٢٠٠٥-١٢-٢٧

الثالوث .. والحرية ( 3) 0


الدين ... ه

اغمض عينيك وارجع كرسيك الى الوراء قليلاً .. واسرح بخيالك فى القصص التالية : ه
رجل – من البشر – يقف امام البحر ومعه مجموعة من قومه ، لامكان يذهب أليه ، خلفه حاكم ظالم ينوى قتله ورفاقه ، والبحر امامه فهو هالك لا محالة ، يرفع الرجل عصاه .. فينشق البحر الى نصفين .. جبلين من المياه يعلوان شاهقاً .. وتنكشف الأرض .. قاع البحر ، فيمر الرجل بسلام بين جبلين الماء الى الجانب الآخر .. وينزل عصاه بعد ذلك لينطبق البحر مرة اخرى على الحاكم الظالم ومن يطاردونه ، فيهلكون ويقتلون شر قتلة .ع

رجل اخر يلقيه رفاقه فى البحر من على ظهر مركب .. فيبتلعه حوت ضخم ، ليلبث فى بطن الحوت ايام عددا .. ليلقيه الحوت مرة اخرى الى اليابسة ، فيعيش ويكمل حياته بعد ذلك سليماً معافاً .ه
ورجل آخر .. يأمر الريح فتجرى بأمره ، ويأمر الجن والعفريت فيفعلون ما يأمرون ، يفهم كلام النمل وحديثه ، ويكلم الهدهد .. ويأتى له عفريت بعرش ملكة تبعد مئات الكيلومترات عنه .. قبل ان يرتد اليه طرفه .ه
ورجل آخر يعذبه قومه فيهرب منهم .. الى السماء .. ليعود فى آخر الزمان مخلصاً للبشرية من آلامها .ه
ورجل أخير يقطع مئات الكيلومترات من مدينته الى مدينة أخرى – فى جوف الليل – ومنها الى جولة فى السماوات السبع ويعود الى سريره – الذى لازال دافئاً – والليل لازال لم يشقه النهار بعد.ه
تلك الحكايات ابداً ليست جديدة .. انها ما استمعنا اليه طوال اعمرانا على اختلاف عقائدنا ومللنا – وصدقناها ونصدقها – على اختلافها مع كل منطق او عقل .. لأنها فقط .. تأتى مغلفة بأغلفة الدين .هليس هنا محل مناقشة – تلك المعجزات – ولا قدرة الله عز وجل ، انها فقط وسيلة تجريدية لسلخ بعض الأمور من هالات القدسية والمحرمات والنظر اليها بعين مجردة وبحثها .. وهو ما اقتنع انه ليس هرطقة ولا زندقة .. وليظن من يشاء ما يشاء .هأنه الدين – وحده الدين – هو القادر على جعل المستحيل امراً واقعاً .. وحده الدين القادر على اقناعك ببذل كل شئ ، حتى حياتك .. وحده الدين هو القادر على ان توقف عقلك عن العمل .. وتتبع نداء من يرفع راية الدين عالياً .. ولو كان هؤلاء على باطل
وحده الدين هو ما يجعلك تسلم تسليماً تاماً .. مطلقاً ، عقلك , قلبك ، جسدك ، وحياتك .. كل ما تملك .. تسلمه طوعاً لا كرهاً .. تسلمه وتأُمر بألا تناقش – ولا تجادل يا اخى على – انها ارادة من يأمر ولا يؤمر .. انها ارادة القوة المطلقة .. ارادة من لايلد ولا يولد .. انها ارادة الرب .. ومن يتحكمون باسم الرب
لحظة ايها السادة .. قبل انطلاق اللعنات وصب جام الغضب على المارق الزنديق .. المهتز العقيدة .. المشتغل والمنشغل بلغو الكلام ، الذى لا يدرى انها رب كلمة تخرج من فمه يكب بها فى النار على وجهه سنين عدداً . انها الحقيقة بلا رتوش ولا تجميل .. ان الدين كان ولا يزال اعظم اداة فى يد الطغاة الأذكياء .. به يحركون قطعان البشر من اقصى اليمين الى اقصى اليسار .. به يحققون امجادهم الشخصية ومطامعهم فى الحكم والتحكم ، انه اللجام الذى تسيس به الشعوب الفقيرة الأمية الجاهلة اصلاً بأمور دينها .. والمهتمة بفروعه وقشوره وظاهر امره . انها الحقيقة الساطعة سطوع الشمس ، فى كل الأزمنة الغابرة والحاضرة والقادمة .. لم تغب ابداً ، وليغضب من يغضب
