٢٠٠٥-١٢-٢٧

الثالوث .. والحرية ( 3) 0


الدين ... ه

اغمض عينيك وارجع كرسيك الى الوراء قليلاً .. واسرح بخيالك فى القصص التالية : ه
رجل – من البشر – يقف امام البحر ومعه مجموعة من قومه ، لامكان يذهب أليه ، خلفه حاكم ظالم ينوى قتله ورفاقه ، والبحر امامه فهو هالك لا محالة ، يرفع الرجل عصاه .. فينشق البحر الى نصفين .. جبلين من المياه يعلوان شاهقاً .. وتنكشف الأرض .. قاع البحر ، فيمر الرجل بسلام بين جبلين الماء الى الجانب الآخر .. وينزل عصاه بعد ذلك لينطبق البحر مرة اخرى على الحاكم الظالم ومن يطاردونه ، فيهلكون ويقتلون شر قتلة .ع

رجل اخر يلقيه رفاقه فى البحر من على ظهر مركب .. فيبتلعه حوت ضخم ، ليلبث فى بطن الحوت ايام عددا .. ليلقيه الحوت مرة اخرى الى اليابسة ، فيعيش ويكمل حياته بعد ذلك سليماً معافاً .ه
ورجل آخر .. يأمر الريح فتجرى بأمره ، ويأمر الجن والعفريت فيفعلون ما يأمرون ، يفهم كلام النمل وحديثه ، ويكلم الهدهد .. ويأتى له عفريت بعرش ملكة تبعد مئات الكيلومترات عنه .. قبل ان يرتد اليه طرفه .ه
ورجل آخر يعذبه قومه فيهرب منهم .. الى السماء .. ليعود فى آخر الزمان مخلصاً للبشرية من آلامها .ه
ورجل أخير يقطع مئات الكيلومترات من مدينته الى مدينة أخرى – فى جوف الليل – ومنها الى جولة فى السماوات السبع ويعود الى سريره – الذى لازال دافئاً – والليل لازال لم يشقه النهار بعد.ه
تلك الحكايات ابداً ليست جديدة .. انها ما استمعنا اليه طوال اعمرانا على اختلاف عقائدنا ومللنا – وصدقناها ونصدقها – على اختلافها مع كل منطق او عقل .. لأنها فقط .. تأتى مغلفة بأغلفة الدين .هليس هنا محل مناقشة – تلك المعجزات – ولا قدرة الله عز وجل ، انها فقط وسيلة تجريدية لسلخ بعض الأمور من هالات القدسية والمحرمات والنظر اليها بعين مجردة وبحثها .. وهو ما اقتنع انه ليس هرطقة ولا زندقة .. وليظن من يشاء ما يشاء .هأنه الدين – وحده الدين – هو القادر على جعل المستحيل امراً واقعاً .. وحده الدين القادر على اقناعك ببذل كل شئ ، حتى حياتك .. وحده الدين هو القادر على ان توقف عقلك عن العمل .. وتتبع نداء من يرفع راية الدين عالياً .. ولو كان هؤلاء على باطل
وحده الدين هو ما يجعلك تسلم تسليماً تاماً .. مطلقاً ، عقلك , قلبك ، جسدك ، وحياتك .. كل ما تملك .. تسلمه طوعاً لا كرهاً .. تسلمه وتأُمر بألا تناقش – ولا تجادل يا اخى على – انها ارادة من يأمر ولا يؤمر .. انها ارادة القوة المطلقة .. ارادة من لايلد ولا يولد .. انها ارادة الرب .. ومن يتحكمون باسم الرب
لحظة ايها السادة .. قبل انطلاق اللعنات وصب جام الغضب على المارق الزنديق .. المهتز العقيدة .. المشتغل والمنشغل بلغو الكلام ، الذى لا يدرى انها رب كلمة تخرج من فمه يكب بها فى النار على وجهه سنين عدداً . انها الحقيقة بلا رتوش ولا تجميل .. ان الدين كان ولا يزال اعظم اداة فى يد الطغاة الأذكياء .. به يحركون قطعان البشر من اقصى اليمين الى اقصى اليسار .. به يحققون امجادهم الشخصية ومطامعهم فى الحكم والتحكم ، انه اللجام الذى تسيس به الشعوب الفقيرة الأمية الجاهلة اصلاً بأمور دينها .. والمهتمة بفروعه وقشوره وظاهر امره . انها الحقيقة الساطعة سطوع الشمس ، فى كل الأزمنة الغابرة والحاضرة والقادمة .. لم تغب ابداً ، وليغضب من يغضب
الدين .. الكلمة المقدسة .. المحمية من الرب ، المحروسة بجنود لم تروها .. – اكثر تابوهات الشرق حميمية وقدسية ، انها الكلمة التى وجدت من اجل وحدة البشر وتحقيق العدل بينهم ونشر السلام والمحبة والأخاء والتسامح .. فى كل العصور وبين كل الأديان .. واستخدمت فى عكس ذلك تماماً .. فتحت رايتها ارتكبت – وسوف تستمر – افظع جرائم البشر ضد البشر .. تحت رايتها .. قتل من قتل ، وصلب من صلب ، وعذب من عذب .. تعددت الجرائم والراية واحدة .. الدين
انها الكلمة التى اوجدها الخالق كى يصنع اليوتوبيا فى الأرض
ه " المجد لله فى الأعالى ، وفى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " ، " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم " ه
فأستغلها الأنسان اسواء استغلال .. لاستعباد الأنسان .. وحكمه والتحكم فيه .. باسم الأله .. باسم الرب

تحت لواء الدين .. اتحدت قبائل رعاة – متناحرة حتى الفناء – تحت راية واحدة سادت نصف العالم القديم فى اقل من مائة عام
تحت لواء الدين .. زحفت جحافل الفقراء والجوعى من اوروبا – فى العصور الوسطى – الى الشرق الذى يفيض لبناً وعسلاً مسلمة قيادها لبارونات ونبلاء ورجال دين يحملون صكوك الغفران ومفاتيح الجنة ، كى يخلصوا الأرض المقدسة .. ارض الميلاد والقيامة
وتحت رايتها .. احرق بشر – قل او كثر عددهم – فى افران الغاز ، لا لذنب الا انهم ينتمون الى عقيدة اخرى
وتحت رايتها ايضا .. تم شحذ عقول .. وشحن اجساد ملايين من البشر .. الى ارض الميعاد ، فأنفجر جرح دام فى قلب الأرض , وفى قلب البشر .. لازال ينزف انهار الدماء
الدين .. ايها السادة ، محرك الشعوب وملجمها .. مفجر الشعوب وقاتل صحوتها .. مصلح الناس وصانع البغضاء بينهم
ليسمح لى السيد كارل ماركس – من قبره – ان اصلح عبارته الشهيرة .. " الدين افيون الشعوب " ، الى " الدين – فى يد الحاكم – افيون الشعوب " .. نعم أقولها .. ليس ألحاداً او كفراً .. اقولها عن اقتناع تام ويقين
" الدين – فى يد الحاكم – افيون الشعوب " هكذا يستقيم المعنى .. فالدين وحده .. كل الدين – منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا – جوهره قيم انسانية فى غاية الرقى والنبل .. وشعائره وطقوسه وعباداته ، رياضة روحانية .. هى المفرغ كل احباطات والآلم البشر ، ولكنه – ويا حسرة الأشراف من عرب ومن عجم .. يراق على جوانبه الدم
نعم ايها السادة .. الدين فى يد الطغاة من الحاكمين والمتحكمين فى مصائر البشر هو الخدر اللذيذ .. يخدرون به قطعان البشر الغارقة فى مستنقعات الكبت والقمع .. كبت احتياجات الجسد .. وقمع حريتهم وهدر كرامتهم ، فكى لا تنفجر تلك الشعوب تحت وطأة الحاجة ، وكى لاتخرج حمم البركان من رؤوسها تحت سياط الأهانة وهدر الحرية كان لا بد ان تقتات الأفيون .. وان تعيش حالة الخدر .. خدر للاجساد المحرومة .. وخدر للعقول التى تغلى ، فيصنع الطاغية من الدين – كبسولات وحقن – يعطيها الشعب فى جرعات محسوبة ومنتظمة وعبر التاريخ .. كان يسرى الخدر اللذيذ سريان الدم فى العروق والأوردة .. فيشيع حالة من النشوة والوهن .. ويخلق قصص البطولة والأوهام والأحلام .. ويقضى البشر المقموعن رغابتهم فى منطقة الهلوسة واللاوعى فيغضبون ويصرخون وينفجرون دون ان تنبس الشفاه ، او تتحرك الأجساد ، اوتفكر العقول .. انها نشوة الخدر وبطولة الأفيون
الصورة المكررة فى كل الأزمان وعبر العصور .. بين كل الأديان .. والأنبياء .. بين كل ألوان البشر وعروقهم .. عرف الأنسان الكلمة الذهبية .. وعرف الطاغية كيف يحرك بها العامة .. الدين
قتل اليهود .. يحى وزكريا .. لأسباب بشرية الطابع ، وألبسوها ثوب الدين كى يقبلها العامة
صلب المسيح عيسى بن مريم – خوفاً على الملك لا اكثر- وألبسوها ثوب الدين ايضاً ، فكان بعد ذلك – باسم الدين الجديد – مخلص البشرية
اضطهد محمد عليه السلام واتباعه – جاهلية وازدراء – والأسم المحافظة على دين الأباء والاجداد
وسالت بحور الدماء .. وتشرذم الأتباع بعد ذلك مللاً وطوائف ونحل ، بأسم الدين والمحافظة عليه ، منذ الفتنة الكبرى فى صدر الأسلام وحتى يومنا هذا
تفرق البشر .. اديانا وطوائف وملل ومذاهب .. دائماً باسم الدين ، يكفر هذا ذاك , ويشكك ذاك فى ايمان هؤلاء ، وهؤلاء يكرهون الكل .. ويجزم كل متحذلق بأنه الأفضل وانه فى جنة الفردوس وحده لامحالة .. فمن لم يسلم فهو فى جهنم .. ومن لم يحمل الصليب على ظهره ويتبع الخطى فهو من الضالين .. ومن لم يكن من شعب الله المختار فهو أممى .. الدواب افضل منه .. وهو لا محالة فى جهنم ايضاً
انظر كيف تفرق حتى اصحاب الملة الوحدة
السفارديم والأشكناز والفلاشا ... ليسوا على قدم المساواة فى ملة بنى اسرائيل ، لأختلاف نشأتهم .. باسم الدين
تفرقت ملة المسيح بن مريم .. الى كاثوليك وارثوذكس وبرتستانت وروم وارمن ومارون .. وغيرهم ، باسم الدين
وتفرق اتباع النبى الكريم محمد عليه السلام .. شيعا وفرقاً .. سنة وشيعة ، متصوفة ومعتزلة ، زيدية وجعفرية واسماعيلية ووهابية وشافعية وحنبلية .. الخ .. باسم الدين
كل ينعت الكل .. باختلال العقيدة .. والويل والثبور .. وانتظار نار جهنم .. وكأنهم يملكون مفاتيح الآخرة .. نارها وجنتها ، وهم لا يملكون من امر انفسهم شيئا ، والله عز وجل ارحم بنا منا
كل يبشر ويدعو .. ويجعل همه الأول والأخير .. التبشير بالخير الآخرة .. ويوزع صك الغفران لهذا او ذاك .. باسم الدين
هناك الحياة الأخرى – الخلود الأبدى فى الآخرة – هناك ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. فقط اسلم قلبك للأيمان تجد ما يسرك .. انه الدين
وهناك – انت مع المسيح افضل – فى الآخرة ، فى السماوات مع الأب والأبن والروح القدس .. فاحمل الصليب على ظهرك واتبع الخطى والنداء .. انه الدين
وهناك .. مع " ياهوه " فى السموات العلا ومع اسرائيل وابناء اسرائيل والاسباط ، انت الأفضل لأن الرب اختارك من كل الشعوب .. انه الدين
ادرك - حفنة من البشر- على مر العصور .. اثر تلك الكلمات على قطعان وعموم البشر وكيف هى قادرة على تنويمهم مغناطيسياً .. وسحبهم بلا أرادة ولا مقاومة ، فقط هم المتحدثون باسم الدين – وأولى الأمر - ومالكى صكوك الغفران ومفاتيح الآخرة
عرفها كهنة أمون وأتون منذ الآف السنين .. وكل كهنة العصور التالية والقادمة ، عرفها الفرعون فى الماضى .. وكل فراعين العصر الحديث .. والعصور التالية .. ودائماً .. يعطى من لا يملك من لا يستحق .. يعطى الكاهن الى الفرعون – فى كل عصر .. مقدرات البشر وصكوك الغفران ... ودائماً تسمع البشر وتطيع وتنقاد .. خوفاً من جهنم او اقتناعاً بعذاب واقع من الغيب .. عند عدم الطاعة
والى اليوم .. وفى كل لحظة نعيشها ، نقتات هذا الخدر .. وستظل تلك الكلمة هى الأكثر اثراً فى قلوب وعقول البسطاء والعامة لاسيما فى شرقنا البائس .. العاشق لكل غيب مجهول .. المسيس بكرابيج الأحساس المتواصل بالذنب والتقصير تجاه الأله ، المعبء بأنه لا خير فى الدنيا ابداً .. وانها دار الفناء .. وانها دار يدخل من باب ويخرج بعد بضع عشرات من السنين من الباب الآخر .. الى الخلود
وهكذا .. استخدم الفراعين فى كل العصور .. كهنتهم من اجل جلد الشعوب بسياط الدين .. فأصبحنا دراويش ومتصوفة .. واصبحنا نحيا فى انتظار الموت ، واصبح همنا الشاغل .. آخر الزمان ، يأجوج ومأجوج ، والمهدى المنتظر ، وعودة المسيح ، والمسيخ الدجال ، وخروج الشمس من المغرب .. وانتظار نفير الساعة
اصبحت حياتنا مزيفة مزدوجة .. فأقول انا ما لا افعل .. وافعل ما لا اقول .. وابحث عن امور اظن انها تقربنى – ظاهرياً – من الرضا الألهى .. واستفتى رجالات الدين ومفتييهم .. فى امور مروعة وقضايا مصيرية .. فتارة ابحث عن موضع رأسى عند السجود ، وهل تستقيم ذراعى مع باقى جسدى عند الركوع ، وهل ماء الوضوء يجب ان يصل الى المرفقين .. وماذا عن موضع يدى .. هل ارسلهم أم اشبكهم .. اعلى السرة ام اسفلها .. وهل من البدع الدعاء قبل نهاية الأذان ، وهل ادعو بصوت عال ام همساً .. والصور والتماثيل مدى حرمتها وهل الشيطان يستقر فى الحمام ومعه الجن والعفريت .. وهل اقول دعاء دخول الحمام قبل دخول قدمى اليمنى ام بعدها .. وما مدى حرمة قرائتى للقرآن – فى سرى – وانا بالحمام !! وهل اثاب اذا تصدقت بيدى اليسرى ... هل اطيل اللحية والى اين .. ماذا أأكل .. ماذا اشرب .. كيف اجلس .. كيف اسير .. كيف انام .. كيف اجامع زوجتى .. كيف وكيف وكيف .. عشرات ومئات الأسئلة التى لا تضر ولاتنفع .. انه العلم الذى لا ينفع .. والجهل الذى لايضر .. انها ارداة الفراعين فى جعل الشعوب منشغلة بتوافه الأمور وصغائرها .. كى تتفرغ هى وكهنتها بمقدرات البلاد وخيراتها .. كي تعيش على عروشها مستقرة دون " وجع فى الرأس " ، وكى تورث ابنائها التركة .. الأرض والبشر .. فنكون دائماً .. تراثاً او عقاراً .. عبيد احساناتهم ، نورث جيلاً بعد جيل .. ونعامل معاملة العبيد والسبايا .. ولا نتحرك .. فالخدر يملؤنا بنشوة الأنتظار .. انتظار الحرية .. فى الدار الآخر
الدين – فى يد الحاكم – ثالث الثالوث .. الضلع الثالث فى اسباب تخلفنا ، فحين يعجز الطاغية عن توفير ابسط حقوقك واحتياجاتك وحين توشك على الأنفجار تحت ضغط نداء الأجساد ومطالبها .. يعطيك الحاكم وكهنته جرعة مخدرة .. حول بؤس الدنيا وعدم جدوى التمسك بها .. وما هيا الا دار الفناء ودار الغرور .. فتذوب خدراً ونشوة وتستكين وتستسلم وتنتظر حسن المآب فى الآخرة ، وحين يتجبر الطاغية فيقتل ويسحل ويهدر الكرامة ويعامل كلابه افضل من معاملة محكوميه .. يخرج عليك كهنة العصر .. بوجوب طاعة الحاكم ولو كان فاسقاً ما دام يشهد ان لا اله الا الله .. وان محمد رسول الله ، وكيف ان من يشق عصا الجماعة ضال عاصى وجب اقامة الحد عليه وهو فى الآخرة من الخاسرين .. جرعة اخرى من الخدر تسرى فى العروق ..فتنكمش الشعوب المستضعفة فى جلودها .. وتخشى فقدان الآخرة بعد ان فقدت الدنيا و يأست مما عليها وبمن عليها
انظر كيف تحرك الآف من الشباب – فى احداث محرم بك – يشتاطون غضباً من اشاعة يبدو ان الفرعون وكنته هم مسربوها لغرض فى نفس يعقوب .. انظر كيف تحرك هؤلاء الشباب تحت تأثير الخدر , يحطمون ويكسرون ويقتلون .. وهم المستكينون بعد ذلك وحقوقهم تغتصب وكرامتهم تهدر وتضيع اجمل سنون العمر بين انفاس الشيشة ونرد الطاولة .. فلا تسمع صوتاً اوحساً او خبراً
انظر الى رأس المؤسسات الدينية فى مصر اسلامية ومسيحية .. يمارسون الألاعيب السياسية .. انهم كهنة فرعون الذين يسبحون بحمده اناء الليل واطراف النهار .. الى حد يثير الغثيان
تأمل حولك فى البرامج الدينية فى الفضائيات والآلة الأعلامية الرهيبة وما تبثه .. انها وسيلة الحقن .. المحقن الضخم القادر على حقن تلك الشعوب البائسة بأكسير الحياة .. وخلق حالة النشوة والخدر
وتتوه الشعوب المغلوبة على أمرها .. بين هؤلاء .. فتار التنمية فقط لا تكون الأ بالأيمان وما سواها باطل .. وتارة الأسلام فقط هو الحل .. وآخر ينادى بأن نهجر الدنيا ولا نشغل بها بالنا ، وآخر يدعوك الى شغل وقت فقط بذكر الله ولتذهب الدنيا الى الجحيم . وعلى الجانب الآخر يدعو الآباء والكهنة الى الألتفاف حول الكنيسة والعمل من اجلها ولأجلها .. والأنشغال بما يفيد الكنيسة وابناء الكنيسة
انه الدين فى يد الحاكم .. خيط عرائس الماريونت التى تتحكم فى مقدرات الشعوب وحركاتها وسكناتها .. وألق نظرة على ما يحدث فى العراق من تقاتل وشيك بين ابناء اللغة الواحدة المتفرقين شيعاً ومذاهب .. باسم الدين .. والدين منهم براء .. ونظرة اخرى على لبنان الموشك على الأنفجار والدخول الى حرب اهلية بعد ان بات هو والعراق مسرحاً لمعارك المخابرات من الدول القريبة وغير القربية مستغلين الأختلافات الدينية والمذهبية بين الرفقاء الفرقاء .. مستخدمين الحاكم وكهنته
ايها السادة .. ليس ما اقوله دعوة لأنكار الدين .. او علمنة الدول او الشعوب .. انها دعوة للكف عن التمسح برداء الدين والأهتمام بقشوره .. دعوة للكف عن ان نكون قطيع يساس .. ويجرجر على حيث لا يدرى ولا يفهم .. دعوة لأن نكف عن تعاطى الخدر كى ننسى همومنا والآمنا ونغيب عقولنا المقموعة واجسادنا المكبوتة .. انها دعوة لكى نكف عن اخذ جرعات الأفيون من يد الحاكم وكهنته
دعوة للأهتمام بالدنيا .. ففيها معاشنا .. والكف عن تعاطى حقن الحاكم وكبسولاته المخدرة على يد كهنته .. دعوة لأن نعمل عقولنا .. وننظر الى المستقبل فقط بكل التركيز والأهتمام .. وليكون الماضى عبرة وموعظة .. وليس خطا تتبع شبراً بشبر .. فلكل دولة زمن ورجال .. وما كان صالحاً منذ الف عام لا يصلح الآن .. نؤمن بالغيب نعم .. لأنه جزء من عقيدتنا .. لكن لنعيد نحن التفكير فى ارثنا العظيم .. وتنقيته من شوائب الزمن وفعل الكهنة والفراعين السابقين .. فكتبنا المقدسة .. انجيلاً وقراناً .. صالحة لكل العصور قابلة للتطبيق فى كل عصر ، فقط تحتاج الى اعادة اكتشاف بلغة جديدة , وعقول متحررة من امراض القمع والكبت
انها دعوة ايها السادة .. للعودة الى جوهر الدين .. لا شكله وظاهره .. تعالوا ننشغل بالمعاملة فى الدنيا اكثر من جوائز الآخرة التى لم نرها بعد ونشغل انفسنا بها كثيراً ، فالدين المعاملة . ليكن المقياس الأول والأخير فى علاقتنا ببعضنا هو حسن المعاملة – ان ربى ادبنى فأحسن تأديبى – فلك عندى احترامك ، ومعاملتك بالحسنى .. فلا كذب او غش او خيانة او تدليس .. ولى عندك المثل .. ولو كنا طوائف وملل شتى .. مسلمين ، مسيحيين ، يهود .. او حتى مجوس
لماذا اشغل بالى بمصيرك ومصيرى بعد موتى او موتك .. وما الذى سوف يضيفه ذلك الأنشغال ألا توريث الكره والنفور بين الرفقاء فى الأوطان .. ان ما سيحدث بعد موتى وموتك هو فى علم الغيب .. لندعه لله عز وجل يفصل فيه ساعة يحين يوم الحساب
هى دعوة بألا نشغل انفسنا بمن سيذهب الى الجنة ومن سيذهب الى النار .. فدخولك الجنة او النار فى حياة لست اراها الآن .. امر لا يشغلنى كثيراً .. يشغلنى ان تعاملنى فى الدنيا .. كما تنصح كل الأديان – الكلمة الطيبة والمعاملة الطيبة – لافرق بين دين ودين او مذهب ومذهب
فلتتعبد كيف شئت .. ولتمارس شعائرك كيف شئت .. او لا تفعل قط .. فأنت حر ، وليكن المقياس الوحيد بين البشر فى تعامله هو حسن تعاملهم .. وهذا ليس وهماً او دعوة الى مدينة فاضلة .. فمنوذج الشعب اليابانى يدعو للتأمل والأحترام .. وهو النموذج الذى لازال صامداً حتى الآن بقيمه الجميلة واخلاقه الرائعة رغم قسوة رياح العولمة التى اطاحت بالثقافات الهشة والشعوب الخاوية

أيها السادة تلكم كانت – فى رأيى – اسباب تخلفنا انها تابوهات الشرق البائس .. الدين والسياسة والجنس .. فأنت فى كل الحالات متهم .. اما بالانحلال او الدعوة الى التحرر عند الحديث عن الجنس ، او بالخيانة العظمى او العمالة عندالحديث فى امور السياسة ، واخيراً بالمروق والهرطقة عند الحديث عن الدين
ومرة اخرى .. الكلمة الحلم .. الكلمة الأمل فى اصلاح امر هذه الشعوب .. الحرية .. حرية ان تفكر وان تختار ، حتى ان تختار دينك بأرادتك وأن تسأل وتناقش ولا تقبل ألا ما يقبله عقلك .. حرية أن تختار حاكمك وان تحاسبه وان تختار اسلوب حكمك .. فلا فرعون ولا خليفة ولا من يتحدث باسم الرب ولا مشيئة الرب .. حرية ان تلبى احتياجاتك الأساسية التى خلقها جزء منك ومن طبيعتك البشرية بشكل مسئول وفى اطار قيم الدين السليم
عندما تحل تلك المشكلات الثلاث .. تجد الشعوب فى حالة استعداد تام للعمل المتواصل والبناء وخلق الحضارات العظيمة .. ان ما حدث فى الماضى لن يصلح الا لزمانه فقط .. فشعوب الغرب تخطو من ثورة الى اخرى فبعد ثورات التحرر ، كانت الثورات الصناعية ، والآن تعبر الى ثورة المعلومات والتكنولجيا ..حاضرهذا العالم ومستقبله
نحتاج-اليوم بالفعل- الى مقولة نجيب محفوظ التى صرخ بها عقب هزيمة يونيو67 .. فى رائعته " ثرثرة فوق النيل " .. اصحوا بقى .. فوقوا

٢٠٠٥-١٢-١٤

الثالوث .. والحرية (2) 0


السياسة

الكلمة الغامضة .. المخيفة للكثير من البسطاء من الناس .. التى تثير الرجفة فى القلوب .. السياسة ، تلك الكلمة التى وصمت بالخوف وبالمصير المجهول لمن يحاول الأقتراب منها .. تراكمات وخبرات لسنين طوال ولحكايات واساطير الأولين والسابقين ، حيث كانت - ولازالت - متلازمة مع كلمات اخرى مثل : المعتقلات ، والتعذيب ، وأمن الدولة .. ووراء الشمس بتعبيرنا الدارج ، هى الضلع الثانى فى ثالوث التخلف الذى نعيشه ، واحد تابوهات الشرق العصية التى تؤرق مضاجع الحكام عند سماعها تتداول على ألسنة العامة ففيها اقتراب من منطقتهم المحرمة الأ عليهم وعلى الراضين عنهم من ابناء الشعب ، وعلى الرغم من ان الثوار والمطالبين بالحقوق هم الرموز المبهرة للشعوب ـ الا ان النهايات المؤلمة للعديد منهم كانت دائماً ماثلة فى أعين العامة والرؤوس المعلقة على ابواب المدن ، والمرسلة فى طرود الى الحكام عبر العصور كانت تجعل العزائم تخور والهمم تنهار سريعاً ، سبارتكوس فى الماضى والأمام الحسين رضى الله عنه فى صدر الدولة الأسلامية وتطول القائمة لتضم المئات من اسماء من خالف فى الرأى .. فقط رأى الحاكم
لنلق نظرة على معنى الكلمة فى قواميسنا العربية ..ففى المعجم المحيط السِّيَاسَةُ [سوس]: مصـدر،-: رئاسة الناس وقيادتهم وفى المعجم الوسيط سِياسَةٌ - [س و س]. (مصدر. ساسَ) "سياسَةُ البِلادِ" : تَوَلِّي أُمورِها، وَتَسْيِيرُ أَعْمالِها الدَّاخِلِيَّةِ والخارِجِيَّةِ وَتَدْبيرُ شُؤُونِها والسياسى ."سَاسَ أُمورَ النَّاسِ بِالحَقِّ" تَدَبَّرَهَا، تَوَلَّى تَدْبِيرَهَا وَتصْرِيفَهَا
تلك هى معانى الكلمة فى اللغة , ومن ذلك نستطيع ان نتبين بعض النقاط ، فمصدر الكلمة وفعلها وفاعلها لابد ان تحتوى على شقين شخص مخول له القيام بفعل التسيس وآخرون يتأثرون بهذا الفعل ، ومن هنا كانت البداية والنهاية .. العلاقة بين الفاعل والمفعول بهم وهى مربط الفرس كما يقولون
نمتاز نحن المصريون عن غيرنا من الشعوب المجاورة بتراكمات طويلة وارث عريض من شكل تلك العلاقة بين الحاكم والمحكومين وهما طرفا العلاقة السياسية كما اوضحنا . فمنذ مينا " موحد القطرين " وتأسيس عصر الأسرات وهو بداية التأريخ للحضارة المصرية ، كانت العلاقة ولازالت الى الآن لا تأخذ الا شكلاً واحداً .. حاكم مطلق .. فرعون .. أله .. رب أعلى ..يتقلب مع الأيام والسنين كما تتقلب ، يختلف لقبه من عصر الى آخر ومن زمان الى زمان فهو الفرعون , القيصر ، الخليفة ، والأمام ، وهو الظافر والمظفر والناصر والمنصور وهو الخديوى والسلطان والملك .. وهو اخيراً الرئيس وقريباً الرئيس ابن الرئيس ، قد تكون بدايته بشرية الطابع لكن كرسى الحكم فى مصر قادر على تحويله الى مصاف الآلهه .. فهو العادل المستنير العاقل الحكيم الملهم وهو صاحب التسعة والتسعون اسم ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ارث ضخم ومهول من الأستسلام والخضوع والخنوع لمن يعتلى سدة الحكم فى مصر ولو كان عبداً مملوكياً او مغامراً كان يبيع التبغ للعسكر ، او افاقاً يتلون حسب لون المرحلة ، ومن هنا ابدعنا نحن فى التاريخ .. الحاكم الآله .. ثم الخليفة ظل الله فى الأرض .. فالمستبد المستنير .. شيخ القبيلة ورب الأسرة .. وابتكرنا من الألفاظ ما له العجب .. فالشعب تارة " اخوانى المواطنون " وتارة أخرى " كلهم أولادى " ومارسنا الأمور بطريقتنا .. فكنا اول من ألبس " الأشتراكية العلمية " الجبة والقفطان فصارت اشتراكية علمية " متدينة " فى ميثاقنا الشهير فى حقبة الستينات ، ثم كنا بعد ذلك أول من أنبت للديموقراطية " أنياب " فى عهد الرئيس المؤمن فى سبعينات القرن المنصرم ، الى ان وصل الحال بالناس فى عهد الرئيس " الحكيم " طويل العمر ان صاحت .. " يسقط الأستقرار " بعدما صار الأستقرار مساوياً فى مساوئه للأستعمار
السياسة هى التابو الثانى فى ثالوث المحرمات الشرقية فاذا كان الكبت والقمع الممارس ضد الجنس لفظاً وفعلاً ، هو أحد اسباب تخلفنا كأفراد وسبب عجزنا المتواصل فى النصف الثانى من القرن الماضى ، عجزنا عن الأبداع والعمل والنبوغ ، عجزنا عن العطاء بنسبة 100% ، فأن العجز يمتد الى الشعوب والأمم جماعات وليس فرادى فى حالة الكبت السياسى والقمع السياسى
مورس القمع السياسى – فى مصر تحديداً - منذ قديم الأذل ربما طوال خمسة الآف عاماً قبل الفتح الأسلامى لمصر ولم نسلم من ذلك ايضاً فى الخمسة عشر قرناً التالية بعد الفتح اللهم الأ ومضات خاطفة لسنين تعد على اصابع اليد اما عدا ذلك فلم يتغير الأمر على الرغم من وعود كل من يعتلى سدة الحكم فى اول امره بتحقيق العدل والرخاء للناس .. ولكنها دائماً كانت كلمات كزبد البحر تذهب جفاء ولم يمكث فى الأرض منها ما ينفع الناس
أيقنت شعوب العالم حولنا مكمن العلة وبيت الداء ، تعلمت ذلك من قراءة التاريخ والجغرافيا وعلم النفس ، فأنتفضت تغلى وتنفجر .. تنفجر ثورة على حكامها تحطم غرورهم وغطرستهم التى اكتسبوها بعد طول جلوس على كرسى العرش . انتفضت اوربا فى عصر نهضتها تحطم قيود الأقطاعيين والنبلاء واصحاب الدماء الزرقاء ميقنة ان بقاءهم عقود عديدة وبالتوريث جيلاً بعد جيل هو مكمن العلة وبيت الداء ، وأنه لن تفلح أمم تساس بالنار والحديد وتسلم قيادها لمن عجز عن ان يَسْوسَ أُمورَ النَّاسِ بِالحَقِّ"، وتَوَلَّى تَدْبِيرَهَا وَتصْرِيفَهَا وهو المعنى اللغوى لكلمة سياسى فى معجمنا المحيط ، قامت الثورات فى كل اوربا ضد حكامها فانفجرت الثورات فى فرنسا مرة تلو اخرى وسارت بحور من الدماء هى ثمن الحرية ولم يسلم من المقصلة بعض ثوارها الذين خانوا العهد واستبدت بهم اوهام القوة والمجد فالمقصلة التى قطعت رؤوس لويس السادس عشر وزوجته مارى انطوانيت صاحبة المقولة الخالدة "بأن يأكل الشعب البسكويت " وأظنها كانت صادقة فيما تقول ولم تكن تستهزأ بمشاعرالناس ، فصدقها – الذى اظنه – هو الدليل على ان الحكام بعد فترة من الوقت ينفصلون تماما عن واقع الناس وحياتهم ومعاناتهم ويسلمون آذانهم للخاصة ممن حولهم " الذين هم اشبه بالقمل يعيشون على فريستهم يمتصون دمها وينتقلون من فريسة لأخرى غير مكترثين اوعابئين الا بما فيه بقاؤهم على قيد الحياة " والذين يقنعونهم بأن الناس لا تعانى .. وان كانت تشتكى فهى شعوبة شكائة بطبعها , لا تشبع ودائماً تطلب المزيد . اعود واقول بأن نفس تلك المقصلة هى التى اعدمت روبسبير احد صناع الثورة الفرنسية وقادتها والذي بأسم حماية ثورة الشعب أعدم فى محاكمه 6000آلاف مواطناً من الشعب كما يقول المؤرخون بعد ان تجبر وانهار سريعاً امام بريق كرسى العرش وتحول من ثائر ينادى بالحرية والعدل والمساواة ، الى طاغية لا يرحم .. فكان جزاؤه من جنس العمل على يد الشعب نفسه
ثار المستوطنون فى أمريكا ، سكان المستعمرات على التاج البريطانى بقيادة جورج واشنطن منذ مائتى عام تقريباً ونادوا بقيم تعتمد " الحرية " تاجاً وعلماً وصاغوا دستوراً ونظاماً أسس لدولة هى الأعظم الآن –شئنا اما ابينا ، وخاضوا بعدها حرباً اهلية رسخت مرة اخرى لمبدأ المساواة وحدت الشمال والجنوب وصنعت الأسطورة الأمريكية .. أرض الأحلام كما جرى العرف على تسميتها
الشئ العجيب فى الأمر ان شعوبنا قد تثور – وكثيراً ما فعلت – باذلة الدماء طالما كان العدو مستعمراً اجنبياً وكثيراً ما نجحت فى ذلك وقاد الثوار أبناء الدم الواحد واللغة الواحدة واحيانا الدين الواحد .. أبناء الشعب نفسه دفة الحكم ، وهنا يظهر ألف روبسبير آخر .. لكن الفارق أننا نعجز عن التعامل مع هؤلاء .. لأسباب عديدة قد تكون قسوتهم المفرطة التى تفوق فى احياناً كثيرة قسوة المحتل الأجنبى ، أو لأنهم يجيدون استخدام ورقة الدين – ثالث الثالوث والتابو الأشد فتكاً – مع شعوب تراثها الدينى جزء راسخ من ثقافتها ، وقد تكون لأسباب اخرى لا اعرفها ، ان من يرى مشاهد محاكمة صدام حسين الجارية الآن على قدم وساق لابد ان شاهد مقطعاً من خطاب صدام حسين فى اواخر السبعينات وهو فى قمه مجده وسلطته وهو ينذر الناس " أقسم بالله العظيم ان من يقف أمام الثورة " .. كانوا الفا .. كانوا اثنان .. او عشرة آلاف ، فسوف أقصقص رؤوسهم جميعا .. دون ان تهتز شعرة فى رأسى " ، وكأن الحجاج بن يوسف الثقفى قدر على شعوب تلك المنطقة ان تعيشه فى الماضى وفى الحاضر
ان الشعوب لم ولن ترى العدل والرخاء المنشودين ابداً فى ظل وجود حكام من نوعية روبسبير والحجاج وصدام من شاربى الدماء ، ولن تراه ايضاً فى وجود حكام من نوعية مبارك والأسد والبشير والعميد والعقيد والأمير والشيخ والغفير، ممن جاءوا بالتوريث غصباً عن ارادة الشعب وسلطوا على رقابه عقود طويلة لا يرفع مؤخراتهم عن كراسى الحكم الأ هادم اللذات ومفرق الجماعات ، يشيخون فوق كراسيهم وتشيخ عقولهم وقلوبهم وتعجز سنوات أعمارهم التى تقارب الثمانين عن تحقيق طموح واحلام شعوبهم ، ولا يتورعون بعد ذلك عن توريث مقاعدهم لأبناء اقل ما يقال عنهم أنهم ولدوا وعاشوا فى أبراجاً عاجية .. لم يعرف ايا منهم الأحساس بالحرمان او طعم الظلم واهدار الكرامة ، هى التجربة التى تعلمتها شعوب الغرب .. فجعلت الملكيات دستورية .. فالملك .. لا يملك ولا يحكم .. والأمير يؤمر ولا يأمر . يبقى الحاكم فترة محدودة يعود بعدها الى الشعب الذى جاء منه .. لادماء زرقاء ولا الهه تسكن جبال الأوليمب ، وكلاماً من نوع " الأصلاح من الداخل .. وعدم المساس بالثوابت " هو الدليل على الرغبة المبيتة فى البقاء .. ولتشرب كل الشعوب البائسة من البحر كان محيطاً او خليجاً أيهما تحب
ان الديموقراطية ( وهى فى ابسط معانيها حكم الشعب ) وتداول السلطة التى ينادى بها المثقفون والنخبة ليست كلاماً من قبيل السفسطة او الحذلقة ، انها حقوق تلك الملايين المطحونة بلا أمل ، المهانة والمذلولة منذ فجر التاريخ ، فبقاء الحاكم – اى حاكم – فى السلطة لعشرين او ثلاثين عاماً هو صك غفران منا لهذا الحاكم ان افعل بنا ما تشاء فنحن الخانعون الراضخون ابداً .. هو تسليم لهذا الحاكم ولو كان نبياً او ظل الله فى الأرض الى الشيطان وابالسة الأنس وتركه بلا حماية الأ نفسه التى هى اهون من جناح بعوضة . السلطة المطلقة .. مفسدة مطلقة ، وطبائع الأستبداد جزء اصيل فى النفس البشرية ينمو ويكبر اذا ما اتيح له مناخ الأستبداد ، " الكلمة " على رقتها وبساطتها هى واحدة من اقوى اسلحة الأنسان ضد الطغيان والأستبداد ، و " اقرأ " هى اول امر ألهى صدر لهذه الأمة ، والتاريخ يقول انه لم تثر او تنتفض فى يوم من الأيام امة جاهلة او امية لا تعرف حقوقها ، واستمرار حركات الأنتفاضة الشعبية السلمية على يد " المثقفين " ، و " النخب " هى البداية لرفع وعى الناس بحقوقهم السياسية وتشجيعهم على ممارسة تلك الحقوق والمطالبة بالمزيد وهى المدخل الشرعى لأى مطالب بالتغيير ، وفقط الحكام الأغبياء هم من لا يدركون ان التالى .. هو الأنفجار ، وقد بات قاب قوسين او أدنى

