ، فقط لفت نظري أن محمد عمارة هو عالم معتدل ، هذا غير صحيح.

Khaled يقول...

المقال جيد ، فقط لفت نظري أن محمد عمارة هو عالم معتدل ، هذا غير صحيح.