الدين .. الكلمة المقدسة .. المحمية من الرب ، المحروسة بجنود لم تروها .. – اكثر تابوهات الشرق حميمية وقدسية ، انها الكلمة التى وجدت من اجل وحدة البشر وتحقيق العدل بينهم ونشر السلام والمحبة والأخاء والتسامح .. فى كل العصور وبين كل الأديان .. واستخدمت فى عكس ذلك تماماً .. فتحت رايتها ارتكبت – وسوف تستمر – افظع جرائم البشر ضد البشر .. تحت رايتها .. قتل من قتل ، وصلب من صلب ، وعذب من عذب .. تعددت الجرائم والراية واحدة .. الدين
انها الكلمة التى اوجدها الخالق كى يصنع اليوتوبيا فى الأرض
ه " المجد لله فى الأعالى ، وفى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " ، " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم " ه
فأستغلها الأنسان اسواء استغلال .. لاستعباد الأنسان .. وحكمه والتحكم فيه .. باسم الأله .. باسم الرب

تحت لواء الدين .. اتحدت قبائل رعاة – متناحرة حتى الفناء – تحت راية واحدة سادت نصف العالم القديم فى اقل من مائة عام
تحت لواء الدين .. زحفت جحافل الفقراء والجوعى من اوروبا – فى العصور الوسطى – الى الشرق الذى يفيض لبناً وعسلاً مسلمة قيادها لبارونات ونبلاء ورجال دين يحملون صكوك الغفران ومفاتيح الجنة ، كى يخلصوا الأرض المقدسة .. ارض الميلاد والقيامة
وتحت رايتها .. احرق بشر – قل او كثر عددهم – فى افران الغاز ، لا لذنب الا انهم ينتمون الى عقيدة اخرى
وتحت رايتها ايضا .. تم شحذ عقول .. وشحن اجساد ملايين من البشر .. الى ارض الميعاد ، فأنفجر جرح دام فى قلب الأرض , وفى قلب البشر .. لازال ينزف انهار الدماء
الدين .. ايها السادة ، محرك الشعوب وملجمها .. مفجر الشعوب وقاتل صحوتها .. مصلح الناس وصانع البغضاء بينهم
ليسمح لى السيد كارل ماركس – من قبره – ان اصلح عبارته الشهيرة .. " الدين افيون الشعوب " ، الى " الدين – فى يد الحاكم – افيون الشعوب " .. نعم أقولها .. ليس ألحاداً او كفراً .. اقولها عن اقتناع تام ويقين
" الدين – فى يد الحاكم – افيون الشعوب " هكذا يستقيم المعنى .. فالدين وحده .. كل الدين – منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا – جوهره قيم انسانية فى غاية الرقى والنبل .. وشعائره وطقوسه وعباداته ، رياضة روحانية .. هى المفرغ كل احباطات والآلم البشر ، ولكنه – ويا حسرة الأشراف من عرب ومن عجم .. يراق على جوانبه الدم
نعم ايها السادة .. الدين فى يد الطغاة من الحاكمين والمتحكمين فى مصائر البشر هو الخدر اللذيذ .. يخدرون به قطعان البشر الغارقة فى مستنقعات الكبت والقمع .. كبت احتياجات الجسد .. وقمع حريتهم وهدر كرامتهم ، فكى لا تنفجر تلك الشعوب تحت وطأة الحاجة ، وكى لاتخرج حمم البركان من رؤوسها تحت سياط الأهانة وهدر الحرية كان لا بد ان تقتات الأفيون .. وان تعيش حالة الخدر .. خدر للاجساد المحرومة .. وخدر للعقول التى تغلى ، فيصنع الطاغية من الدين – كبسولات وحقن – يعطيها الشعب فى جرعات محسوبة ومنتظمة وعبر التاريخ .. كان يسرى الخدر اللذيذ سريان الدم فى العروق والأوردة .. فيشيع حالة من النشوة والوهن .. ويخلق قصص البطولة والأوهام والأحلام .. ويقضى البشر المقموعن رغابتهم فى منطقة الهلوسة واللاوعى فيغضبون ويصرخون وينفجرون دون ان تنبس الشفاه ، او تتحرك الأجساد ، اوتفكر العقول .. انها نشوة الخدر وبطولة الأفيون
الصورة المكررة فى كل الأزمان وعبر العصور .. بين كل الأديان .. والأنبياء .. بين كل ألوان البشر وعروقهم .. عرف الأنسان الكلمة الذهبية .. وعرف الطاغية كيف يحرك بها العامة .. الدين