٢٠٠٥-١٢-١٣

الثالوث .. والحرية .. (1) 0


الآتى ليس : فلسفة ولا هرطقة .. ليس زندقة ولا خروجاً عن الدين .. ليس علمنة ولا ملحدة .. ليس كلام جديد ولا هو بالكلام القديم المثقوب كالأحذية القديمة وليس من مفردات العهر والهجاء والشتيمة – كما قال نزار قبانى يوماً وهو يصف حالنا - ليس اى شئ من كل قاموس الهجوم والهجوم المضاد التى باتت سمة عصرنا الحالى .. احد اعظم عصور الأنحطاط ، اذا ما كنا نعشق استخدام صيغة افضل التفضيل
كان سلفنا التليد يقول .. ان مشكلات مصر الثلاث هى .. الجهل والفقر والمرض .. هراء .. محض هراء – وحقيقة لا اعرف تحديداً معنى كلمة هراء – انما من المؤكد انها تدل على محتوى غير لائق .. ايا كان هذا المحتوى
الجهل والفقر والمرض .. ليست ابداً اسباب تخلفنا .. ولم تكن ابداً ، فالأمور الثلاث السابقة بمنتهى البساطة هى نتائج .. وابعد ما تكون عن الأسباب لما فيه حالنا من انحطاط على كل الأصعدة – حتى وان لم تعجب كلمة انحطاط الكثيرين
الأمر كما قلت قد لا يكون جديداً لكنى اصر انه ليس بالقديم ايضاً ، لأنه طالما بقيت الأسباب الحقيقية بدون علاج جذرى .. ستبقى تلك الأسباب متجددة دائماً ، قابعة على انفاس هذا الوطن .. بشره وحجره .. لن يتحرك قيد انملة الى الأمام
انها الأسباب الخالدة .. خلود البشرية ما بقيت البشرية تعمر هذا الكون .. انها الأسباب الأشهر فى كتب التاريخ والفلسفة وعلم النفس وكل العلوم بحتها وتطبيقها ، طبيعيها ونظريها . التابوهات الأعظم فى شرقنا البائس والتى استطاع الغرب التعامل معها .. أنها الجنس والسياسة والدين
هكذا .. وبأبسط ما تكون الكلمات .. وبأوضح ما تكون يدرك كل عاقل – سراً او علانية ان الثالوث المقدس ، او غير المقدس هو لجام الشعوب وسياطها ، يلعب بها الطغاة كيف يشاؤون ومتى يشاؤون ، يمررون الى شعوبنا الشرقية البائسة جرعات موزونة ومحسوبة من كلاً منها فى اوقات مدروسة وبكميات مدروسة .. فتغيب الشعوب عن وعيها قروناً طويلة .. تصم أذانها ، وتخرس ألسنتها ، وتعمى عيونها .. بفعل آلة الأعلام التى هى وسيلة الحقن التى تخترق جلود تلك الشعوب معطية الجرعات رويداً رويداً .. لتنام الشعوب فى احل العسل
الجنس .. مشكلة المشاكل .. التابو الأكثر خطورة ، الفعل المحرم .. الخبيث .. الدنئ .. الكلمة القبيحة .. الفاجرة .. العاهرة .. التى تتردد الألسن مئات المرات قبل ان تنطق بها .. هى الرجس الذى من عمل الشيطان
هكذا تعلمنا .. وهكذا تشربنا .. وهكذا سمعنا .. الجنس .. الكلمة التى كانت ولا زالت – كما اعتقد – فى عرف الصغار .. " قلة الأدب " كما كنا نصف ذلك الفعل المبهم ، الذى ربما كانت اولى مصادر البحث حول " الفعل " ناتجة مما كنا نشاهده من الأفلام .. النظرات والقبلات والأحضان ، كان التساؤل يقفز من عيوننا الصغيرة فى غير فهم
ماذا يفعل رشدى اباظة مع شادية ؟ طب وليه بيعملوا كده ؟
كانت الأجابات كوميدية .. " بيحطلها قطرة فى عينيها " .. " بينفخلها فى بقها .. – برضه ليه " .. الى اخر تلك الجمل الطريفة التى ما ان كنا نحاول ان نقلدها اولاداً وبنات .. حتى نفاجاً بصواعق وكهارب فوق رؤسنا .. واذا ما تسائلنا والبراءة فى العيون الدامعة بعد جرعة التوبيخ والعقاب لماذا نوبخ على ذلك " اشمعنى رشدى اباظة " .. تكون الأجابة .. دى اصلها " قلة ادب "ل
وهكذا .. اللبنة الأولى فى جدار العزل وفى بناء الشخصية المقموعة المكبوتة , ربما حتى قبل بدء سن المدرسة .. وتجئ المرحلة الثانية مع سن التلمذة .. والأسئلة التى توقع الأهل فى الحيرة وربكة تثير الكثير من الشفقة .. والسؤال الشائع على شفاه الأطفال .. " بابا هو احنا جينا ازاى ؟ " .. وتبدو ايضاً الأجابات مبتسرة .. " الأولاد الصغيرين بيكونوا فى بطن ماما وبعدين بيخرجوا " .. " طب هما دخلوا بطن ماما ازاى " .. " امشى يلااا العب بعيد .. بعدين .. بعدين ، بابا عنده صداع "ع
تسير الأمور على تلك الوتيرة .. فترة غير قصيرة .. هى فترة البحث والفضول لدى الأطفال .. وتكون محصلة المرحلة .. افكار ضبابية حول امور يعلم انه لا ينبغى السؤال عنها .. تهدأ الامور مع التقدم الى سن الصبا والأنشغال بالصحبة وتكوين الأصدقاء .. الى مرحلة البعث .. او قل مرحلة الأنفجار اذا شئت .. فجأة وبين عشية وضحاها ، تختل الموازين بداخل الأجساد , وتنهمر ينابيع الهرمونات فى الأجساد الغضة ، محدثة .. حالة الفوران والغليان .. وتبداء مرحلة جديدة من مراحل معاناة الأب والأم .. لكبح جماح .. الأشبال الخارجة تواً الى فضاء الطبيعة واحتياجات الجسد . ويتزامن معها الأدارك بأمور جديدة نسبياً على الأذن .. فتسمع الويل والثبور .. والعذاب والنار وجهنم لمن يرتكب الجرم الأكبر بعد الشرك .. الزنا .. الفاحشة .. ويضاف الى طابور المرادفات كلمات اخرى الى جانب " قلة الأدب " . وتسمع الحكايات المرعبة حول الزناة وعذابهم .. ماذا يشربون .. وماذا يأكلون .. وكيف مصيرهم الخالد فى جهنم وبئس المصير
الشئ الأعجب من ذلك .. ان اغلب الشفاه التى تنطق بتلك العظائم .. والعيون التى تنثر الشرر لهذا الفعل الآثم .. هى نفسها الشفاه التى تلمع على اطرافها الجوع .. وعلى عيونها اللمعان حين تشاهد .. افلام ايناس الدغيدى ومشاهد العرى الجريئة بها
نعم .. يجب ان نلعن فى العلن .. ونغضب وننتفض .. وندعولأثواب للفضيلة وسراويل العفة .. لكن القلوب تشتاق والعقول تغلى والأجساد تحترق .. انها ازدواجية الشرق المسكين .. انه " السيد احمد عبدالجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ " فى كل منا .. بشكل او بآخر
يتحمل الشباب الشرقى عموماً .. والعربى تحديداً .. حالة من حالات الحرمان تستمر فى المتوسط خمسة عشر عاماً .. منذ سن الخامسة عشر وحتى الثلاثينات .. متوسط سن الزواج فى عصرنا الحالى .. فتيانا وفتيات . هى اجمل سنوات العمر .. هى سنوات الأبداع والعمل .. هى سنوات المغامرة والطيش والشباب .. سنوات الانطلاق والفوران والغليان .. هى سنوات العطاء الحقيقى العبقرية والنبوغ
سنوات يعيشها الشباب العربى .. معطلاً .. نصف منتج .. بنصف عقل .. ونصف قلب .. ونصف جهد .. فخمسون فى المائة – ليس مبالغة – من طاقة الشباب وتفكيرهم واحلامهم ورغباتهم .. هى فى التفكير فى الجنس الآخر .. وهو ما اشك ان احداً قادر على انكاره
يتسائل الكثيرون فى نوع من الغباء .. لمذا لا ينتج شبابناً .. كالشباب الغربى مثلاً .. ولماذا لا يوجد مبدعون فى حياتنا الآن .. واين نحن من شباب فى العصور السابقة قادوا الجيوش وفتحوا الدول وألفوا الكتب واخترعوا .. واكتشفوا .. وهم دون الثلاثين .. انها الحقيقة دون مواربة لن ينتج شباباً شيئاً وهو مقموع محروم .. معطل .. نصف كائن حى
لم تكن تلك مشكلة فى القرون السابقة .. ولا حتى كانت منذ خمسين عاماً ..وبطبيعة الحال لا يوجد شاب فى الغرب يعانى من تلك المشكلة .. ولذا لا تتعجب حين تعلم ان بيل جيتس طور اول نظام تشغيل له وهو دون الثامنة عشر .. وان غيره من الشباب يتبارون فى تحطيم الأرقام القياسية فى شتى المجالات .. جدها وهزلها .. علماً ورياضة .. فنا وادباً . لأنه وبكل بساطة منذ سن الرابعة او الخامسة عشر .. لا يعانى .. مما يعانيه شباب الشرق .. ودع عنك تشجنات المتشنجين حول الرذيلة وانحلال الغرب .. فشرقنا ملئ بالأمراض المخفية بفعل العرف والتقاليد .. وما حالات الزواج العرفى بين شباب الجامعات الا محاولة للهروب من الأحساس المتواصل بالذنب وتخديراً للنفوس .. نفوس الأهل اولاً – اذا ما انفضح الأمر – ونفوسهم ثانياً .. بعد ان لم يستطيعوا " الباء " .. وعجزوا عن الصوم القسرى المتواصل
الى الداعين الى الفضيلة .. لا تقبع فى برجك العاجى .. ولا تضع رأسك فى الرمال .. ولا تحدثنا عن الصوم غير المرغوب .. ولا تحارب فى العلن ما تكتوى انت بنيرانه فى الخفاء
الحل ايها السادة .. ان نعود الى الفطرة الأولى .. ونعود الى صحيح الدين .. حين كانت تمارس الحرية بأصدق صورها .. الحرية المسئولة كما يقول فيلسوفنا العظيم د/ زكى نجيب محمود فى كتابة الرائع " عن الحرية .. أتحدث " .. كل الدين الذى يأمر بتسهيل امور الزواج واجراءاته وعدم تحويله الى أمر شاق على الأنفس وحتى الطلاق الذى هو ابغض الحلال عند الله .. وانظر كيف يعالج الغرب الآن الطلاق ، وكيف يتحول الى حرب ضروس فى امتنا التى تدعو للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. واذكر كيف ذهبت امرأه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ تشكو انها لا تجد عيباً فى زوجها لكنها لا تطيق عشرته .. فكان رد الرسول الكريم .. " ردى اليه حديقته " .. هذا هو الرقى .. وتلك هى الحضارة .. انها ما يفعله الغرب الآن ..ونهرب منه نحن بدعاوى الظروف والضغوط والأبناء .. انها فى المقولة الخالدة .. لمن ذهب يشكو للرسول الكريم اخ له او صديق .. فكانت نصيحته .. " زوجوه " .. هو علاج اذن للعديد من المشكلات والأمراض التى استحالت مزمنة فى شرقنا المتباكى على الأطلال دائماً .. الأرتباط او حتى الأنفصال " الزواج حلوه ومره " .. بالشكل الذى نزلت به شرائعنا السماوية قبل ان ندس انوفنا ونعدل هنا ونصلح هناك ، بدعاوى حفظ الحقوق وتحسباً للزمان وغدره .. قبل فوات الآوان .. وقبل انفجار مجتمعنا الوشيك .. فلن نصمد اكثر من ذلك فى زمن انفلتت فيه كل الأمور وخرجت عن الزمام .. والأ فانتظروا حل الغرب لتلك المشكلة .. وهو الأمر غير المستبعد وغير المستحيل .. بعد ان فات زمان المنع والحجب
ذلك كان التابو الأعظم فى حياتنا
والتدوينة القادمة .. ستكون حول ثانى تلك التابوهات .. السياسة .. وتحسباً ندعو جميعاً " اللهم اجعل كلامنا خفيف عليهم " ب

٢٠٠٥-١١-٢٣

زلزال قنا






فيما تبدو السابقة الأولى من نوعها .. اعتصم قرابة خمسون شخصاً امام مبنى محكمة قنا الأبتدائية .. فى نوع من الاحتجاج السلمى على ما تم كشفه مساء امس من حالات التلاعب فى العملية الأنتخابية فى دائرة قفط .. احد اقوى الدوائر الأنتخابية فى محافظة قنا كان انصار احد المرشحين المستقلين عن الدائرة قد فوجئوا بوجد مئات من البطاقات الأنتخابية الصحيحة ملقاة فى مناطق بعيدة تؤكد وجود تلاعب فى نتائج الأنتخابات لصالح مرشحى الحزب الوطنى ، هذا الى جانب التأكد من العثور على صناديق انتخابية ملقاة فى احد الترع القريبة والتى مرة اخرى تؤكد ان الطريق ما بين اللجان الفرعية واللجنة العامة حيث تتم عمليات الفرز .. كان طريقاً كافياً لأحداث تعديل فى نتائج الأنتخابات .. من المؤكد ان هذا تم تحت سمع وبصر رجال الأمن المخول لهم حراسة تلك الصناديق .. ولا يعلم أحد مدى مشاركة القضاة او اعضاء الهيئات القضائية فى تلك العملية التى تثير الشك فى كل العملية الأنتخابية التى توحى الدولة بأنها تمارس فيها الدورالحيادى .. وهو ما يتضح عكسه كل يوم

٢٠٠٥-١١-٢١

بندر قنا

الدعاية الأنتخابية للمرشحين واسفلها صور المبايعة للرئيس فى انتخابات الرئاسة السابقة

فيما كان بمثابة المفاجأة " والصدمة " اذا شئت الدقة .. جاءت العملية الأنتخابية فى دائرة بندر قنا ، والتى شاركت ومجموعة اخرى من الشباب واعضاء بعض منظمات المجتمع المدنى الأخرى فى عملية المتابعة او المراقبة .. هادئة تماماً,
بدأت جولتى فى حوالى الساعة الثالثة عصراً.. تسلحت ببطاقتى الشخصية والأنتخابية وبكارنية " اللجنة العليا للأنتخابات " الممهور بتوقيع المستشار انتصار نسيم .. رئيس اللجنة بصفتى عضو بالجمعية المصرية لدعم التطور الديموقراطى ، احد الجمعيات المكونة لتحالف منظمات المجتمع المدنى للرقابة على الأنتخابات .. كنت مشحوناً بأجواء التوتر التى عبأت الأفق بعد المرحلة الأولى وما حدث من تجاوزات اذاعتها العديد من القنوات المصرية وغير المصرية ، كنت أعلم ان هناك بعض الزملاء الذين قاموا بأعمال المتابعة فى فترة الصباح .. ولمدة ثلاث ساعات تالية كنت اتنقل بين المقار الأنتخابية : مقر " مدرسة قنا الأبتدائية المشتركة " ، مقر " مدرسة فاطمة الزهراء الثانوية " مقر المعهد الأزهرى " وهو المقر الخاص بالسيدات ، واخيراً مقر " جمعية تنمية المجتمع المحلى بقنا " .. يحتوى كل مقر ما بين 5 الى 10 لجان انتخابية " صناديق " .. كانت الملاحظات الأساسية على ما جرى :
هناك تواجد أمنى مكثف بالفعل .. لكن يحسب له ان لم اشاهد حالة تدخل واحدة من قبل اى فرد امن كبر او صغر فى مجريات الأمور ، وهذا ما أشار اليه العديد من الحضور
الجداول الأنتخابية معلقة فى مدخل كل لجنة بها الأسماء مسلسلة .. رباعية ، وايضاً لم ألحظ مشكلات كبيرة فى كشوف الناخبين ، اللهم الا بعض الشكوى من غياب بعض الأسماء ، او رفض رئيس اللجنة السماح بالتصويت الا لمن يطابق اسمه رباعياً
رؤساء اللجان .. فى اللجان الفرعية أغلبهم ممن ينتمى الى الهيئات القضائية ، وكلاء نيابة ومجلس دولة ، وليسوا قضاة منصة
رؤساء اللجان كانوا يصرون على التوقيع امام الأسم الى جانب بصمة الأصبع عند عملية التصويت ، كما كانوا يصرون ايضاً ان تتم عملية التصويت خلف الساتر الموجود باللجنة واستخدام الحبر الفسفورى بعد ذلك
سمح لمراقبى منظمات المجتمع المدنى بالمتابعة لسير العملية الأنتخابية طوال فترة التصويت ، بل والدخول الى داخل اللجان لمن يحمل بطاقة اللجنة العليا للأنتخابات ولم يعترض اى مسئول امنى حول هذا الأجراء
حالة من حالات التنافس بين وكلاء ومندوبى المرشحين فى مساعدة الناخبين فى ايجاد اسمائهم واحياناً التحريض على التصويت لمرشح بعينه - وهو امر طبيعى - ونوع من الحشد خاصة فى لجان السيدات الآتى تم شحنهن فى سيارات خاصة قادمة من النجوع القريبة ، كان هذا لمرشحى الحزب الوطنى والمرشحين الآخرين سواء بسواء
فى عملية الفرز والتى بدأت منذ حوالى الساعة السابعة مساءاً الى قرابة الساعة الرابعة فجراً ، سمح ايضاً بدخول مراقبى منظمات المجتمع المدنى الذين يحملون كارنيهات اللجنة العليا للانتخابات ، وتم رفض دخول اى مراقب لا يحمل هذا الكارنية
ايضاً عمليات الفرز سارت والى الساعات الأولى من الصباح بشكل هادئ ، فلكل مرشح مندوب او اكثر فى مقر اللجنة العامة التى تم بها الفرز " مقر مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض الثانوية " .. الى جانب بقاء اغلب المرشحين بأنفسهم الى انتهاء عمليات الفرز التى استغرقت اكثر من ثمانى ساعات متواصلة
دائرة بندر قنا قدر بشكل مبدئى عدد الناخبين بها بحوالى 39000 صوت ، تشمل 170 لجنة انتخابية تمتد من قرية كرم عمران جنوباً الى قرية اولاد عمرو شمالاً
ما سبق هى ملاحظات شخصية حول ما حدث فى بعض اللجان الأنتخابية فى دائرة واحدة " دائرة بندر قنا " الدائرة رقم واحد ، وفى حدود خبراتى كمراقب لأول مرة " بشكل رسمى " على الأعمال الانتخابية والتى انصبت بشكل اساسى حول متابعة اى تجاوزات تحدث من قبل المرشحين او اجهزة الأمن وخلافه ، ما سبق ايضاً هى شهادة حق لما رأيته بعينى وكان " مفاجأة الى حد الصدمة " كما اوضحت فقد كنت اتوقع ان ارى او اسمع عن الكثيروالكثير من التجاوزات كما قيل .. يبقى فى نهاية الأمر اننى على الرغم من انحيازى الشخصى لمرشحى الجبهة الوطنية للتغيير وتصويتى لهم ومقتى الشديد للحزب الوطنى واعضائه وهو كان حافزى الأول فى المشاركة فى عملية الرقابة الأ اننى اعترف بأنه - ومرة أخرى فى حدود ما رأيت وتابعت بنفسى - لم تحدث تجاوزات فجة بالشكل الذى رأيناه فى المرحلة الأولى او ما كنا نسمعه عن بعض الدوائر الأخرى فى الأسكندرية والأسماعيلية او حتى الدوائر القريبة فى المحافظة كدوائر قفط وقوص
فى نهاية الأمر يبقى ان نقول بأن اربع من المرشحين دخلوا الى مرحلة الأعادة : وهم

مرشحى الحزب الوطنى .. المنتمين الى قبائل الأشراف بقنا ( اللواء احمد حسن النجار ، رفاعى عبدالوهاب ) .. واثنان مستقلين هما (امبارك ابوالحجاج ، واحمد مصطفى الجبلاوى ) .. يبدو على الرغم من كل ما سبق ان الحزب الوطنى الديموقراطى هو المنتصر .. فحتى فى حالة عدم نجاح مرشحيه الأثنين فى مرحلة الأعادة فمن المتوقع ان سرعان ما يهرول الأثنان المستقلين فوراً الى احضان الحزب الوطنى فى حالة نجاحهم .. الكلمة الأخيرة فى الموضوع ، ان الأنتخابات فى صعيد مصر الفيصل الوحيد فيها هو العصبيات القبلية بالفعل .. لاشئ اكثر او اقل

٢٠٠٥-١١-٢٠

جيفارا



إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني

الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن لا يهمني اين و متى ساموت بقدر ما يهمني ان يبقى الوطن

الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء

ان الطريق مظلم و حالك فاذا لم تحترق انت وانا فمن سينير الطريق

لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله

ارنستو تشى جيفارا

٢٠٠٥-١١-١٥

هوامش على دفتر .. الوطن


انفجار الوضع فى شمال فرنسا .. بدأ الأمر فى مدينة واحدة ، امتد بعدها بأيام ليشمل اغلب مدن الشمال الفرنسى .. ثم يتفاقم الوضع ممتداً الى مدن فى بلجيكا وألمانيا .. على الرغم من فرض حالة طوارئ على العديد من المدن .. شباب غاضب وصل الى حافة الأنفجار .. يعانى التجاهل والبطالة .. اندفع بشكل اهوج محطماً وحارقاً كل ما يراه .. الحصيلة 8000 سيارة تفحمت تماماً فى فرنسا وحدها .. اثنان قتلى .. ولايبدو ان الأمر على وشك الأنتهاء .. احد المعتدلين الفرنسيين علق على ان الأمر ليس له علاقة بشباب المهاجرين المسلمين .. انه الفقر .. الفقر ليس له جنسية او دين

المملكة الأردنية .. انفجارات فى ثلاث فنادق بالعاصمة عمان .. حصيلتها وفاة 67 شخصاً .. قضى فيها المخرج السورى مصطفى العقاد وابنته .. ليموت بشكل دراماتيكى بعد حياة حافلة وتأتى النهاية متماشية مع الأحداث .. يموت البطل فى نهاية الفيلم بشكل مأساوى ، رئيس جهاز الأستخبارات العسكرية الفلسطينية .. واربعة من رفاقه .. يقتلون فى الأنفجارات ، فى اقل من اسبوع يُعثر على الجناة ويدلون بأعتراف على انتمائهم لتنظيم القاعدة .. فرع ابومصعب الزرقاوى .. ولا تعليق

الحدث الأهم فى تاريخ مصر .. الأنتخابات التشريعية ، تنتهى المرحلة الأولى بسقوط مدوى لجبهة التغيير الوطنية حيث النتيجة " اربعة مقاعد" ، سقوط الكبار .. أيمن نور ، منير فخرى عبدالنور ، منى مكرم عبيد .. الحزب الوطنى يسيطر على 70 مقعداً .. الأخوان المسلمون 35 مقعد.. والباقى للمستقلين ، المهرولن فى الغالب الى احضان الحزب الوطنى

فى سابقة هى الأولى من نوعها ( منذ بداية الوعى لدى ) رأيت ما لم استطع وصفه بشكل قاطع .. تظاهرة .. دعاية انتخابية .. تجمهر .. لا اعلم فكل الكلمات السابقة لم تكن من مفردات حياتنا اليومية فى صعيد مصر ، ونلمحها عابراً عبر البرامج التليفزيونية او فى الأفلام الأبيض والأسود .. على أية حال كان ما حدث رائعاً

اليوم : الخميس 17 نوفمبر 2005 .. قبل ثلاث ايام من المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية فى مصر

الساعة : التاسعة مساءاً

المكان : مدينة قنا .. محافظة قنا .. قلب صعيد مصر

الحدث : تظاهرة .. دعاية انتخابية .. تجمهر .. مسيرات .. لا أعلم

مسيرة ( تضم بضع مئات لا اكثر ) تجوب شوارع مدينتى الهادئة ..فى سابقة ازعم انها الأولى من نوعها ترفع لافتات تحمل اسم مرشحى الجبهة الوطنية للتغيير " يس تاج الدين - وفدى " والشيخ " محمود نصرالله " م

٢٠٠٥-١١-٠٩

عن الوطن


يعنى ايه كلمة وطن
حدود
مكان
ولا حالة من شجن
اسئلة تثير فى النفس حالة من حالات التأمل والبحث والسؤال .. فى واحدة من ارق اغنيات محمد فؤاد .. حول الوطن
ذلك الشئ غير المحدد المعالم .. غير مفهوم المعنى .. ربما عندنا فى وطننا الغارق فى سحابات اليأس .. واللاأمل
وطننا الغامض .. الصامت .. الغاضب .. الساكن .. المعبء بأحمال الماضى الثقيلة .. بتماثيل الفراعين الحجرية .. ولفائف المومياوات .. وشروط الطاعة للرب الفرعون على جدران المعابد واوراق البردى .. وطننا الشارب حتى الثمالة روح القبيلة وجاهلية القبيلة .. وطننا المتجمل بقشور الدين السابح على سطحه المهتم فقط .. بشكل الدين واصباغ الدين .. الخائف دوماً من الغوص فى معناه .. فصار الدين قناعاً للتجميل لا اكثر وصرنا نستخدمه للتجميل لا للعلاج .. وصار اكثرنا جمالاً اكثرنا تجملاً بالدين
وطننا الغارق بين لجج الشرق والغرب .. المنقسم على نفسه بين بونابرت وابن تيمية .. بين ابن حنبل وابن خلدون ..بين اليسار واليمين .. بين الحاكم .. الأله .. الفرعون .. القيصر.. المقوقس .. الخليفة .. امير المؤمنين .. الأمام .. الخديوى .. السلطان .. الملك .. الرئيس وابن الرئيس .. الحاكمون دوماً بأمر الأله، وبين المحكومين .. المقموعين .. الكمبوتين .. المكممين بفعل الحاكمون دوماً بأمر الأله
ونتوه بين خضم الأمواج بحثاً عن الوطن المتوحد دوماً وشخص الحاكم .. الساكن وحده جوف الوطن ، نبحث عن الوطن فى البيوت .. الشوارع .. البشر .. الجبال .. النهر .. السماء .. الأرض .. الوطن التائه منا والتائهون منه .. الغير قادرين على ان نكرهه .. ولا يسمح لنا ان نحبه .. فهو لا يفصح عن نفسه .. ولا عن مكان وجوده .. ولا يخبرنا كيف يمكن ان نجده وحده .. صافياً .. نقياً .. أبياً .. دون ان يكون نعلاً فى قدم الحاكم الأله
الوطن .. الكارهون صمته المطبق على ما يحدث لأبنائه من قبل الحاكم الرب .. الراضى لنا دوماً بعيشه السخرة ، واثواب العبيد ، الراضى دوماً بأن يضاجع من يجلس على كرسى الحكم .. أيا كانت صفته او رسمه .. فرعونياً .. رومانياً .. عربياً .. كردياً .. مملوكياً .. تركياً .. او مصرياً اصابه - هو الوطن - بداء التأله ، وكل أمراض الفرعنة .. القيصرة .. الكهنته .. المشيخة .. والمرئسة
أيها الوطن .. الأ تريد ان تسمع صرخات ابنائك الغاضبة .. المكبوتة .. المقموعة منذ الآف السنين .. الأ ترى سحب البخار المكتوم تغلى تحت قدميك ، الأ ترى شرارات النار تكاد تقفز من العيون ..عيون البشر .. الصابرة حتى ملها الصبر .. الصامتة .. حتى نطق عنها الصمت .. الراضية .. حتى سخط منها الرضا .. المذلولة .. حتى اشمئز منها الذل
هل يصنع الوطن المعجزة .. ويسمع صوت الملايين الراغبة فى حبه الغير راغبة فى غيره .. المتحرك بعض نخبه لازاله الورم الخبيث الذى استشرى فى جسده .. راجين له الشفاء .. قبل ان يتمكن المرض من كل الجسد .. فلا يعود وطن .. ولا يعود ابناء
اليوم .. التاسع من نوفمير تبدأ معركة تستمر شهراً كاملاً .. يمتلئ فيها الوطن من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب .. صخباً وضجيجا هتافا وعويلاًً ووعداً ووعيداً ، حزن وفرح املاً ويأس .. غداً وامس ، صراخاً وهمس .. اليوم قد يكون بداية الميلاد .. بعد آلام المخاض الطويلة ، حياة جديدة لا تحمل ألا براءة الأطفال واحلام الأطفال .. المشروعة الصادقة .. وقد تكون حشرجة الموت بعد طول عناء بعدها يستكين جسد الوطن .. فى تابوت مومياء
اليوم قد يكون تاريخاً فاصلاً فى حياة الوطن .. يوم ميلاد جديد .. وشهادة ميلاد لوطن يصر أن يجعل حفنه من ابنائه فقط فوق اكتافه والباقون تحت قدميه يستقبلون فضلات ووساخات من فوقهم
أيها الوطن بالله عليك لا تخزلنا .. نستحلفك ان تكف عن تدليل من فوق اكتافك فقط .. كف عن مضاجعة الحاكم الرب الأله .. كف عن انجاب ابناء السفاح .. وانظر ألينا واستمع ألينا .. نقسم بالله العظيم .. اننا لانريد لك ألا الخير كل الخير .. نرجوك الا تخزنا .. نرجوك ألا تقتل الأمل فينا .. ألا تدوس علينا بأقدامك الضخمة .. فعندها لن نبقى .. عندها سوف تكون وطناً .. للمومياوات .. وطناً للأموات

٢٠٠٥-١٠-٣٠

ايران .. نجاد


يجب ان تزول اسرائيل من الوجود
كلمة هزت العالم بالفعل دون مبالغة من أقصى الأرض الى ادناها.. كلمة اختفت من مفردات حياتنا العامة وحتى الخاصة ، بعد ان تحول العدو الصهيونى الى صديق وجار له ما للجار من حقوق وليس عليه اى واجبات ، وتحول جزار مثل اريل شارون على لسان رئيسنا المبارك – ببراجماتيته المقيته – الى رجل سلام .. وبعد ان تحولت المقاومة الى مرادف لكلمة ارهاب ، وتحول حكامنا العرب الى قطيع من الخراف تسوقه عصا الراعى الامريكى ويحرسه الكلب الأسرائيلى وكان ان استحقوا جميعاً مظاهرة " حركة كفاية " الى سوف تتم خلال ايام ويسوقون فيها 22 خروفاً كل منها يمثل رمزاً لحاكم عربياً .. احتجاجاً على ما وصل اليه حكامنا العرب من خضوع مذل .. تشمئز منه حتى الضباع .. الكائنات الأحقر من فصيلة آكلى اللحوم ، والتى جعلت رجلاً مثل عرفات على ما به عيوب .. يذكر فى اخريات ايامه انه لم يندم على شئ فى حياته قدر ندمه على سماع نصائح اشقائه " الزعماء " العرب .. وهو ما جعله يعيد حساباته ويعود الى مساره الطبيعى كرجل مؤمن بحقه لا يفرط فيه بدعاوى الأمر الواقع واوراق اللعبة فكان ان رفض باصرار تقديم اى تنازلات اخرى تمس القدس الشريف وحق العودة للاجئين .. وممولاً ومنظماً لكتائب شهداء الأقصى جناح حركة فتح العسكرى .. معيداً ايام المقاومة المسلحة بمباركة شخصية منه بعد شعر انه يقترب من الموت ولم يحقق شئياً لشعبه .. بتسليم اذنه وعقله للأشقاء
يجب ان تزول اسرائيل من الوجود
كان عبدالناصر آخر من جرؤ على التلفظ بقول مماثل .. حين كان يندفع هادراً فى اذاعة صوت العرب " سنلقى بأسرائيل فى البحر " ودفع ثمنها غالياً ومعه جيل بأكمله من ابناء مصر ، وكانت نموذجاً حياً جعلت اثنين وعشرين حاكماً عربياً يتعلمون الدرس ، ويدرسون كلماتهم الف مرة قبل النطق بها على الرغم من انها كلمات مكتوبة سلفاً تم مراجعتها ايضاً مئات المرات

يجب ان تزول اسرائيل من الوجود
كلمة اطلقها الرئيس الجديد للجمهورية الأسلامية فى ايران .. كلمة ذكرتنا بسنوات الغليان الثورية التى طالما قرأنا عنها .. فى كتب هيكل ، وجمال حمدان .. سمعناها فى اغنيات عبدالحليم حافظ عندليب ذلك الجيل ، شاهدنا فى عين عبدالناصر ونبرات صوته فى خطبه التى والى الآن تجعلنا فى حالة من حالات الحنين الى الماضى وثوريته واحلامه المشروعة بعودة الحقوق المغتصبة ، رأيناها فى صورة جيفارا وهو يصافح عبدالناصر فى منظر يحمل اهم رموز الثورة فى القرن الماضى ، كلمة اطلقها محمود احمدى نجاد .. عامداً متعمداً رافضاً الاعتذار عنها بعد انفجار حالة الغليان العالمى .. بكل اصرار ومصدقاً عليها بأن ذلك هو المصير المنتظر والمحتم لدولة الكيان الصهيونى
كلمة تعبر عن حقيقة لا تقبل النقاش .. يدركها ويشعر بها فقط رجال من امثال عبدالناصر والخومينى وحسن نصرالله و احمد ياسين واحمدى نجاد .. رجال لا يحملون قيماً ميكافيلية .. ولا يتفهمون منطق البراجماتيين التى تتمسح فى التعقل والحكمة .. والحفاظ على سلامة الشعوب التى تقهر وينكل بها فى اليوم ألف مرة على يد هؤلاء البرجماتيين من الحكام .. كلمة تؤكد حقيقة كادت ان تغيب عن ادراكنا بفعل اعلام عاهر يقوده قوادون دون اى ذرة خجل او حياء .. هى بالفعل الهدف الذى ارُيد لنا ان ننساه او نتناساه .. ننسى ان فلسطين – كل فلسطين – ارضاً مغتصبة بفعل محتل غاصب وبصمت دولى مخزى .. ان فلسطين ليست قطاع قطعة هنا او هناك ، هى فلسطين ما قبل 1948 لا تنقص شبراً .. ولو استهزاء الهازئون بأننا غير قادرين على الحصول حتى ولو على ادنى من ذلك .. حتى لو رفع البرجماتيين مقولات مثل " ما لا يدرك كله لا يترك كله .."
هى كلمات يجب ان تزل حيه فى القلوب .. كل القلوب .. فقد استعيدت القدس على يد صلاح الدين بعد احتلال صليبى دام عشرات السنين ، واعيدت امارات كانت تعد امارات صليبية لمئات السنين .. لأن كلمات مثل تلك التى اطلقها عبدالناصر واحمدى نجاد كانت هى الرايات التى اصطف تحتها المقاومون خلف قائد يسلم قائد .. من عماد الدين زنكى ومحمود نور الدين الى صلاح الدين وبعده بسنين قطز وبيبرس .. كان لا يموت بداخلهم الأحساس بأنهم يطلبون حقاً اصيلاً مشروعاً .. امام جحافل الصليبين والمغول .. مسلحين بايمان ثابت بأن النصر حليفهم ولو بعد حين .. وهو ما حدث بالفعل وكان ان عادت كل الأراضى المحتلة دون التفريط فى شبر واحد او التنازل عن حبة رمل
لا احد يعلم حتى الآن شخص الرئيس احمدى نجاد سوى كونه من تيار المحافظين فى ايران الذين احيوا فيها فى الشهور السابقة اجواء الأمام الخمينى بثوريته وصموده العجيب وسباحته عكس التيار .. عاد احمدى نجاد الى الدرب الذى ولدت فيه ايران الأسلامية .. محطماً كل البروتوكولات الديبلوماسية والأعراف السياسة ، متجاهلاً المشهد الشهير للرئيس العراقى صدام حسين وهو يُسحب من الحفرة التى قيل انه مكث بها طوال الفترة التى اعقبت سقوط بغداد وحتى القبض عليه ، موحياً بأن ايران ليست العراق وان التصعيد بات سجالاً بين الطرفين المتربصين .. القطب الأساسى لمحور الشر " ايران " ، والشيطان الأعظم " امريكا
تطرح تلك الجملة القنبلة تساؤلاً هاماً عن ما يحدث فى ايران الآن ، ايران – الجمهورية الأسلامية – الصداع المزمن فى رأس امريكا ، الغلطة التى تعض اصابع الندم عليها منذ انفجار الثورة الأيرانية فى نهاية سبعينات القرن المنصرم- فى غفلة من العم سام الخارج تواً من آتون فيتنام - وحتى الآن ، وكانت الخسارة قاسية .. اقوى حلفاء امريكا فى المنطقة – الشاه المخلوع – وأحد اهم مصادر النفط لها بالمنطقة وكانت ان اعادت رسم سياستها بالمنطقة للتتحالف مع هذا ضد ذاك لتنقلب عليه بعد فترة .. محدثة حالة من التخبط والشك بين حكام المنطقة .. منتهية الى الوضع الراهن والشبيه بمباراة لكرة قدم .. تلعب فوق حقل الغام
ماذا يحدث فى ايران .. هل احمدى نجاد رجل احمق لا يدرى عاقبه ما يقوله .. ام انه رجل متشدد تغلى دمائه مما يجرى فى المنطقة بفعل اجهزة مخابرات الدول الكبرى واسرائيل وتخادل وخيانة الحكام العرب فانطلق يقول ما قال وبعناد اكثر يرفض استدراك ما حدث .. ام ان الأمر غير هذا .. وان ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل قد بات امراً واقعاً .. وان ايران فى سبيلها لدخول النادى النووى خلال فترة لا تتجاوز الشهور الستة ، وهو ما جعل رئيسها يملك من الجرأة على قول ما لا يستطع حاكم عربى ان يسر به لأقرب مستشاريه
هل تحاول ايران تخفيف الضغط عن سوريا ولبنان مستغلة الوضع السئ لأمريكا فى العراق .. وعدم قدرتها على اتخاذ خطوات تفتح ابواب للصراع فى جبهة اخرى .. خاصة اذا كانت تلك الجبهة هي ايران بشراستها القتالية المعروفة سلفاً .. وحدودها المتسعة والمفتوحة مع العراق ، الى جانب التأثير الدينى الشيعى المتبادل بين الجارين المتلاصقين وهو نوعاً من اللعب بالنار التى يدرك الطرفان ان خطأ واحداً كفيلاً بأشعال حرب عالمية ثالثة .. دون مبالغة
الأمر الذى يدعو للدهشة .. انه فى اقل من يومين على تصريح الرئيس الأيرانى القنبلة .. يأتى خطاب الشيخ حسن نصرالله .. الأمين العام لحزب الله .. ليس فقط ليعيد تكرار الجملة .. بل انها تصاغ كنشيد يردده الألوف من شباب حزب الله فى احتفالية هى الأكبر والأقوى لحزب الله بمناسبة يوم القدس العالمى – وهى المناسبة التى اطلقها الأمام الخومينى – فى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان .. لتمر ألوية وسرايا وكتائب حزب الله مخترقة شوارع الضاحية الجنوبية ببيروت .. معقل حزب الله بلبنان
لا يكتفى الشيخ حسن نصرالله بتصعيد الأمر مع اسرائيل فقط .. بل انه يفجر الأمر على كل الجبهات ، ليخرج منتقداً تقرير تيد لارسن المنسق المسئول عن تطبيق القرار 1559 الموجه اساساً لسوريا – والتى انسحبت بالفعل - والفصائل المسلحة بلبنان سواء كانت حزب الله او الفصائل الفلسطينية بمخيمات اللاجئين واللذان يبديان تحدياً سافراً للقرار الأمريكى اللابس ثوب قرار مجلس امن .. ليفتح بعدها الرجل النار ايضاً على تقرير ميليس القاضى الألمانى المسئول عن ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى .. مؤكداً مساندته لسوريا رافضاً وبشكل قاطع اى محاولة لنزع سلاح المقاومة الأسلامية فى الجنوب اللبنانى ، مهدداً بالرد وعدم السكوت
تبدو المنطقة كقطعة صفيح ساخن .. او قنبلة انتُزع فتيلها ولا احد يدرى متى ستنفجر ولا اين ستكون بداية الأنفجار والذى سوف تطال شظاياه اطرافاً عديدة بالمنطقة .. مهيأ جواً ومناخاً .. أقرب لأجواء حرب تدق طبولها الآن فى اكثر من مكان ، ولا زال السؤال هل حققت ايران امر الله بالفعل .. " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل * ترهبون به عدواً الله وعدوكم " أم انها محض عنتريات ما قتلت ذبابة كما قال يوماً نزار قبانى .ب

٢٠٠٥-١٠-٢٥

احداث محرم بك

أحداث محرم بك
تعيد الى الأذهان مرة اخرى القضية القديمة .. الحديثة .. المسلمين والأقباط فى مصر ، وبنفس منطق النعام يتعامل معها الجهاز الرسمى فى الدولة .. قبلات واحضان بين رجال الدين من هنا وهناك ، وتشنجات بأن الوحدة الوطنية فى مصر امر مفروغ منه .. وان ايدى خبيثة هى التى تثير الفتنة .. نفس منطق الأختباء من القضايا الشائكة وليس معالجتها
نعم .. هناك مشكلة حقيقية ، يجاهد رجال النظام فى مصر عدم التعرض لها .. ويعالجها رجال الدين من الطرفين بشكل ساذج اتقاء لفتح ملف من الملفات الساخنة التى يخشى من عواقبها , ولذا تبقى النار تحت الرماد دائماً متخوفين من لحظة الأنفجار متحاشين الحديث عنها بشكل مباشر

دعنا نلقى نظرة مثلاً حول بعض الأسئلة والمشكلات التى يتصدى لها علماء الدين المسلمين بالفتوى والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور للمخالفين والذين انتشرت فتاواهم عبر الفضائيات يتنقلون من قناة الى اخرى ، يحسبون انهم يحسنون صنعاً .. وهم اشبه بالقات والأفيون الذى يتعاطاه الشعب كى ينسى مشكلاته .. ولنلاحظ عينة من اسئلة توجه الى كبار علماء المسلمين لتوضح مدى انشغالنا بتوافه الأمور .. وهو امر ترجوه السلطة فى بلادنا من شعوبها لكن الغيرمبرر هو تصدى هؤلاء العلماء للرد على مثل تلك الأسئلة .. ولنقرأ مثلاً


ما حكم الوضوء على طلاء الأظافر ؟
ماحكم وضع احمر الشفاه بعد الوضوء ؟
ما حكم الزوجين الذين يتحدثان فى امور جنسية عبر الأنترنت ؟
ما حكم الزوجين عند سماع الأذان وهم فى حالة الجماع ؟
ما حكم الجماع والنور مضاء ؟
ما حكم الامام الذى يحدث حدثاً ( اكبر او اصغر ) اثناء الصلاة ؟
ما حكم وضع اليد عند الصلاة ؟ هل فوق الصرة ام اسفلها ؟
ما حكم رسم الحاجبين ؟

من الواضح ان الامر لا يخرج عن كونها سلوكيات وشكليات لا تعنى احداً مطلقاً ، بل انها لا تقدم ولا تأخر .. ولكنها الأفيون الذى يسمح للشعب بتعاطيه , ويسمح للعلماء بالأجابة عنه .. اتقاء لفتح باب اسئلة لا يجرؤ أئمة هذا العصر الأجابة عنها .. اذكر خطبة لأمام مسجدنا يوم الجمعة فى نفس الأسبوع الذى استشهد فيه الدكتور عبدالعزيز الرنتيسى كان موضوعها .. فضل قول " سبحان الله ... " ، الى هذا الحد ينفصل الخطاب الدينى عن ما يجرى حولنا من امور تشغل بال الشباب الخالى اصلاً من
اى قضية هامة تشغله .. فلا عمل ولا أمل

يخشى العلماء الأجابة عن اسئلة شائكة ، يكفى مجرد اثارتها لزجر صاحبها واعلان ردته


كيف يكون الأسلام دين ودنيا ؟ بخطاب مفصل علمى واضح لا لبس فيه ولا زجر ؟
الأسلام هو الحل .. كيف يكون ذلك ؟ ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً فى ظل متغيرات تدير رؤوس اعتى الرجال ؟
النص القرانى هل هو نص لكل المكان والزمان ام انه مرتبط بحدث وقتى " وهو ما تحدث عنه الدكتور نصر ابوزيد .. واعلنت ردته عن الأسلام؟ "
اذا كان النص القرانى لكل زمان ومكان .. نريد شرحاً واضحاً لا غموض فيه وبشكل بسيط لبعض ما نجده من امور تبدو فى ظاهرها متناقضة ؟
الحديث الشريف .. الى اى حد يجب الأعتماد عليه عند اطلاق الأحكام ؟
ماذا تعنى تطبيق الشريعة الأسلامية .. هل هى فقط حدود الردة .. الرجم وقطع اليد والجلد ؟
نعيب على اليهود انهم يقولون انهم شعب الله المختار .. الا نقول عن انفسنا " خير امة اخرجت للناس " ؟
كتب التفاسير العتيقة .. الى متى يجب ان تكون هى مرجعيتنا ؟ الا توجد تفاسير تلائم العصر باعتبار ان القران صالح لكل العصور ؟
التاريخ الأسلامى الممتلئ اموراً صاخبة وحروب طاحنة بين صحابة رسول الله .. الا يجب اعادة النظر فى قرأتها دون التسلح باحاديث لا يدرى احد مدى صحتها ؟
التعليم الدينى فى المدارس الذى بات قاصراً على بعض المدرسين ( مسلمين او مسيحيين ) من غير المتخصصين ؟ يلقنون الطلاب مناهج فى منتهى السخف والحمق ؟ ويفتون بأراء شخصية كفيلة بتدمير عقول الأطفال الذين يتلقون ذلك منهم ؟
الى متى يظل الدين اداة فى يد الحاكم يحرك بها الشعب كيف يشاء .. فتارة ابى ذر الغفارى زعيم الأشتراكيين ، وتارة اخرى عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كرأسماليين من الصحابة ؟
اين دور كلمة حق فى وجه امام ظالم ؟
الأزهر .. هل بات اليوم فعلاً هو مرجعيتنا الدينية الأساسية ؟

مئات من القضايا الشائكة التى يتجنب علماء الدين الحديث فيها ، خوفاً وطمعاً .. خوفاً من سيف المعز وطمعاً فى ذهبه

ان ما حدث فى محرم بك .. هو من اعراض امراض الحساسية المزمنة التى تصاب بها الشعوب فى عصور الأنحطاط .. فقط الحرية والعدل هما الكفيلين بالقضاء نهائياً على امراض الحساسية بين افراد الشعب الواحد .. واشهر الأمثلة التى نسوقها فى ذلك هما نموذج " عمر بن الخطاب" و" عمربن عبدالعزيز " لنقفز بعدها مئات السنين الى عصرنا الحالى فى اوربا وامريكا

هناك اخطاء ترتكب من كلا الطرفين ويصران عليها اشد الأصرار

لا زالت الدولة تصر على وضع خانة ( مسلم ومسيحى ) فى بطاقات الهوية .. وهو احد العوامل التى تثير مراكز الأستقبال لدى مصابى الحساسية الوطنية

لازال البعض يتشنج حين يرى احتفالاً دينياً مسيحياً عبر شاشات التليفزيون المصرى .. فين حين ان اشد المسلمين معصية وبعداً عن الدين لن يتأثر لما يحدث قط ولن ينجذب الى ما يحدث من طقوس

لازال بعض المسلمين يرى ان فى الأمر خطورة ان تبنى كنيسة هنا او دار عبادة مسيحية هناك .. وكأن دور العبادة تلك سوف تتخطف المواطنين وتجبرهم على اعتناق مالا يريدون .. او ان حملات تبشير مستمرة سوف تخرج شخصاً سوياً عن دينه

