٢٠٠٦-٠٤-٠٢

عن الحياة .. والموت


تبدو طريقاً طويلة .. احياناً ، وقصيرة فى أغلب الأحيان .. لكنَّا لاندرك أنها قصيرة إلا بعد فوات الآوان .. كأنها نفق او سرداب رطب مظلم ، لا يلوح فى الأفق له نهاية او انه بنهايات تتشابك فى البدايات فتوشك على ان تكون بداية أخرى .. الحياة .. نقطة البدء فى ذلك النفق المظلم الطويل المجهول .. والموت .. نهاية النفق .. ونهاية الرحلة .. نقطة الأستكانة واللاعودة .ه
كل كائن حى تعلم الدرس وأيقن ان لكل بداية نهاية ، ربما تكون النهاية نقطة بدء جديدة ، وربما لا تكون . تعلم الأنسان- بالتجربة - انه ابداً لم تطوى صفحة الا للشروع فى كتابة صفحة أخرى ، حتى أن لم يكن هو مقَلَّب الصفحات أو كاتب الصفحة الجديدة .. انها ابدية العلاقة بين البدء والأنتهاء .. او الأنتهاء والبدء.ه
من بين كل المسلمات التى ضُخت الى العقول منذ الصغر ، من بين كل أنهار وفيضان الأفكار والأراء والخطب والمواعظ ، من بين كل أوراق الكتب ، من بين كل أقوال المتقولين ، وكلام المتكلمين ، من بين كل الثوابت .. لا أستطيع اليوم إلا التأكد من الشئ الحقيقى الذى استطيع ان آراه بين الحين والحين .. الذى استطيع ان ألمسه فى برودة أجساد الآخرين - المختارين - الذى أستطيع ان احمله على كتفى فوق نعش ينقل من المعلوم الى المجهول .. أنه الثابت الوحيد دائماً وابداً ، القاسم المشترك الأعظم بين كل الكائنات - عاقلها وغير عاقلها - انه الموحد بين شتى صنوف البشر وألوانهم .. الذى لا يفرق بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر من جنس البشر .. أنه عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين .. أنه الموت .. حقيقة هذا العالم المؤكده .. الثابتة .. الراسخة التى لا تقبل النقاش او السفسطة او الجدل او العدم او الفلسفة وتفلسف اصحابها .. جادل الأنسان فى كل تفصيلات حياته ودقائقها .. فى الميلاد وفى الوجود .. فى الكون وخلقه وخالقه .. فى الأنسان والشيطان والجن والعفريت .. فى السماوات والأرض وما بينهما .. فى فناء الديناصورات وخلايا الجراثيم ..فى ذرات المعادن والعناصر وانشطارها .. فى الشمس والقمر .. فى كل شئ .. إلا الموت .. فكان المعركة الأخيرة فى لعبة الأنسان والحياة .. المعركة التى ودَّ الأنسان دائماً وابداً ان يخوضها بأمل النصر .. لكنه فى قرارة نفسه كان يعلم أنه المستحيل بعينه .. فالمعركة محسومة منذ لحظة البدء .. والهزيمة دائماً من نصيب بنى البشر .ه كان الموت دائماً وابداً .. الشمس الساطعة التى لا تغيب .. يد الغيب التى تلتقط من تشاء فى الوقت الذى تشاء دون حسيب او رقيب .. دون معنى او رغبة من اصحابها .. او حتى دون سابق انذار. ه ما قبله اختلف عليه كل البشر وما بعده ايضاً لم يتفق عليه البشر .. فقط لحظة الموت ... لحظة اعلان انهيار تلك الكتلة من اللحم والدم والأعصاب .. لحظة اعلان الدخول فى نفق النهاية .. كان يقف الأنسان لحظة .. رهبة ، وجلال ، وخوف ، وطمعاً فى تأخر تلك اللحظة الى ما لانهاية .ه تلك هى الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون .. ما لم يستطع الأنسان الشك فيها لحظة واحدة .. الوجودية .. الربوبية .. العدم .. الغنوصية .. كلها قتلت بحثاً وتفلسفاً .. كلها تقول تجادل فى المجئ .. الوقت .. الكيفية .. الخلق والفناء .. الحياة وما بعد الحياة .. كل ما قبل وكل ما بعد .. اما نقطة الفيصل .. البرزخ ما بين .. القبل والبعد .. ابداً لم تجد مغامراً او متفلسفاً او متحاذقاً .. انها اللحظة التى تقف كل موازين ونواميس الحياة .. الفيصل ببن البدء والأنتهاء .ه انها المسافة الفاصلة ما بين المعلوم والمجهول .. بين الشمس بسطوعها ودفئها وسخونتها وبين الضباب والدخان والتيه .. بين اليقين واللايقين .ه انه الخط الفاصل بين حدين .. عالمين .. المحسوس والملموس والمؤكد وبين الشك و اللامعلوم واللامؤكد ، ابداً .. لم يعد احد فى رحلة عكسية من الخلف الى الأمام .. من المجهول الى المعلوم فيحدثنا .. ويجب السؤال الذى حار فيه كل البشر .. منذ فجر التاريخ ودارت حوله الروايات والأقاصيص والأساطير والنبؤات والويل والثبور الجزاء والعقاب .. الجنة والنار.ه وماذا بعد .. ؟ اجابة السؤال كفيلة بأن تحل كل ألغاز البشرية نشأة الأنسان وبداية اعمال عقله .. عقله الذى دله الى وجود خالق .. طالما وجد المخلوق .. عقله الذى هيأ له هذا الخالق فى صور شتى .. محسوسة ومرئية حين كان الأنسان بحاجة الى آلهه يراها ويتحسسها .. وآخرى تمرح فى جبال الآوليمب .. تطلق ابنائها .. انصاف الآله .. كى تحكم البشر .. فيذعنون لمشيئة الآله المستبدة المتغطرسة .. التى تعيش حياة المجون فى قمة الأوليمب . ه انه السؤال الذى تكفل اجابته .. حياة غير الحياة ، ونمطاً غير النمط .. انه السؤال الكفيل بهدم كل التابوهات العصية منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا ، السؤال الذى تكمن فى اجابته .. راحة البشر ، وشقائهم ، السؤال الخالد فى اذهان وعقول وقلوب كل البشر..ه
هل – حقاً – هناك حياة آخرى بعد الموت ؟
ولأن السؤال سيظل ابداً بلا اجابة .. ستبقى تلك الكلمات فى افضل حالتها .. سفسطة.ه

ليست هناك تعليقات: