٢٠٠٦-٠١-١٥

كل عام وانتم .. كما انتم


أيها الراقدون – أمواتا شبه أحياء ، او احياء شبه اموات .. فوق الثرى ، كيف بالله تجرؤن على لفظ عام سعيد وعيد سعيد .. أي سعادة تلك التي نتحدث عنها ونأملها ونحن على ما نحن عليه .. لا أدرى .. ربما كنت بالفعل أنا من لا يرى فى الأمور الا نصف الكوب الفارغ .. ولا ارى الحياة الأ بمنظار اسود .. يزداد اسوداداً كل يوم .. لا عليكم .. فأنا لم اجد مدخلاً للتالى الا تلك .. المشاغبة.ه

يعيد التاريخ نفسه بتفاصيل تثير الذهول والسخرية .. السخرية من أن يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين وثلاث وعشر ، ففي هذا التوقيت الذي ضاقت الأرض علينا بما رحبت وبلغت القلوب الحناجر ، تنتج أحد الفضائيات الأمريكية برنامجاً وثائقياً مذهلاً حول الحضارة الإسلامية النشأة والسقوط .. منذ هبط الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وحيداً خائفاً مهرولاً من غار حراء مكلفاً برسالة تنوء عن حملها الجبال وحتى سيادة الحضارة الإسلامية نصف العالم القديم .. مروراً بعصور النهضة الإسلامية في بغداد ودمشق والقاهرة حواضر الحضارة الإسلامية الأعظم .. عن محمد وأصحابه .. عن خلفاء المسلمين من أمويين وعباسيين وفاطميين وعثمانيين .. عن صلاح الدين وسليم الأول وغيرهم ، عن ابن رشد وابن سينا والخوارزمي , عن التسامح والعدل والنزاهة التي اتصف بها المسلمون في تلك العصور.. وحتى السقوط .ه
يعترف الغرب – الآن – في شئ يدعو للدهشة والعجب ، إن الإسلام كان سبباً رئيسياً في نهضة أوربا ، ويصرح أستاذا جامعياً مرموقاً في جامعة هارفارد .. كبرى الجامعات الأمريكية ، بأن أوربا لم تبدأ نهضتها إلا بعد الحروب الصليبية حين احتكت بالحضارة الإسلامية وذهلت مما رأت في ذلك الشرق الذي ظنته بربرياً وأدركت بأنها – هي – من تحمل ثقافة التوحش والهمجية ، شاهدت صلاح الدين الذي لا زال يعيش في ذاكرة أوربا إلى اليوم كنموذج لتسامح القائد المسلم عند انتصاره ، حينما كان صلاح الدين قائداً مسلماً – لا أحد يبحث في أصوله العرقية أو الطائفة أو المذهبية .. هو قائد مسلم وكفى لا يهم أن يكون كردياً غير عربي ، مسلماً بأخلاقه وروحه أولاً البعيدة عن التزمت وضيق الأفق والنظرة الأحادية للأمور، كانت بقايا حالة التحضر الإسلامي باقية ولم تهزمها جاهلية العصر الحديث التي نعيشها الآن . ه
شاهدت أوربا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. شاهدت ذلك في بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغر ناطة .. تاريخ الإسلام المشرف .. والذي نبكى عليه أطلالا الآن . بنهاية الحملات الصليبية أدرك الأوربيون انهم في ظلام دامس وفقر مدقع سببه الرئيسي تحالف الدين والسياسة ، وانتهت الحملات الصليبية ولم تنتهي حالة الانبهار بما شاهده " الفرنجة " في حواضر الحضارة الإسلامية ، وبدأت حالة اقتراب من تلك الحضارة التي بهرتهم بحريرها وتوابلها ومساجدها وفلكها وطبها وهندستها ، إلى حد الافتتان ، فكان " توما الأكوينى " رجل الدين المسيحي في تلك الفترة الذي أتقن العربية وعاش يقرأ ويترجم وينقل ألي أوروبا المظلمة كل مصابيح الحضارة الإسلامية فكان من أوائل من يشار إليهم بالبنان كحجر زاوية في بداية عصر النهضة الأوربي ، حالة الانبهار التي جعلت رساماً من اشهر رسامي عصر النهضة – رافاييل – يضع ابن رشد الفيلسوف المسلم في صدر لوحة له حول صانعوا الإنسانية ، ذاقت أوربا التوابل القادمة من الشرق المسلم ، ولبست الحرير والنسيج المبهر القادم من إيران وبلاد فارس المسلمة ، رأت كيف ذاب الغزاة المغول – بعد اقل من 100 عام على سقوط بغداد – في الإسلام فكان ملوكهم بعد ذلك في الهند والصين من عظام الحكام المسلمين .. تشهد على ذلك آثارهم في تاج محل ، ومساجدهم في ماليزيا إندونيسيا والفليبين .ه
أخذت أوربا " تَسَامُح " الدين الإسلامي وحريته .. حريته في الاعتقاد ، والبحث ، والتفكير ، الأمر الذي كان غائباً عنها بفعل تحكم الباباوات وتحالفهم مع الملوك والأمراء واستعبادهم الشعوب باسم الرب ، فكانت نهضتهم إلى اليوم خير شاهد على ذلك .ه
وحين تشرذمت الدولة الإسلامية بعد ذلك إلى دويلات ، على رأس كل منها مغامر أو أفاق أو وريث عرش أحمق ، بدأ السقوط .. السقوط المتتالي والمدمر في الأندلس والمغرب العربي ، في الشام ومصر ، في الهند وإيران . دويلات أشبه بالمدن يتصارع فيها الحكام من الأسرة الواحدة على حكم مقاطعة لا تزيد عن بضع مئات من الكيلومترات وكان ذراعي كل متمرد آو راغب في الحكم ..ه فارس يحمل سيف ، وإمام – سلطان – يتحدث باسم الدين ويدعو للحاكم .. المنصور بالله ، الناصر بالله ، المستنصر بالله ، سيف الله ، المعتز بالله ، المستعصم بالله .. الخ . وصار الحكام أبناء العمومة واللغة والدين والدم ، يتحالف كلاً منهم مع الأعداء ضد ابن عمه وربما أخيه كي يستولى على عرشه أو إمارته ، ويفتح هذا أرضه ويقدم ذاك ماله ، كي يقوم الأجنبي بغزو جاره .. فيكون هو التالي دون أن يدرى .. ويشهد التاريخ قبيل سقوط بغداد على أيدي المغول ، أن الخليفة العباسي استنجد بكل حكام الدويلات المسلمة المنهمكة في صراعها الداخلي المتواصل ، فتخاذل من تخاذل وشمت من شمت ، وطمع من طمع ، بل وراسل بعضهم قواد المغول انه معهم ولن يتدخل أبدا .. في مقابل الأمان له ولإمارته ، فكان بعد ذلك لقمة سائغة .. في يد من لا يحفظ عهداً خاصة إذا كان العهد لمن خان قومه وخذلهم عند الشدة.ه
ما أشبه البارحة باليوم .. انه السقوط الذي بدأ منذ خمسة قرون ولازال مستمراً إلى الآن .. التاريخ يعيد نفسه – كما يصرخ هيكل في برنامجه كل خميس – ولا أحد يقرأ .. لا يقرأ حكامنا التاريخ ، ولا يستمعون إلى من يحذرهم من الهاوية التي يهرولون تجاهها ..ه ساحبين شعوبهم معهم . إنها عجلة التاريخ تدور مكررة نفس الحوادث والتفاصيل في شئ يدعو للدهشة والذهول ..ه
حكام دويلات .. لا يأمن بعضهم بعضاً ، يطمع بعضهم في بعض ، يتربص بعضهم لبعض ، يتحالفون مع الشيطان من اجل بقائهم وأولادهم على كراسي العرش ، يتحالفون .. ويوقعون المعاهدات مع العدو – الحقيقي -المتربص بهم بدعاوى أوراق اللعبة والحكمة والأمر الواقع .. عميت عيونهم وبصائرهم عن رؤية الخطر الحقيقي والعدو الحقيقي .. فيتساقطون دويلة بعد الأخرى .. كالذباب في إناء العسل .ه
كما سقطت دمشق والقدس وغرناطة وطليطلة وقرطبة وكل دويلات الماضي القريب .. سقطت القدس وعكا وعسقلان مرة أخرى و تسقط اليوم بغداد تحت أقدام تتار العصر الحديث .. وتدور الدوائر على دمشق وبيروت وطهران .. ركعت طرابلس والقاهرة والرياض .. ولازال مسلسل الركوع والسقوط مستمراً .. ثم نجرؤ بعد ذلك على تمنى السعادة في أعيادنا لبعضنا البعض .. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.ه

هناك تعليق واحد:

المواطن المصري العبيط يقول...

أسجل حضوري وأعلن تضامني التام معك في كل ما تقول ، كلامك جميل وتحليلك أكثر من رائع وسردك منطقي ومنظم
أتمنى تشريفك لي بالزيارة في موقعي حيث تتشابه أهدافنا وتتحد رؤانا