لازالت الكنيسة المصرية تصر على وضع الصليب على يد الأقباط .. وكأنها تخشى عليهم الذوبان فى نسيج المجتمع

لازال الأخوة الأقباط يتعاملون بنوع من الحذر الواضح والريبة تجاه كل ما هو مسلم .. اللهم الا بعض النخب التى تملؤها الثقة بنفسها
لازال الأخوة الأقباط مصرون على انهم ممنوعون من المناصب الحساسة فى الدولة .. ولا يرون ان كل المصريون ممنوعون منها .. اللهم الا من رحم ربى .. او كان له " ظهر" من اهل الثقة

لازال الأخوة الأقباط لا يفهمون ان التعصب جزء من التركيبة البشرية .. لم ولن تحل ابداً ..( داخل الأقباط بين ارثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ) ومشكلات الانجليز والايرلنديين .. خير دليل ايضاً على ان التعصب لا يفرق بين احد ، وداخل المسلمين انفسهم .. هناك تعصب اعمى بين طائقة وطائفة .. بل وداخل الطائفة نفسها هناك تعصب .. يراق على جوانبه الدم .. صعيد مصر خير دليل على ذلك .. وخلافات القبائل الصعيدية بين اشراف وعرب وغيرهم خير دليل على ان التعصب جزء من النفس البشرية تزكيه دائماً اجواء القمع والكبت .. وينمو فى بيئات تعانى امراض الحساسية المزمنة

لا زال الطرفين ( مسلمين ومسيحيين ) تنتفض اجسادهم وتنتفخ عروقهم عند سماع حالات انتقال من عقيدة الى اخرى .. وكأنها نهاية الكون وبداية فناء طائفة لحساب اخرى ، وينسون ان العقيدة الدينية اشد عمقاً وارسخ من مجرد افراد ينتقلون من هنا الى هناك والعكس .. فمن محمد على كلاى ومالكوم اكس الى وفاء قسطنطين اكاد اجزم ان اعتناق الأسلام كان هروباً من مشكلات لا اكثر .. وهو لم ولن يضيف الى المسلمين قد انملة .. فالمسلمين اكثر من مليار نسمة .. لن يؤثر عليهم سلباً او ايجاباً اعتناق الوف اخرين الأسلام .. فالأسلام فى غنى عن هؤلاء اذا كان الأمر هروباً لا اكثر .. وهو الأمر الذى يدعو للدهشة حين تشاهد الفرح الأحمق الذى ينتاب البعض عند اعلان اسلام هذا او تلك .. ان هذا لا يثبت للآخر ان الأسلام دين الحق .. فالأسلام لا يحتاج الى اثبات من احد ولا اثباتاً لأحد . نفس الأمر حين تنطلق اخباراً بأن فلاناً او علاناً ترك الأسلام .. فتجد جحافل من الغاضبين وكأن خروج شخص سيهدم الدين .. وكأن الأسلام كيان هش ينهار اذا ما تركه فرد او حتى ألوف الأشخاص .. ولننظر الى الملكة نازلى ( ام الملك فاروق ) التى اعتنقت المسيحية فى اواخر ايامها وماتت عليها .. هل اضير الأسلام فى شئ .. لماذا نخشى من شئ كهذا .. حسابها عند ربها هو اعلم بحالها الآن وهى تحاسب وحدها على اختيارها ايا كان .. نفس الأمر حدث مع سلمان رشدى .. الذى نادى الأمام الخومينى بهدر دمه .. جاعلاً منه .. شهيداً حياً ونموذجاً لقسوة المسلمين .. بالله ما الذى اضرنا كمسلمين من خروجه عن دينه ... وماذا فعلت اياته الشيطانية .. لا شئ مجرد ذرة غبار فى صفحة السماء الواسعة

لا زال الطرفين ( مسلمين ومسيحيين ) لا يدركون ابعاد الأمر ولا القدرة على رؤية الصورة من كل جوانبها .. المسلمون فى مصر اغلبية وتلك حقيقة لا اعتقد ان الزمان قادر على تغييرها .. حين تمارس الديموقراطية – وهو ما نصارع من اجله – فى مصر ، تبقى حقيقة مؤكدة وهو ان الأغلبية هى التى لها اليد العليا .. هكذا لعبة السياسة وهكذا تمارس فى كل دول العالم .. فلا ننتظر رئيساً مسلماً لأمريكا وبها 8 مليون مسلم .. لأن الأغلبية لن تقبل ذلك .. ويجب ان يقبل الأقباط تلك الحقيقة دون ممارسة ضغوط خارجية او داخلية .. او انتزاع اعتراف بحقوق لا تمنح قسراً .. لندع الأمر للعرض والطلب بلغة الأقتصاد .. ولنمارس نوعاً من الحرية فى الأعتقاد والأعلان عن هذا الأعتقاد .. ولنقبل النتائج دون الشعور بالخطر من قبل المسلمين او الأضطهاد من قبل الأقباط

افنى الشيخ احمد ديدات – رحمه الله – عمره ، فيما اظنه علم لا ينفع وجهل لا يضر .. فما الذى اضافه للأمة وللأسلام وللمسلمين انفسهم بمناظراته وكتبه التى تحاول اثبات خطأ ما يعتنقه الآخرون .. أرى ان كتاباً مثل " شبهات حول الأسلام " للمفكر الأسلامى محمد قطب .. هو اجمل الف مرة من كل عاش احمد ديدات له طوال عمره .. هو محاولة الرد على شبهات تثار حول الأسلام من صلب الأسلام وبردود قاطعة مقنعة لا مساس فيها لعقيدة اخرى .. فيما يجعل العمل نموذجاً للرقى والتسامح عند المخاصمة .. وهو ما يفعله الدكتور محمد عمارة وغيره من المفكرين الأسلاميين المعتدلين
مرة اخرى .. تبدو الكلمة السحرية .. الحرية .. والعدل .. هى العلاج الناجع لأمراض الحساسية المزمنة التى نعانى منها داخل الوطن ، فالعالم حولنا يشتعل من كل جانب .. وآخر ما نريده الآن ان تشتعل النار فى ملابسنا بأيدينا .. وسياسة فرق تسد التى مورست فى لبنان .. وتمارس فى العراق حالياً وفلسطين بين الأشقاء .. تبدو ظاهرة للعيان .. لا نريد حريقاً بداخل البيت فيكفينا ما نحن فيه .. نحن بحاجة للحفاظ على قوتنا من اجل معركة التغيير ومعركة البناء .. دعونا نتعامل كبشر .. ان يعتقد كلاً منا فيما يريده وبالشكل الذى يريد .. وان يحترم كلاً منا الآخر واختياراته .. ولتكن نتيجة اختياره هو امر متروك له شخصياً .. لنتفق ان العدل والحرية كفيلين فعلاً بالقضاء تماماً على مشكلات فرط الحساسية لدينا .. وقى الله مصر شر ابنائها

٢٠٠٥-١٠-١٦

مركز الأرض


يعقد
مركز الأرض لحقوق الأنسان
ورشة عمل حول
" المشاركة السياسية وانتخابات مجلس الشعب فى مصر "

يوم الجمعة 21/10/2005
فندق حورمحب 429 شارع الأهرام – الجيزة
للمعلومات : الأتصال / ت 025750470

المشاركين

منير فخرى عبدالنور – حزب الوفد
محمد عبدالعزيز شعبان – حزب التجمع
حمدين صباحى – حزب الكرامة العربية ( تحت التأسيس )ا
زينب الشيخ – الحزب الوطنى الديموقراطى
حافظ ابوسعده
نجاد برعى
د/ يسرى مصطفى

٢٠٠٥-١٠-١١

مصر .. بين ثلاث


هناك ثلاث اسماء فى مصر الآن يدور بينها صراعاً ضارياً .. كان هذا الصراع خافياً او معلناً .. كان بتخطيطهم او هم وجدوا انفسهم فى حالة الصراع بحكم تواجدهم فى زمن واحد وفى توقيت واحد مثير للجدل .. مسيل للعاب

عمرو الخالد ..( 38 عاماً ) الداعية الأسلامى الشاب ، مجدد الخطاب الدينى الذى تيبست اطرافه وثقل لسانه – الخطاب لا الرجل – عند ألف عام مضت ، ولازالت كتب التفسير والفقة الأشهر هى لأبن تيمية وابن كثير وابن القيم الجوزى وغيرهم ، لم يجدد احد هذا الخطاب ولم يعد احد التفسير طبقاً لظروف العصر ولازلنا نبيت ونصبح فى دوائر من الجدل الأحمق الامنتهى حول شرعية فوائد البنوك ، فالختان .. انتهاء بموضع اليد عند الصلاة وجواز مصافحة المرأة الأجنبية وهل ينقض احمر الشفاه الوضوء ام لا .. الى اخر ما شلغنا به انفسنا من توافه الأمور ، حتى من كان لهم فضل احداث تجديد فى الخطاب الدينى ، لم نستطع ان نُجمع عليهم .. بدءً بالأمام محمد عبده الذى ترفضه بعض الأطراف الأكثر تشدداً ، وانتهاء بكلاً من حسن البنا الذى اغتيل على يد الحرس الحديدى للملك فاروق ، وسيد قطب صاحب العملين الأشهرين " فى ظلال القرآن الكريم " ، " التصوير الفنى فى القرآن الكريم " الأضافة الأحدث فى مكتبة تفسير القران وبيان روعته .. وهو الذى اعدم فى عهد الرئيس عبدالناصر.
استطاع عمرو خالد .. ان يحدث وضعاً اشبه بالفيضان فى ارض كادت ان تجف وتموت نبتاتها ، كالغيث الذى ينزل على تائه فى صحراء لم يشرب الماء منذ ايام واشك على الهلاك .. واستطاع حشد الاف من المريدين والمعجبين فى اقل من خمس سنين ، وهو ما اثار مخاوف النظام فى مصر من تكرار ظاهرة حسن البنا والأخوان المسلمين الصداع الدائم فى رأس النظام المصرى .. وكان ان تعامل معه النظام بنفس العقلية البوليسية المستمدة من تاريخنا الفرعونى العتيد .. فبدء بالتضييق ثم المنع واشارات الأنذار الخفية التى ادت بالرجل الى الرحيل عن الوطن آثراً استكمال دعوته من لندن ولبنان وغيرها من الدول . ما احدثه عمرو خالد فى المجتمع المصرى وتأثيره على قطاع عريض من الشباب المصرى خاصة والعربى بشكل عام جعله مصدر خطر للعديد من الأطراف المحلية ولن اتجاوز القول اذا قلت وحتى الدولية .. ففى حديث تليفزيونى لعمرو خالد مع الصحفى " مجدى مهنا " ببرنامج " فى الممنوع " بقناة المحور ذكر – الصحفى – ان هناك تقريراً نشر فى صحيفة اسرائيلية يخلص الى ان " ضعوا اعينكم على هذا الرجل " وحرى بالقول أن كل حجراً يلقى فى مياهنا الراكدة ويحدث حركة من نوع ما .. هى تحت اعين الأصدقاء الأمريكان بحكم تواجدهم المستمر بين احضاننا فى مصر والعالم العربى كله
فى نفس الحديث التليفزيونى السابق .. ذكر عمرو خالد انه قرر الرجوع الى مصر والأستقرار بها بعد غياب ثلاث سنوات تقريباً قضاها بين لندن وبيروت .. لم يحدد عمرو خالد اسباب واضحة لعودته، قال بشكل غامض ان الوضع فى مصر تغير ومستمر فى التغير خاصة بعد الأنتخابات الرئاسية .. وهوما يطرح تساؤلاً عن دور " لجنة الحكم فى مصر " فى هذا الموضوع ، وهل اعضائها رجال الحرس الجديد ورأسهم " الأبن " خلف هذا الموضوع فى محاولة لأستقطاب واحتواء " ظاهرة عمرو خالد " ام ان الأمر له صلة بانفجارات لندن وتبعاتها ..وضغط جماعات الرأى فى اوربا من اجل اخراج العرب منها .. او ان الأمر يحمل ما هو اكثر من ذلك فى ظل حالة الترقب التى تعيشها مصر الآن .. والتطلعات الواضحة فى العيون .. نحو كرسى الحكم فى مصر ، وهو ما نفاه عمرو خالد بشدة فى نفس الحوار .. سنترك الأيام تجيب عن ذلك

جمال مبارك .. ( 41 عاماً ) " الأبن " كما يحلو لجرائد المعارضة والجرائد المستقلة ان تسميه ، زعيم الحرس الجدد بالحزب الوطنى الحاكم ، أمين لجنة السياسات بالحزب او ما تسمى بـ " لجنة الحكم فى مصر " ل
بات من المعلوم تماماً ان ان تلك اللجنة هى المسيطرة على مقدرات الأمور فى مصر ، وان شئت الدقة هى فى يد " مبارك " الأبن تحديداً دون منافسة تذكر .. كل خيوط مسرح العرائس تنتهى بيده ويوماً بعد يوماً تزداد قبضته شده على اطراف الخيوط .. كانت مصر الى نهاية التسعينات وتحديداً 1998 راكدة تماماً رموز النظام الكريهه واعمدته لازالت تسيطر تماماً على الوضع تغيير هنا وتغيير هناك ، كبش فداء هنا وآخر هناك لزوم تجميل الوجه العجوز القبيح ، الى ان ظهر جمال مبارك فى الصورة قبلها كنا فقط نعرف الأخ الأكبر " علاء " ونسمع عن حكاياته وشركاته ومزاحمته حتى لفرشة بائعة فجل فى اسواق الخميس ، الى ان عاد الأخ الأصغر بعد عشر سنين غياب فى اوروبا قضاها فى العمل فى بنوك اجنبية فى لندن وغيرها .. عاد يحمل جنسية انجليزية " السيدة سوزان مبارك نصف انجليزية فأمها بريطانية الميلاد والنشأة وهو امر مؤكد "يتحدث الأنجليزية بطلاقة ، يتكلم لغة السوق ، مؤمن بالأقتصاد الحر وكل آليات رأس المال وحركته .. عاد الى مصر يدخل رويداً الحياة العامة فى مصر من خلال استقطاب الشباب " يبدو اننا ملطشة لكى مغامر باحث عن الشهرة والسلطة فى هذه البلاد " من خلال جمعية " جيل المستقبل " لتنهمرآلاف المنح المجانية على الشباب المصرى لدراسة لغة العصر .. تكنولوجيا المعلومات .. ليملع اسمه فى اقل من سنة ويصل اعضاء الجمعية ايضاً للآلاف من الشباب الذى انبهر تماماً بالفكرة وانتظر فرص العمل التى وعدت بها " جمعية جيل المستقبل لشبابها " ..( ابحث الآن عن الجمعية وما تفعله .. لاشئ ، هى كانت مجرد خطوة دخول الى الحياة المصرية ..جس نبض واثبات الوجود) ،ب
من جمعية جيل المستقبل الى المجلس المصرى الأمريكى الى لجنة السياسات بالحزب تنقل "ابن" الرئيس .. الشئ المثير فى الأمر ان اعضاء مجلس ادارة الجمعية " حفنة من رجال المال والاقتصاد " هم اعضاء المجلس المصرى الأمريكى فاعضاء لجنة السياسات بالحزب .. ليصير منهم بعد ذلك 7 وزراء فى وزارات الكتلة الأقتصادية فى عهد احمد نظيف القادم هو ايضاً بإيعاز من الأبن الى الأب .. وتمتد بعد ذلك اذرع لجنة السياسات فى كل ركن من اركان صناعة القرار فى مصر بل وفى كل موقع يُعتقد ان له دوراً قادم .. الثقافة .. الأعلام .. الأقتصاد .. المالية .. التجارة .. الأستثمار .. وباتت بعض المناصب الحساسة هى الباقية .. الدفاع والجيش .. الخارجية .. الداخلية .. وهو ما سوف يتم حسمه فوراً بعد الانتخابات البرلمانية القادمة ( ويبدو انه يتم الأعداد لشخص مثل عمر سليمان القادم من الكواليس ليصبح رجل مبارك الأبن فى المؤسسة العسكرية ) تصبح بعدها مصر " اندركونترول " كما يقول ابراهيم عيسى فى جريدة الدستور، بعدها تصبح لجنة السياسات بالفعل هى لجنة الحكم فى مصر شئنا ام ابيناً .. ليأتى بعد ذلك الأعداد لأنتخابات رئاسية ( حرة ونزيهة وديموقراطية ) .. ويلبس المصريون " العمة " لثلاثين عاماً قادمة .. اذا اراد الله بنا السوء .. حفظ الله مصر من ذلك الكابوس

ايمن نور ( 40 عاماً ) نموذج لشاب الطموح هو محركه الأساسى .. سياسى من الطراز الأول تشعر حين تسمع حواراته بأنه قادر على المناورة بشكل بارع .. يتعمد محاوريه احراجه بأسئلة – يعتقدون انها قاتلة – ويفاجأون بردود ذكية وقدرة عجيبة على صياغة الأفكار .. شخصية كاريزمية .. استقطب اسماء لامعة بنفس درجة استقطابه للشباب ، نجح النظام فى القاء الغبار على صورته بأقاصيص العمالة والتمويل الأمريكى والتزوير .. فصدق العديد من الناس فى مصر تلك الروايات الساذجة .. لكن كاريزمته ليست فقط هى كل عوامل نجاحه ، فهو يقود تياراً معتدلاً يتحدث عن الحرية وتداول السلطة يحمل فكراً ليبرالياً هو الأنسب فى حالة النموذج المصرى والقادر على الخروج بها من عنق الزجاجة اللعين الذى بات يخنقنا يوماً بعد يوم ، هو بطل مؤثر فى مسرح الأحداث فى مصر الآن .. وُضع ايضاً تحت منظار كلاً من الأصدقاء الأمريكان وابناء العم فى اسرائيل .. فطموحه قادر على الوصول به يوماً الى كرسى العرش فى مصر ، هذا اذا لم يمت فجأة فى حادث سيارة قضاء وقدر ، هو منافس ليس بالسهل لمبارك الأبن خاصة بعد حالة الغزل الصريح التى مارسها معه الأمريكان وهو ما استغله النظام فى مصر ضده .. اذا قُدر لأيمن نور يوماً الوصول لكرسى الحكم فى مصر.. فأن اكثرما يخشى منه هو " حالة الفرعنة " داء المصريين العضال التى قد تصيبه وتحوله ايضاً الى فرعون لا موسى المنتظر ، وليس اقاويل من نوع عدم الخبرة ، علاقته بالأمريكان وغيرها

ان مشكلة سبعة الاف عاماً من العبودية والسخرة ، لن تحل بين عشية وضحاها .. تحتاج بعض الوقت وتحتاج الأهم من ذلك الى رجال حقيقين قادرين عن صياغة اسس لعلاقة صحية بين الحاكم والمحكومين .. لا مجال فيها للحديث عن الخليفة ، او قميص عثمان الذى ألبسه له الله ، او لوجوب طاعة الحاكم ولو كان فاسقاً الى كل ذلك من فتاوى أئمة السلطان .. لعنه هذا العصر .. ايضاً لا مجال فيها للحديث حول العروبة الجبرية وتوحيد قصرى لقطيع من الأغنام الشاردة فى كل اتجاه .. علاقة تكون اوضح ما فيها انه لا فرعون بعد اليوم .. لا خليفة بعد اليوم .. واننا بشر ننتقى افضل من فينا كى يقودنا فترة محددة بعدها يعود الى صفوف المشاهدين مرة اخرى ، علاقة يكون اهم ما فيها مصر أولاً .. فلن نستطيع ان نفعل شيئاً للعراق وفلسطين وسوريا والسودان وغيرهم ونحن فى حالة الكساح والشلل الحالية .. علينا ان نبدأ بأنفسنا أولاً ولتكن دولاً مثل ماليزيا ، كوريا ( جنوبها وشمالها ) ، الصين هى القدوة .. فى زمن لا مكان فيه للضعفاء والفقراء
تبدو الأيام القادمة اياماً ساخنة .. ويشهد المسرح السياسى المصرى حركة نشطة ( بين شعارات صناع الحياة ، وجيل المستقبل ، والغد )،لاندرى الى اين تحط بنا الرحال ، لكن الشئ الظاهر بقوة أننا سوف نستمر -كشعب - فى لعب دورنا الشهير .. كومبارس لزوم تظبيط النجم أيا كان صفته .. ثم جمهور من المصفقين لكل من يعتلى الخشبة .. متيمين بالحاكم الفرعون الآله شاكرين مسبحين له .. مهتمين أكثر بأمور جلل حول هل دخول الحمام بالقدم اليمنى سنة ام فرض ، وحكم ما اذا احدث الأمام حدثاً اكبر او اصغر !! .. حفظنا الله لحكامنا .. فلن يجدوا شعباً فى مثل بلاهتنا

٢٠٠٥-١٠-١٠

المسرح

فى واحدة من نوبات السفر عبر الخيال .. اغمضت عينى وتذكرت كلمة للفيلسوف الشهير برتراند راسل .. عن الحياة .. عن من يعيش الحياة وكيف يعيشها
تخيل انك - ودون ارادتك - وجدت نفسك فى قاعة مسرح ضخم مدعواً للمشاركة فى حدث ممتد .. شئت ام ابيت .. هو ممتد الى آخر لحظة فى عمرك
تخيل ان القاعة مغلقة .. لا سبيل للخروج منها إلا بأرداة لست تراها ولا تملك ان تطلب منها الخروج .. فقط حين يحين ميعاد خروجك
بدأ العرض او بمعنى أدق .. بدأت انت تدرك ان العرض بدأ.. قبل دخولك ، منذ فترة طويلة
المكان مزدحم .. ممتلئ بالبشر .. ليس هناك حداً فاصلاً بين الممثلين والمشاهدين .. الأضاءة خافتة حيناً .. ومبهرة احياناً اخرى ..
المؤثرات الصوتية .. تحيطك من كل جانب .. القليل من الوقت , وتلاحظ بالفعل ان لا حدود بين المشاهدين ومن على خشبة المسرح .. يختفى البعض فجأة .. دون ان يدرى احد .. يسمح بالخروج من المكان لمن جاء دور خروجه .. والأرادة التى لست تراها هى من تقرر ذلك .. يختلط الحابل بالنابل ، فالمشاهدين على خشبة المسرح .. ومن كانوا على الخشبة ابطالاً للرواية .. فجأة تحولوا الى مشاهدين ، او ممثلين ثانويين ، او خلف الكواليس يؤدون ادواراً لا يراها الكثير من الحاضرين
المكان صار صاخباً .. مزدحماً .. كريهاً .. اصواتاً مزعجة .. انفجارات .. مشاهد حرب .. لون دماء .. بشر من كل الألوان .. لا تعرف هل هم فى حالة ضحك ام بكاء .. تجد من كان يلعب دور الصديق منذ دقائق صار الآن فى مشهد العدو .. يحمل خنجراً خلف ظهرة وابتسامة عذبة فوق شفتيه ينتظر اللحظة الحاسمة
ممثلون يرفعون كتب سماوية .. وآخرون يحملون السيوف .. الجو يزداد سخونة ورطوبة .. ورائحة عرق وبارود تفوح فى الجو
فجأة ترى عائلتك فى احد الأركان البعيدة .. جزء من حالة التمثيل التجريبيى الذى يجرى امامك .. حيث الجمهور هو البطل .. وحيث كل المكان هو قاعة العرض وخشبة المسرح
احدهم .. يمسك اخاك فى ركن .. وقد اشبعه ضرباً حتى تشعر ان روحه توشك ان تزهق
ابن عمك .. ترى وجه تحت جنزير مدرعة اشبه بمدرعات الحرب وقد انفجرت رأسه .. وصار جسده اشلاء
اختك .. امك .. بنات عائلتك مربوطون الى حبل واحد فى انتظار مصيرهم الذى تخشى ان يكون هو ما تفكر فيه
تقف مذهولاً .. لاتدرى اهذا الذى يحدث .. جداً ام هزلاً
اتشاهد عرضاً تمثيلاً تجريباً .. لا حواجز بين مكونات العرض .. ام انك فى حلم تريد الأستيقاظ منه ولا تستطيع
تخيل كل ذلك .. وحاول ان تجيبنى
هل تستطيع فى وسط هذا العرض ان تغلق عينيك وتنام ؟
هل تملك القدرة ان تغمض عينيك وتضع رأسك على ظهر الكرسى الذى تجلس عليه مسترخياً وتقول .. هو عرض مسرحى لا اكثر له مخرج يديره .. هو بدأه وهو الأقدر على انهائه ؟
هل تسطيع حقاً ان لا تتأثر بما يحدث حولك ؟
هل تستطيع ان تنسلخ من هذا كله ، وتخرج مسبحتك وتتلو اذكارك ضارباً عرض الحائط بما يحدث ؟
هل يستطيع عقلك محو صورة اخيك وابن عمك من هذا المشهد - وتحمدالله على سلامتك ؟
ماذا عن بنات عائلتك اللائى تراهن اقرب الى السبى منهن الى الحرية ؟
هل تستطيع السكون فى انتظار ان يأتى دورك - حين ارادة القوة الخفية - كى تخرج من العرض الى حيث لا تدرى ؟
هل تستطيع ان تنام هكذا بكل يسر فى نفس مكان العرض هذا ؟
يبدو المكان كريهاً .. لكنك غير مخير فى البقاء او الذهاب .. انت ملزم ان تظل الى ان يحين ميعاد خروجك
اشعر بالاختناق لفكرة تواجدى فى مثل هذا المكان
اود الخروج .. ولا استطيع
اود النوم .. لكنه مستحيل
اود الصراخ .. لكن لا حنجرة لى
اود ان افعل شيئاً كى اوقف هذا الألم
اكتشف انى مقعد
مشلول

٢٠٠٥-١٠-٠٩

ايلول

ايلول .. سبتمبر رحل هذا الشهر منذ ايام .. له فى التاريخ العربى ايام لا تنسى

سبتمبر 1969 .. قتالاً طاحناً بين الجيش الأردنى والحركات الفلسطينية بالأردن .. ومئات الشهداء ، فيما سمي باحداث ايلول الأسود ودماء الأشقاء العرب تسيل بيد بعضهم البعض
سبتمبر 1970 .. وفاة عبدالناصر .. على الرغم من اخطائه وتجاوزات حدثت فى عهده يبقى الرئيس المصرى الأكثر حرصاً على الناس .. البسطاء منهم
سبتمبر 1981 .. السادات يعتقل المئات من النخبة المصرية .. من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ، لتكون القشة التى قصمت ظهر البعير وبعدها بأيام فى السادس من اكتوبر.. يسقط مقتولاً فى قمة مجده وابهته
سبتمبر 1991 .. العراق تم الأجهاز عليه وفرض عقوبات تستمر احد عشر عاماً تالية ..
سبتمبر 2001 .. امريكا تحت الهجوم .. وبداية الحملة الصليبية الثامنة .. حرباً لا هوادة فيها على الأرهاب الأسلامى
سبتمبر 2005 يقسم مبارك للمرة الخامسة على صيانة الدستور والحفاظ على الوطن ..
يبدو ان ايلول هذا يزداد سواداً كل عام ..
ترى ماذا يخبئ لنا ايلول القادم .. واى سبتمبر سيكون عليه عام 2006 ..
اذا قدر لنا العيش لهذا التاريخ
سنرى

حائر


استيقظ مثقلاً صباحاً .. كعادتى .. ارتدى ملابسى فى عجالة .. واشرب اخر رشفة من كوب الشاى الساخن .. اسمع كلاكس السيارة فى الخارج .. احمل شنطتى ، سلسلة مفاتيحى ، نظارتى .. واخرج ، نفحة من هواء الصباح تجعلنى اطرد بقايا النوم من رأسى .. ذلك الرأس الذى لا يريد ان يهدأ .. ولا يريد لصاحبه ان يهدأ ..اول ايام شهر رمضان غداً ..تبدو السعادة على وجوه الناس والكل ينادى الآخر .. كل عام وانت بخير
وانا ابدو كما انا.. لا سعيد ولا حزين .. لا شقى ولا مرتاح .. لا ارتاح للشك ولا املك اليقين .. دائماً اعيش فى تلك المنطقة .. البين بين ، كثيراً ما تساءلت عما اريده حقاً .. ولماذا اشعر طوال الوقت بنوع من الحنق والغضب .. الذى قد يكون مبرراً احياناً .. واحياناً اكثر غير مبرر .. سمعت الكثير من النصائح .. الكثير والكثير من التحليل .. ذهبت اسأل شيخ الجامع .. الصديق القريب .. والدتى .. بحثت عبر الأنترنت .. حاورت اناس لا اعرفهم .. فى برامج الفضائيات المتعددة .. بين الكتب .. لم اجد اجابة شافية .. او انى وجدت ومع ذلك وجدتنى غير قادر على ممارسة اطروحاتهم المختلفة .. وتبدو الكلمة الأنسب .. هى لا اعلم ، تختلف الأراء حسب كل خلفية للمتحدث .. كل يصف الدواء من وجهة نظره .. ومن زاويته ..من يحمل تراثاً قوياً من الثقافة الدينية .. يجزم ان الدين هو الحل .. ان الأسلام هو الحل .. يلقى الكلمة هكذا دون تفسير او شرح وبيقين احسده عليه .. حين ابدأ فى مناقشة الأمر معه .. وطرح اسئلة من نوعية كيف ولماذا .. يبدأ صبره فى النفاد .. والنظر تجاهى بشك عظيم .. ولسان حاله يقول .. زنديق ..لا يقبل من يتحدثون باسم الدين اسئلة محرجة .. واستفسار حول تناقض واضح تراه من وجه نظرك – ولا يجيبك احد عليه .. لا اتحدث عن الفقه والعبادات .. اتحدث عن تاريخنا الأسلامى الممتلئ اموراً جلل .. يكفى الحديث فى احداها لاعلان حالة الاستنفار .. واعلان ان بين الجموع مهرطقاً او زنديقاً .. سمعت جملة يقول مرددها انها حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم .. لم افهمها جيداً .. وبشكل ادق .. لم استسغيها ولم يقبلها عقلى بسهولة .. ساقنا الحديث نحو مفهوم الحديث الصحيح .. والى اى حد هو صحيح .. كان اخر سؤال سألته لصاحبنا .. أليس الأمام البخارى ومسلم .. صاحبى الصحيحين .. بشراً .. أليس كل البشر يخطئ مهما بلغت دقته .. لاسيما ان بين الأمامين وبين قائل الحديث – صلى الله عليه وسلم – اذا صح نسبه له عليه السلام .. اكثر من مائتى عام .. اكفهر وجه صاحبى وكأنى نطقت كفراً .. دعا لى بالهداية وقراءة القرآن وتْرك ما اقرأه من كتب .. ابتسمت ولم اجب
مساءاً .. القيت رأسى على وسادتى ابحث عن النوم .. جافانى قليلاً .. قررت استكمال قرأتى لكتاب " لا تحزن " للدكتور عائض القرنى .. احب هذا الكتاب .. يثير فى حالة من السكينة لكنها وبكل اسف .. اشبه بقرص الأسبرين .. يزيل الألم .. مؤقتاً .. يعود بعدها الألم مرة اخرى ومرات .. يفعل بى الكتاب فعل المسكن .. الرضا .. الزهد .. القضاء والقدر .. الأيمان .. اليقين .. يا شيخى الفاضل .. لوكنت املك القدر الكافى من كل ذلك ما احتجت كتابك ..
يعود السؤال بألحاح اقرب للصداع المزمن .. لماذا اشعر بالغضب .. لماذا كلما جلست الى نفسى قليلاً .. شعرت بنفس حالة الحنق والقلق .. اتأمل كثيراً فى الوجوه اللامعة المغسولة فى برامج الفضائيات .. الضحكات الصاخبة .. والعيون اللامعة .. والرقص الهستيرى .. هل تراها صادقة فى ذلك .. هل هم سعداء حقاً .. لا اعلم ، كنت قد رددت قبل فترة على صديق ارسل عبر مجموعتنا البريدية .. حول لماذا يفكر البعض فى الأنتحار .. اجبته ساعتها .. بما اود ان اقوله لنفسى .. وبما اود ان انصح به نفسى .. كان حديثى موجهاً لى اولاً .. وله ثانياً .. اعلم انه كان مبالغاً فى سؤاله .. ففكرة الموت هرباً .. تبدو سخيفه لأقصى حد .. فالتحدى فى ان تعيش وتحارب من اجل ما تريد .. فقط تبدو المشكلة فيما تريده تحديداً .. ولأى جبهة تنحاز .. وأى معركة تحارب.. وتبدو فى الأفق صورة " دون كيشوت " لسيرفانتس .. كنموذج لما يمكن ان تكون عليه العيش فى حالة المعركة .. المعركة الخطأ
الخطاب الدينى .. غير شافى .. خطاب رسمى .. متعالى يعيش فى ابراجه العاجية .. والأزهر رأس المؤسسة الدينية فى مصر فقدت الكثير من مصداقيتها .. واصبح على رأسها شيخ المبايعين الذى ما ان ارى ابتسامته الباهتة وطريقه كلامه .. الا وانتابتنى موجه من موجات الضحك .. وشعرت بأنى أمام ممثلاً يؤدى دور شيخ فى مشهد هزلى .. حتى عمرو خالد .. من جدد قليلاً فى اسلوب الخطاب ونوعيته .. اجدنى لا اتفق مع بعض مقولاته .. فلا افهم كيف يمكن ان يتحقق العدل فى الأرض فقط اذا ما وصل المصلون فى صلاة الفجرالى نفس عدد مصلين صلاة الجمعة مثلاً .. هب ان هذا لم يحدث .. الا نبحث عن العدل بطريقة اخرى .. الا نفكر بأن ننتزع هذا الحق بأيدينا .. لا اعلم
حزب الغد .. فى دائرة الصراع الداخلى .. اشتعلت الحرب الأهلية بين جنباته .. اشعر بأنى اسمع صوت ضحكات صفوت الشريف خلف الكواليس .. ترى هل ستقوم للحزب قائمة ام تراه دخل مقبرة الأحزاب بين رفاقه .. مصر الفتاه .. العمل .. الأحرار .. الوفاق .. العدالة الأجتماعية .. لا اعلم
احمد الفيشاوى .. قفز هذا الأسم الى ذهنى فجأة .. هدأت زوبعة قضيته .. او تراجعت بفعل مسرحيات اشد تشويقاً كانت تمر بها مصر خلال الأشهر السابقة .. واتوقع ان تعود القضية الى الأضواء قريباً .. فلابد من شغل قطعان البشر فى مصر بقطعة لبان يلوكها الفم .. ويشغلون بها انفسهم .. بعد انفضاض مولد الديموقراطية والمهلبية .. واعلان المبايعة للأب والأبن والروح القدس .. يقفز اسم احمد الفيشاوى الى ذهنى .. واتأمل حاله وحال رفيقته او زوجته او صديقته او عشيقته .. هند الحناوى .. شباب نادى البعض برجمهم .. واخرون بصلبهم .. وقليل بشنقهم .. وانقسم الناس بين فريقين .. ذكورى وانثوى .. حناوى وفيشاوى .. وانفجر الوضع بين المنادين بحقوق المرأة .. والمنادين بحقوق المجتمع والدين والناس ..الفيشاوى وحناوى .. كلاهما فى سلة واحدة .. كلاهما مفعول به .. كلاهما ظالم وكلاهما مظلوم .. ظالم لنفسه .. ومظلوم من كل الأوضاع السيئة التى حولنا .. هم ليسوا بالقطع نموذجاً للشباب المصرى .. لكنهم – وبلا مبالغة – يمثلون حالة التشتت واللافهم التى يعانى منها مجتمعنا .. واقصد تحديداً شبابنا ..." نحن" ، تضج المجتمعات العربية بصراع مكتوم .. انفجر مع انفجار ثورة المعلومات والاتصالات .. فقد انكشفت ورقة التوت التى كانت تستر عوراتنا ... وانكسرت قشرة البندق الرقيقة التى كنا نحتمى بها .. وكما يحترق مصاصو الدماء فى الروايات الأسطورية عند تعرضهم لضوء الشمس المباشر .. احترقنا نحن عند تعرضنا لأشعة الثقافة الوافدة من كل صوب وحدب تجاهنا .. وثار السؤال الأصعب .. من نحن .. ولأى اتجاه نسير .. لا اعلم
يقف الشاب العربى .. غنيه وفقيره .. شرقيه وغربيه .. شاميه ويمنيه ... مشدوداً بين اتجاهين مختلفين كل يجذب فى اتجاه وبقسوة وعنف لا تقوى اجسادهم على احتمالها .. اتجاه يجذب تجاه الشرق .. يمثله جيل الأباء من عاشوا ثقافة الأنغلاق .. اتجاه ولى شبابه .. ويعيش كهولته ويطلب منا ان نعيش شبابنا فى كهولتهم .. وينادى بقيم الدين وثقافة الشرق .. كغلاف .. بيوت عنكبوت .. يطلب منا العفة والفضيلة .. والصوم الجبرى دون ارادتنا فى عالم باتت فيه ثقافة التيك اواى ثقافة الجيل بلا منازع .. يطلبون منا الرضا والقناعة وقبول القضاء والقدر .. يطلبون منا انتظار الثواب فى الحياة الآخرة .. وحولنا لا يرتفع الى عنان السماء الا كل قواد او عاهرة .. فى كل مجالاتنا فالقوادة والعهر السياسى والأجتماعى والثقافى .. اشد وطأ من العهر والقوادة بمعناها الحرفى .. يطلبون منا ان نعلب دور الشيخ .. فى فيلم بورنو .. وهو الشذوذ بعينه..واتجاه آخر يجذب وبنفس القسوة فى الاتجاه المضاد .. يحمل معنى براقاً جذاباً .. الحرية .. التمرد .. وهما وقود حياة الشباب .. اتجاه يحمل قيماً مضادة لكل قيم القبيلة وثقافة القبيلة التى نشأنا عليها .. اتجاه يدعوك لأن تعيش الحياة الدنيا .. ان تتحرر من الشرق وعقده ومشكلاته وثقافته المزدوجة .. التى تغفر لك ان تمارس فى السر ما لا تغفره لك علانية .. ثقافة النعامة التى ما ان تشعر بالفزع حتى تدفن رأسها بالرمال .. فالمهم ليس حجم الخطر ولا مدى اقترابه .. ولا مدى تأثيره .. الأهم .. عدم رؤيته .. ثقافة تقتحم حياتنا بقوة وبعنف .. تتسلل كالهواء .. تستنشقه آلياً ايا كان ما يحمله .. ثقافة تدخل كالشمس مهما حاولت ان تستظل منها فسوف تشعر بحرارتها ولهيبها .. ثقافة تهاجم بقوة .. وانت لا تمتلك وسيلة دفاع .. اللهم الا احاديث الماضى السحيق .. واحلام حول عدالة ابن الخطاب .. ونزاهة بن عبدالعزيز.. وهكذا نتوه .. كما تاه الفيشاوى- الحناوى .. بين اتجاهين .. اتجاه يجذبنا نحو ماضينا وسلفنا يدعونا للآخرة وحسن المآب .. ويسلحنا بالعصى والحراب واوراق التوت .. واتجاه يجذب بقوة طاغية نحو الأتجاه المضاد .. يدعوك للحياة .. للحرية .. للثورة على كل تابوهات الشرق البائس .. ومع ذلك لا نملك ادواته ... ولا نعرف كيف الحصول عليها .. ينغص علينا استمتاعنا – اذا ما اردنا الأستمتاع بها – الجذب القادم من الأتجاه الآخر .. وقيود نشأتنا وما تربينا عليه .. ابدو غير مدرك لما اقول .. غير قادر على صياغة افكارى .. ربما حيرتى بين الأتجاهين هى السبب .. واحد اسباب قلقى عدم قدرتى على حسم المعركة بينهما .. واعتقد ان كلا من الفيشاوى والحناوى .. عانا من نفس المعضلة .. لا اعلم
اود ان استسلم للنوم منذ اللحظة الاولى التى اضع فيها رأسى على الوسادة.. اود ان يكفى رأسى عن الغليان .. أود ان لا افكر فى شئ .. ان لا اهتم بشئ .. تزداد الأمور صعوبة مع الوقت ، هل الحل ان لا اعرف .. ان اكف عن القراءة .. مشاهدة الأخبار .. ان انكفئ على ذاتى .. سأحاول .. لعلى استطيع النوم

٢٠٠٥-١٠-٠٢

بين المطرقة والسندان

اذاعت قناة الحرة الأمريكية- الناطقة باللغة العربية - برنامجاً حول الوضع فى العراق اسم البرنامج " بين جيلين " وكما يتضح من اسم البرنامج فأن المعنى واضح ، الوضع فى العراق بين جيلين ويمكننا بسهولة ودون تردد ان نعمم التسمية لتصبح بين جيلين ليس فى العراق فقط بل فى كل انحاء الوطن العربى بل وفى العالم اجمع فى ظل استفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمقدرات العالم وحدها.
المشكلة الحقيقية فى أن ما اذاعته القناة فى برنامجها كان فظيعاً لأقصى درجة جعلت حتى المشاركين بالبرنامج من ذوى الميول المعتدلة فى حالة من الوجوم والصدمة لدقائق عدة بعد ذلك ..
اذاعت القناة مشهداً مطولاً لعملية ذبح ثلاث من الشباب العراقيين ليس على أيدى الجماعات المسلحة الموجودة الآن فى العراق ، لكنها لتنظيم ما كان يعرف باسم " فدائيو صدام " – ويبدو الهدف واضحاً وهو الإيحاء بمقارنة من نوع ما بين الفصيلين السابق والحالى ممن يحترفون قطع الروؤس – تم ذلك وفق تسجيل شريط الفيديو فى ديسمبر 1998.
كانت العملية برمتها فى منتهى الشراسة والقسوة فهى لم تكن اعداماً بالمعنى المعروف – كان الوضع اشبه بأفراد من آكلى لحوم البشر فى انتظار ضحيتهم .. فالمشاركين فى التنفيذ كانوا بالعشرات من حاملى السلاح والمتشحين بالسواد بعضهم ملثم والآخر سافر الوجه تبدو على وجههم علامات التلذذ بما يفعلون ينشدون جميعاً نشيداً حماسياً تظهر فيه بوضوح اسماء صدام حسين العديدة .. والضحايا شباب عراقى أيديهم خلف ظهورهم مكبلين ومعصوبى العينين ..
ليتم بعد ذلك وفى مشهد اصرت القناة وقبل منها كاميرا التصوير ان يبدوا فى منتهى الوضوح وبقسوة لا يتصف بها آدمى يحمل بين جنباته قلباً او روحاً تخاف يوم الحساب تم قطع ألسنة هولاء الثلاثة واحداً تلو الآخر ويتركوا لينزفوا بضع دقائق بعدها تقطع الرؤوس ذبحاً بالسيف .. وينفجر مرة أخرى الصياح والرقص والصخب الهيستيرى وكأن المنفذين قد اعدموا الشيطان او احد اتباعه وليس شباباً عراقياً عربياً يحمل نفس دماء ولغة وربما دين جلاديه وتجول الكاميرا بين الأجسام الثلاثة فى مشهد يصعب على العقل البشرى تقبله .. لأجسام بشرية بلا رؤوس .
لينتقل المشهد بعد ذلك الى مجموعة من رؤساء العشائر العراقية واقفين يشهدون ما جرى فى حالة من الصمت الذى لا تدرى سببه فعلاً .. هل هو موافقة لما حدث .. أم هو الرعب ألجم العقول قبل الألسنة وجعل كبيرهم يفكر ألف مرة قبل ان يتحرك لسانه داخل فمه بكلمة امام هؤلاء الوحوش !! وهو الأسلوب الذى اتبعه صدام حسين فى حكمه للشعب العراقى طوال الثلاثين عاماً الماضية .
كان تسجيل الشريط كما تذكر القناة ويذكر الشريط نفسه هو توثيق تنفيذ حكم الأعدام على " الأشقياء الثلاثة " من الشباب العراقى وارساله الى قيادة منظمة " فدائيو صدام " تأكيداً للحدث وتسجيلاً له.
لم يتم ذكر سبب الذبح والأعدام لهولاء الثلاثة .. بل تركت القناة الأمر لخيال المشاهد العربى .. ليقارن بين ما يحدث الآن فى العراق من عمليات مماثلة وبين ما شاهدوه .. فى محاولة لوصم المقاومة العراقية بأنها من تدبيرأفراد النظام السابق .. نفس مرتكبى عملية الذبح من " فدائيو صدام " وغيرهم .
ويبقى السؤال .. الى متى سوف يظل المواطن العربى مطحوناً بين المطرقة والسندان
بين مطرقة انظمة حكم من نفس الدم واللغة والدين لكنها اكثر شراسة ووحشية من العدو الحقيقيى .. ولتشهد العراق فى الشريط السابق .. ومصر فى قضايا ايمن نورو عبدالعزيز مخيون و عبدالهادى قنديل وغيرهم .. وليبيا واليمن والسعودية وسوريا ولبنان ...
وسندان التدخل الأجنبى بتجاوزاته فى ابوغريب والبصرة وجوانتانموا والتى على قسوتها وشذوذها – نجحت القناة فى ان تجعله رحمة – الى جوار ما يحدث بيد الأخ والقائد والزعيم وكل من سُلط على رقابنا .
لا نملك الأ ان نصرخ الى الله عز وجل ..
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا ..

٢٠٠٥-٠٩-٢٩

الكرامة


استيقظت صباح ذلك اليوم ألملم ملابسى المتناثرة فى غرفة الفندق الذى قضيت فيه ليلتين بأحدى محافظات وسط الصعيد فى مهمة عمل ، انهى حساباتى بالفندق اخرج مكملاً مهمتى فى قرى تلك المحافظة ، لم اشعر يوماً بالتيه أو السعادة بأقامتى فى الفنادق الفاخرة التى تتيحها وظيفتى ، كنت كثيراً ما اراه اسرافاً فى غير محله فى وطن يعيش ثلث سكانه بين القبور والعشوائيات ، والأكثر سخرية هو انى انتمى لمكان يعمل من اجل الفقراء
تنفست الصعداء حين تمت مهمتى بنجاح ، وشعرت بنوع من الراحة وانا وادع من كان معى فى مهمة العمل بعد ان شعرت بالرضا فى عيون الكثير منهم ، تحرك القطار صوب جنوب الصعيد مكملاً الرحلة الى حيث نقيم ، كنت قد نزلت فى محطة فى منتصف الطريق حيث جامعتى التى ادرس بها دراساتى العليا ، الحركة كثيفة على رصيف المحطة وبداخلها ألوان من البشر تجئ وتذهب ، طلاب جامعيون فى شلل متفرقة .. شباب وبنات .. اكثر انفتاحاً مما كنا على الرغم من مرور عشر سنين فقط منذ تخرجت من كليتى
توجهت لا شعوريا وبحكم العادة الى احد اركان المحطة حيث يوجد بائع الصحف ، جلت بنظرى حول الكم الهائل من الصحف المتراصة وتصفحت عناوينها ، كنت قد توقفت منذ فترة طويلة عن قراءة ما يعرف باسم الجرائد الحكومية فلا اهرام او اخبار او جمهورية فقد اصبحت تلك الصحف احد رموز الفساد فى هذا الزمن المبارك
كنت – ولازلت – أفخر بأنى امتلك الأعداد الأولى من بعض الجرائد الحزبية والمستقلة والتى ساهمت بشكل فعال فى خلق حالة الرفض والتمرد لدى قطاع عريض من قرائها ، منذ جريدة الدستور فى اصداراتها الأولى فى عام 1996 ، والعدد الأول من الأصدار الثانى لهذا العام بعد بضعة اعوام من الغلق ، صوت الأمة لعادل حمودة اولاً ثم لأبراهيم عيسى ، الفجر لعادل حمودة ، الغد الصادرة عن حزب الغد ، الأسبوع .. وغيرها . كان شيئاً رائعاً هذا الكم الهائل من الصحف التى تسيرعكس الأتجاه .. الأتجاه الرسمى للدولة ، لكنها تسير مع الناس واليهم ولهذا ذاع صيتها وانتشرت بين ايدى الشباب يجدون فيها متنفساً لحريتهم بعد ان بات منع تلك الصحف امراً لا تستطيعه الدوله .. فأغلبها صحف صدرت بحكم قضائى رغم انف الدولة نفسها
لمحت بين هذا الكم من الصحف غثه وسمينه ،جريدة اخرى .. اثار انتباهى اليها ان صدر صفحتها الأولى يحمل اسمها المكون من كلمة واحدة بشكل واضح يمتلئ قوة ، لم استطع تبين اسم الصحيفة جيداً فقد كان المكان مزدحماً قليلاً وانا اقف فى وضع تبدو فيه الصحيفة بشكل مقلوب من ناحيتى .. زاحمت قليلاً حتى امسكت عدداً .. وقرأت اسم الصحيفة .. الكرامة .. ولشد ما كانت سعادتى ودهشتى فى آن واحد ، سعادتى وانا ألمح اسم " حمدين صباحى " رئيساً لتحرير الصحيفة بعد حرب شرسة مع اشاوسة الحكومة لمدة ثمانى سنوات حتى صدور حكم القضاء بالموافقة على اشهار الجريدة " كجريدة مستقلة " ، ودهشتى من غباء رجال السلطة فى مصر فعصر المنع قد انتهى وها هو نصر آخر يضاف الى الى جبهة التغيير فى حرب التغيير . والشئ المؤكد – والذى بات مسألة وقت – ان القضاء ايضاً فى طريقه لإصدار قرار بالموافقة على انشاء حزب " الكرامة العربية " ذا التوجه القومى الناصرى ، ثانى احزاب جبهة التغيير الشابة فى هذا الوطن بعد حزب " الغد " الليبرالى ، وايضاً من المؤكد ان حزب " الوسط " ذو التوجه الأسلامى والمنشق عن الأخوان المسلمين بات قرار انشائه مسألة وقت ايضاً
حزب الغد .. الوارث تيار الليبرالية من حزب الوفد العجوز .. على الرغم من مشاكله لازال امل الكثير من الناس ، حزب الكرامة .. القادم الى الصورة قريباً .. والوارث تيار القومية العربية من افيال الحزب العربى الناصرى
حزب الوسط ... الوريث الشرعى والمعتدل لتيار الأخوان المسلمين
الى جانب الحركات المستقلة التى تنصهر فيها رموز وشباب من كل الأتجاهات باتت تموج بفورة الغضب ..
ويبدو ان نبؤة محمود درويش الشاعر الفلسطينى .. تتحقق وتنتقل فورات الغضب من قلب الغضب فى فلسطين الى الأم .. مصر ، بعد طول جمود وتجمد وتبدو كلماته القوية فى قصيدته الرائعة " انا عربى " ايذاناً بحالة ميلاد جديد.
سجل انا عربى
صبور فى بلاد كل ما فيها يموج بفورة الغضب
ابى من اسرة المحراث لا من سادة نجب
وجدى كان فلاحاً
يعلمنى شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
وبيتى كوخ ناطورمن الأعواد والقصب
فهل ترضيك منزلتى
اذن سجل فى الصفحة الأولى
انا لا أكره الناس ولا اسطو على احد
لكنى اذا ما جعت اكل لحم مغتصبى
حذار من جوعى ومن غضبى
حذار من جوعى ومن غضبى

تبدو الصورة اكثر اشراقاً .. وتبدو حركة مستمرة فى الأفق .. ضعيفة لكنها مستمرة فى مياه راكدة منذ سنين ، ويبدو ان الوطن يستيقظ من سباته الطويل ، لكنه اكثر شباباً .. وقوه .. أكثر غضباً وجرأة ..
ادفع جنيهاً ونصف ثمن الجريدة .. وارفعها الى اعلى قليلاً .. واقراء صدر صفحتها الأولى ..
التاريخ .. الثلاثاء 27 سبتمبر 2005 .. يوم حلف الرئيس مبارك اليمين الدستورية للمرة الخامسة
المانشت الرئيسى .. نقسم بالله العظيم ألا يرثنا جمال مبارك
السنة الاولى .. العدد الأول
اسم الجريدة ..
الكرامة