قتل اليهود .. يحى وزكريا .. لأسباب بشرية الطابع ، وألبسوها ثوب الدين كى يقبلها العامة
صلب المسيح عيسى بن مريم – خوفاً على الملك لا اكثر- وألبسوها ثوب الدين ايضاً ، فكان بعد ذلك – باسم الدين الجديد – مخلص البشرية
اضطهد محمد عليه السلام واتباعه – جاهلية وازدراء – والأسم المحافظة على دين الأباء والاجداد
وسالت بحور الدماء .. وتشرذم الأتباع بعد ذلك مللاً وطوائف ونحل ، بأسم الدين والمحافظة عليه ، منذ الفتنة الكبرى فى صدر الأسلام وحتى يومنا هذا
تفرق البشر .. اديانا وطوائف وملل ومذاهب .. دائماً باسم الدين ، يكفر هذا ذاك , ويشكك ذاك فى ايمان هؤلاء ، وهؤلاء يكرهون الكل .. ويجزم كل متحذلق بأنه الأفضل وانه فى جنة الفردوس وحده لامحالة .. فمن لم يسلم فهو فى جهنم .. ومن لم يحمل الصليب على ظهره ويتبع الخطى فهو من الضالين .. ومن لم يكن من شعب الله المختار فهو أممى .. الدواب افضل منه .. وهو لا محالة فى جهنم ايضاً
انظر كيف تفرق حتى اصحاب الملة الوحدة
السفارديم والأشكناز والفلاشا ... ليسوا على قدم المساواة فى ملة بنى اسرائيل ، لأختلاف نشأتهم .. باسم الدين
تفرقت ملة المسيح بن مريم .. الى كاثوليك وارثوذكس وبرتستانت وروم وارمن ومارون .. وغيرهم ، باسم الدين
وتفرق اتباع النبى الكريم محمد عليه السلام .. شيعا وفرقاً .. سنة وشيعة ، متصوفة ومعتزلة ، زيدية وجعفرية واسماعيلية ووهابية وشافعية وحنبلية .. الخ .. باسم الدين
كل ينعت الكل .. باختلال العقيدة .. والويل والثبور .. وانتظار نار جهنم .. وكأنهم يملكون مفاتيح الآخرة .. نارها وجنتها ، وهم لا يملكون من امر انفسهم شيئا ، والله عز وجل ارحم بنا منا
كل يبشر ويدعو .. ويجعل همه الأول والأخير .. التبشير بالخير الآخرة .. ويوزع صك الغفران لهذا او ذاك .. باسم الدين
هناك الحياة الأخرى – الخلود الأبدى فى الآخرة – هناك ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. فقط اسلم قلبك للأيمان تجد ما يسرك .. انه الدين
وهناك – انت مع المسيح افضل – فى الآخرة ، فى السماوات مع الأب والأبن والروح القدس .. فاحمل الصليب على ظهرك واتبع الخطى والنداء .. انه الدين
وهناك .. مع " ياهوه " فى السموات العلا ومع اسرائيل وابناء اسرائيل والاسباط ، انت الأفضل لأن الرب اختارك من كل الشعوب .. انه الدين
ادرك - حفنة من البشر- على مر العصور .. اثر تلك الكلمات على قطعان وعموم البشر وكيف هى قادرة على تنويمهم مغناطيسياً .. وسحبهم بلا أرادة ولا مقاومة ، فقط هم المتحدثون باسم الدين – وأولى الأمر - ومالكى صكوك الغفران ومفاتيح الآخرة
عرفها كهنة أمون وأتون منذ الآف السنين .. وكل كهنة العصور التالية والقادمة ، عرفها الفرعون فى الماضى .. وكل فراعين العصر الحديث .. والعصور التالية .. ودائماً .. يعطى من لا يملك من لا يستحق .. يعطى الكاهن الى الفرعون – فى كل عصر .. مقدرات البشر وصكوك الغفران ... ودائماً تسمع البشر وتطيع وتنقاد .. خوفاً من جهنم او اقتناعاً بعذاب واقع من الغيب .. عند عدم الطاعة
والى اليوم .. وفى كل لحظة نعيشها ، نقتات هذا الخدر .. وستظل تلك الكلمة هى الأكثر اثراً فى قلوب وعقول البسطاء والعامة لاسيما فى شرقنا البائس .. العاشق لكل غيب مجهول .. المسيس بكرابيج الأحساس المتواصل بالذنب والتقصير تجاه الأله ، المعبء بأنه لا خير فى الدنيا ابداً .. وانها دار الفناء .. وانها دار يدخل من باب ويخرج بعد بضع عشرات من السنين من الباب الآخر .. الى الخلود
وهكذا .. استخدم الفراعين فى كل العصور .. كهنتهم من اجل جلد الشعوب بسياط الدين .. فأصبحنا دراويش ومتصوفة .. واصبحنا نحيا فى انتظار الموت ، واصبح همنا الشاغل .. آخر الزمان ، يأجوج ومأجوج ، والمهدى المنتظر ، وعودة المسيح ، والمسيخ الدجال ، وخروج الشمس من المغرب .. وانتظار نفير الساعة
اصبحت حياتنا مزيفة مزدوجة .. فأقول انا ما لا افعل .. وافعل ما لا اقول .. وابحث عن امور اظن انها تقربنى – ظاهرياً – من الرضا الألهى .. واستفتى رجالات الدين ومفتييهم .. فى امور مروعة وقضايا مصيرية .. فتارة ابحث عن موضع رأسى عند السجود ، وهل تستقيم ذراعى مع باقى جسدى عند الركوع ، وهل ماء الوضوء يجب ان يصل الى المرفقين .. وماذا عن موضع يدى .. هل ارسلهم أم اشبكهم .. اعلى السرة ام اسفلها .. وهل من البدع الدعاء قبل نهاية الأذان ، وهل ادعو بصوت عال ام همساً .. والصور والتماثيل مدى حرمتها وهل الشيطان يستقر فى الحمام ومعه الجن والعفريت .. وهل اقول دعاء دخول الحمام قبل دخول قدمى اليمنى ام بعدها .. وما مدى حرمة قرائتى للقرآن – فى سرى – وانا بالحمام !! وهل اثاب اذا تصدقت بيدى اليسرى ... هل اطيل اللحية والى اين .. ماذا أأكل .. ماذا اشرب .. كيف اجلس .. كيف اسير .. كيف انام .. كيف اجامع زوجتى .. كيف وكيف وكيف .. عشرات ومئات الأسئلة التى لا تضر ولاتنفع .. انه العلم الذى لا ينفع .. والجهل الذى لايضر .. انها ارداة الفراعين فى جعل الشعوب منشغلة بتوافه الأمور وصغائرها .. كى تتفرغ هى وكهنتها بمقدرات البلاد وخيراتها .. كي تعيش على عروشها مستقرة دون " وجع فى الرأس " ، وكى تورث ابنائها التركة .. الأرض والبشر .. فنكون دائماً .. تراثاً او عقاراً .. عبيد احساناتهم ، نورث جيلاً بعد جيل .. ونعامل معاملة العبيد والسبايا .. ولا نتحرك .. فالخدر يملؤنا بنشوة الأنتظار .. انتظار الحرية .. فى الدار الآخر
الدين – فى يد الحاكم – ثالث الثالوث .. الضلع الثالث فى اسباب تخلفنا ، فحين يعجز الطاغية عن توفير ابسط حقوقك واحتياجاتك وحين توشك على الأنفجار تحت ضغط نداء الأجساد ومطالبها .. يعطيك الحاكم وكهنته جرعة مخدرة .. حول بؤس الدنيا وعدم جدوى التمسك بها .. وما هيا الا دار الفناء ودار الغرور .. فتذوب خدراً ونشوة وتستكين وتستسلم وتنتظر حسن المآب فى الآخرة ، وحين يتجبر الطاغية فيقتل ويسحل ويهدر الكرامة ويعامل كلابه افضل من معاملة محكوميه .. يخرج عليك كهنة العصر .. بوجوب طاعة الحاكم ولو كان فاسقاً ما دام يشهد ان لا اله الا الله .. وان محمد رسول الله ، وكيف ان من يشق عصا الجماعة ضال عاصى وجب اقامة الحد عليه وهو فى الآخرة من الخاسرين .. جرعة اخرى من الخدر تسرى فى العروق ..فتنكمش الشعوب المستضعفة فى جلودها .. وتخشى فقدان الآخرة بعد ان فقدت الدنيا و يأست مما عليها وبمن عليها
انظر كيف تحرك الآف من الشباب – فى احداث محرم بك – يشتاطون غضباً من اشاعة يبدو ان الفرعون وكنته هم مسربوها لغرض فى نفس يعقوب .. انظر كيف تحرك هؤلاء الشباب تحت تأثير الخدر , يحطمون ويكسرون ويقتلون .. وهم المستكينون بعد ذلك وحقوقهم تغتصب وكرامتهم تهدر وتضيع اجمل سنون العمر بين انفاس الشيشة ونرد الطاولة .. فلا تسمع صوتاً اوحساً او خبراً
انظر الى رأس المؤسسات الدينية فى مصر اسلامية ومسيحية .. يمارسون الألاعيب السياسية .. انهم كهنة فرعون الذين يسبحون بحمده اناء الليل واطراف النهار .. الى حد يثير الغثيان
تأمل حولك فى البرامج الدينية فى الفضائيات والآلة الأعلامية الرهيبة وما تبثه .. انها وسيلة الحقن .. المحقن الضخم القادر على حقن تلك الشعوب البائسة بأكسير الحياة .. وخلق حالة النشوة والخدر
وتتوه الشعوب المغلوبة على أمرها .. بين هؤلاء .. فتار التنمية فقط لا تكون الأ بالأيمان وما سواها باطل .. وتارة الأسلام فقط هو الحل .. وآخر ينادى بأن نهجر الدنيا ولا نشغل بها بالنا ، وآخر يدعوك الى شغل وقت فقط بذكر الله ولتذهب الدنيا الى الجحيم . وعلى الجانب الآخر يدعو الآباء والكهنة الى الألتفاف حول الكنيسة والعمل من اجلها ولأجلها .. والأنشغال بما يفيد الكنيسة وابناء الكنيسة
انه الدين فى يد الحاكم .. خيط عرائس الماريونت التى تتحكم فى مقدرات الشعوب وحركاتها وسكناتها .. وألق نظرة على ما يحدث فى العراق من تقاتل وشيك بين ابناء اللغة الواحدة المتفرقين شيعاً ومذاهب .. باسم الدين .. والدين منهم براء .. ونظرة اخرى على لبنان الموشك على الأنفجار والدخول الى حرب اهلية بعد ان بات هو والعراق مسرحاً لمعارك المخابرات من الدول القريبة وغير القربية مستغلين الأختلافات الدينية والمذهبية بين الرفقاء الفرقاء .. مستخدمين الحاكم وكهنته
ايها السادة .. ليس ما اقوله دعوة لأنكار الدين .. او علمنة الدول او الشعوب .. انها دعوة للكف عن التمسح برداء الدين والأهتمام بقشوره .. دعوة للكف عن ان نكون قطيع يساس .. ويجرجر على حيث لا يدرى ولا يفهم .. دعوة لأن نكف عن تعاطى الخدر كى ننسى همومنا والآمنا ونغيب عقولنا المقموعة واجسادنا المكبوتة .. انها دعوة لكى نكف عن اخذ جرعات الأفيون من يد الحاكم وكهنته
دعوة للأهتمام بالدنيا .. ففيها معاشنا .. والكف عن تعاطى حقن الحاكم وكبسولاته المخدرة على يد كهنته .. دعوة لأن نعمل عقولنا .. وننظر الى المستقبل فقط بكل التركيز والأهتمام .. وليكون الماضى عبرة وموعظة .. وليس خطا تتبع شبراً بشبر .. فلكل دولة زمن ورجال .. وما كان صالحاً منذ الف عام لا يصلح الآن .. نؤمن بالغيب نعم .. لأنه جزء من عقيدتنا .. لكن لنعيد نحن التفكير فى ارثنا العظيم .. وتنقيته من شوائب الزمن وفعل الكهنة والفراعين السابقين .. فكتبنا المقدسة .. انجيلاً وقراناً .. صالحة لكل العصور قابلة للتطبيق فى كل عصر ، فقط تحتاج الى اعادة اكتشاف بلغة جديدة , وعقول متحررة من امراض القمع والكبت
انها دعوة ايها السادة .. للعودة الى جوهر الدين .. لا شكله وظاهره .. تعالوا ننشغل بالمعاملة فى الدنيا اكثر من جوائز الآخرة التى لم نرها بعد ونشغل انفسنا بها كثيراً ، فالدين المعاملة . ليكن المقياس الأول والأخير فى علاقتنا ببعضنا هو حسن المعاملة – ان ربى ادبنى فأحسن تأديبى – فلك عندى احترامك ، ومعاملتك بالحسنى .. فلا كذب او غش او خيانة او تدليس .. ولى عندك المثل .. ولو كنا طوائف وملل شتى .. مسلمين ، مسيحيين ، يهود .. او حتى مجوس
لماذا اشغل بالى بمصيرك ومصيرى بعد موتى او موتك .. وما الذى سوف يضيفه ذلك الأنشغال ألا توريث الكره والنفور بين الرفقاء فى الأوطان .. ان ما سيحدث بعد موتى وموتك هو فى علم الغيب .. لندعه لله عز وجل يفصل فيه ساعة يحين يوم الحساب
هى دعوة بألا نشغل انفسنا بمن سيذهب الى الجنة ومن سيذهب الى النار .. فدخولك الجنة او النار فى حياة لست اراها الآن .. امر لا يشغلنى كثيراً .. يشغلنى ان تعاملنى فى الدنيا .. كما تنصح كل الأديان – الكلمة الطيبة والمعاملة الطيبة – لافرق بين دين ودين او مذهب ومذهب
فلتتعبد كيف شئت .. ولتمارس شعائرك كيف شئت .. او لا تفعل قط .. فأنت حر ، وليكن المقياس الوحيد بين البشر فى تعامله هو حسن تعاملهم .. وهذا ليس وهماً او دعوة الى مدينة فاضلة .. فمنوذج الشعب اليابانى يدعو للتأمل والأحترام .. وهو النموذج الذى لازال صامداً حتى الآن بقيمه الجميلة واخلاقه الرائعة رغم قسوة رياح العولمة التى اطاحت بالثقافات الهشة والشعوب الخاوية

أيها السادة تلكم كانت – فى رأيى – اسباب تخلفنا انها تابوهات الشرق البائس .. الدين والسياسة والجنس .. فأنت فى كل الحالات متهم .. اما بالانحلال او الدعوة الى التحرر عند الحديث عن الجنس ، او بالخيانة العظمى او العمالة عندالحديث فى امور السياسة ، واخيراً بالمروق والهرطقة عند الحديث عن الدين
ومرة اخرى .. الكلمة الحلم .. الكلمة الأمل فى اصلاح امر هذه الشعوب .. الحرية .. حرية ان تفكر وان تختار ، حتى ان تختار دينك بأرادتك وأن تسأل وتناقش ولا تقبل ألا ما يقبله عقلك .. حرية أن تختار حاكمك وان تحاسبه وان تختار اسلوب حكمك .. فلا فرعون ولا خليفة ولا من يتحدث باسم الرب ولا مشيئة الرب .. حرية ان تلبى احتياجاتك الأساسية التى خلقها جزء منك ومن طبيعتك البشرية بشكل مسئول وفى اطار قيم الدين السليم
عندما تحل تلك المشكلات الثلاث .. تجد الشعوب فى حالة استعداد تام للعمل المتواصل والبناء وخلق الحضارات العظيمة .. ان ما حدث فى الماضى لن يصلح الا لزمانه فقط .. فشعوب الغرب تخطو من ثورة الى اخرى فبعد ثورات التحرر ، كانت الثورات الصناعية ، والآن تعبر الى ثورة المعلومات والتكنولجيا ..حاضرهذا العالم ومستقبله
نحتاج-اليوم بالفعل- الى مقولة نجيب محفوظ التى صرخ بها عقب هزيمة يونيو67 .. فى رائعته " ثرثرة فوق النيل " .. اصحوا بقى .. فوقوا

٢٠٠٥-١٢-١٤

الثالوث .. والحرية (2) 0


السياسة

الكلمة الغامضة .. المخيفة للكثير من البسطاء من الناس .. التى تثير الرجفة فى القلوب .. السياسة ، تلك الكلمة التى وصمت بالخوف وبالمصير المجهول لمن يحاول الأقتراب منها .. تراكمات وخبرات لسنين طوال ولحكايات واساطير الأولين والسابقين ، حيث كانت - ولازالت - متلازمة مع كلمات اخرى مثل : المعتقلات ، والتعذيب ، وأمن الدولة .. ووراء الشمس بتعبيرنا الدارج ، هى الضلع الثانى فى ثالوث التخلف الذى نعيشه ، واحد تابوهات الشرق العصية التى تؤرق مضاجع الحكام عند سماعها تتداول على ألسنة العامة ففيها اقتراب من منطقتهم المحرمة الأ عليهم وعلى الراضين عنهم من ابناء الشعب ، وعلى الرغم من ان الثوار والمطالبين بالحقوق هم الرموز المبهرة للشعوب ـ الا ان النهايات المؤلمة للعديد منهم كانت دائماً ماثلة فى أعين العامة والرؤوس المعلقة على ابواب المدن ، والمرسلة فى طرود الى الحكام عبر العصور كانت تجعل العزائم تخور والهمم تنهار سريعاً ، سبارتكوس فى الماضى والأمام الحسين رضى الله عنه فى صدر الدولة الأسلامية وتطول القائمة لتضم المئات من اسماء من خالف فى الرأى .. فقط رأى الحاكم
لنلق نظرة على معنى الكلمة فى قواميسنا العربية ..ففى المعجم المحيط السِّيَاسَةُ [سوس]: مصـدر،-: رئاسة الناس وقيادتهم وفى المعجم الوسيط سِياسَةٌ - [س و س]. (مصدر. ساسَ) "سياسَةُ البِلادِ" : تَوَلِّي أُمورِها، وَتَسْيِيرُ أَعْمالِها الدَّاخِلِيَّةِ والخارِجِيَّةِ وَتَدْبيرُ شُؤُونِها والسياسى ."سَاسَ أُمورَ النَّاسِ بِالحَقِّ" تَدَبَّرَهَا، تَوَلَّى تَدْبِيرَهَا وَتصْرِيفَهَا
تلك هى معانى الكلمة فى اللغة , ومن ذلك نستطيع ان نتبين بعض النقاط ، فمصدر الكلمة وفعلها وفاعلها لابد ان تحتوى على شقين شخص مخول له القيام بفعل التسيس وآخرون يتأثرون بهذا الفعل ، ومن هنا كانت البداية والنهاية .. العلاقة بين الفاعل والمفعول بهم وهى مربط الفرس كما يقولون
نمتاز نحن المصريون عن غيرنا من الشعوب المجاورة بتراكمات طويلة وارث عريض من شكل تلك العلاقة بين الحاكم والمحكومين وهما طرفا العلاقة السياسية كما اوضحنا . فمنذ مينا " موحد القطرين " وتأسيس عصر الأسرات وهو بداية التأريخ للحضارة المصرية ، كانت العلاقة ولازالت الى الآن لا تأخذ الا شكلاً واحداً .. حاكم مطلق .. فرعون .. أله .. رب أعلى ..يتقلب مع الأيام والسنين كما تتقلب ، يختلف لقبه من عصر الى آخر ومن زمان الى زمان فهو الفرعون , القيصر ، الخليفة ، والأمام ، وهو الظافر والمظفر والناصر والمنصور وهو الخديوى والسلطان والملك .. وهو اخيراً الرئيس وقريباً الرئيس ابن الرئيس ، قد تكون بدايته بشرية الطابع لكن كرسى الحكم فى مصر قادر على تحويله الى مصاف الآلهه .. فهو العادل المستنير العاقل الحكيم الملهم وهو صاحب التسعة والتسعون اسم ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ارث ضخم ومهول من الأستسلام والخضوع والخنوع لمن يعتلى سدة الحكم فى مصر ولو كان عبداً مملوكياً او مغامراً كان يبيع التبغ للعسكر ، او افاقاً يتلون حسب لون المرحلة ، ومن هنا ابدعنا نحن فى التاريخ .. الحاكم الآله .. ثم الخليفة ظل الله فى الأرض .. فالمستبد المستنير .. شيخ القبيلة ورب الأسرة .. وابتكرنا من الألفاظ ما له العجب .. فالشعب تارة " اخوانى المواطنون " وتارة أخرى " كلهم أولادى " ومارسنا الأمور بطريقتنا .. فكنا اول من ألبس " الأشتراكية العلمية " الجبة والقفطان فصارت اشتراكية علمية " متدينة " فى ميثاقنا الشهير فى حقبة الستينات ، ثم كنا بعد ذلك أول من أنبت للديموقراطية " أنياب " فى عهد الرئيس المؤمن فى سبعينات القرن المنصرم ، الى ان وصل الحال بالناس فى عهد الرئيس " الحكيم " طويل العمر ان صاحت .. " يسقط الأستقرار " بعدما صار الأستقرار مساوياً فى مساوئه للأستعمار
السياسة هى التابو الثانى فى ثالوث المحرمات الشرقية فاذا كان الكبت والقمع الممارس ضد الجنس لفظاً وفعلاً ، هو أحد اسباب تخلفنا كأفراد وسبب عجزنا المتواصل فى النصف الثانى من القرن الماضى ، عجزنا عن الأبداع والعمل والنبوغ ، عجزنا عن العطاء بنسبة 100% ، فأن العجز يمتد الى الشعوب والأمم جماعات وليس فرادى فى حالة الكبت السياسى والقمع السياسى
مورس القمع السياسى – فى مصر تحديداً - منذ قديم الأذل ربما طوال خمسة الآف عاماً قبل الفتح الأسلامى لمصر ولم نسلم من ذلك ايضاً فى الخمسة عشر قرناً التالية بعد الفتح اللهم الأ ومضات خاطفة لسنين تعد على اصابع اليد اما عدا ذلك فلم يتغير الأمر على الرغم من وعود كل من يعتلى سدة الحكم فى اول امره بتحقيق العدل والرخاء للناس .. ولكنها دائماً كانت كلمات كزبد البحر تذهب جفاء ولم يمكث فى الأرض منها ما ينفع الناس
أيقنت شعوب العالم حولنا مكمن العلة وبيت الداء ، تعلمت ذلك من قراءة التاريخ والجغرافيا وعلم النفس ، فأنتفضت تغلى وتنفجر .. تنفجر ثورة على حكامها تحطم غرورهم وغطرستهم التى اكتسبوها بعد طول جلوس على كرسى العرش . انتفضت اوربا فى عصر نهضتها تحطم قيود الأقطاعيين والنبلاء واصحاب الدماء الزرقاء ميقنة ان بقاءهم عقود عديدة وبالتوريث جيلاً بعد جيل هو مكمن العلة وبيت الداء ، وأنه لن تفلح أمم تساس بالنار والحديد وتسلم قيادها لمن عجز عن ان يَسْوسَ أُمورَ النَّاسِ بِالحَقِّ"، وتَوَلَّى تَدْبِيرَهَا وَتصْرِيفَهَا وهو المعنى اللغوى لكلمة سياسى فى معجمنا المحيط ، قامت الثورات فى كل اوربا ضد حكامها فانفجرت الثورات فى فرنسا مرة تلو اخرى وسارت بحور من الدماء هى ثمن الحرية ولم يسلم من المقصلة بعض ثوارها الذين خانوا العهد واستبدت بهم اوهام القوة والمجد فالمقصلة التى قطعت رؤوس لويس السادس عشر وزوجته مارى انطوانيت صاحبة المقولة الخالدة "بأن يأكل الشعب البسكويت " وأظنها كانت صادقة فيما تقول ولم تكن تستهزأ بمشاعرالناس ، فصدقها – الذى اظنه – هو الدليل على ان الحكام بعد فترة من الوقت ينفصلون تماما عن واقع الناس وحياتهم ومعاناتهم ويسلمون آذانهم للخاصة ممن حولهم " الذين هم اشبه بالقمل يعيشون على فريستهم يمتصون دمها وينتقلون من فريسة لأخرى غير مكترثين اوعابئين الا بما فيه بقاؤهم على قيد الحياة " والذين يقنعونهم بأن الناس لا تعانى .. وان كانت تشتكى فهى شعوبة شكائة بطبعها , لا تشبع ودائماً تطلب المزيد . اعود واقول بأن نفس تلك المقصلة هى التى اعدمت روبسبير احد صناع الثورة الفرنسية وقادتها والذي بأسم حماية ثورة الشعب أعدم فى محاكمه 6000آلاف مواطناً من الشعب كما يقول المؤرخون بعد ان تجبر وانهار سريعاً امام بريق كرسى العرش وتحول من ثائر ينادى بالحرية والعدل والمساواة ، الى طاغية لا يرحم .. فكان جزاؤه من جنس العمل على يد الشعب نفسه
ثار المستوطنون فى أمريكا ، سكان المستعمرات على التاج البريطانى بقيادة جورج واشنطن منذ مائتى عام تقريباً ونادوا بقيم تعتمد " الحرية " تاجاً وعلماً وصاغوا دستوراً ونظاماً أسس لدولة هى الأعظم الآن –شئنا اما ابينا ، وخاضوا بعدها حرباً اهلية رسخت مرة اخرى لمبدأ المساواة وحدت الشمال والجنوب وصنعت الأسطورة الأمريكية .. أرض الأحلام كما جرى العرف على تسميتها
الشئ العجيب فى الأمر ان شعوبنا قد تثور – وكثيراً ما فعلت – باذلة الدماء طالما كان العدو مستعمراً اجنبياً وكثيراً ما نجحت فى ذلك وقاد الثوار أبناء الدم الواحد واللغة الواحدة واحيانا الدين الواحد .. أبناء الشعب نفسه دفة الحكم ، وهنا يظهر ألف روبسبير آخر .. لكن الفارق أننا نعجز عن التعامل مع هؤلاء .. لأسباب عديدة قد تكون قسوتهم المفرطة التى تفوق فى احياناً كثيرة قسوة المحتل الأجنبى ، أو لأنهم يجيدون استخدام ورقة الدين – ثالث الثالوث والتابو الأشد فتكاً – مع شعوب تراثها الدينى جزء راسخ من ثقافتها ، وقد تكون لأسباب اخرى لا اعرفها ، ان من يرى مشاهد محاكمة صدام حسين الجارية الآن على قدم وساق لابد ان شاهد مقطعاً من خطاب صدام حسين فى اواخر السبعينات وهو فى قمه مجده وسلطته وهو ينذر الناس " أقسم بالله العظيم ان من يقف أمام الثورة " .. كانوا الفا .. كانوا اثنان .. او عشرة آلاف ، فسوف أقصقص رؤوسهم جميعا .. دون ان تهتز شعرة فى رأسى " ، وكأن الحجاج بن يوسف الثقفى قدر على شعوب تلك المنطقة ان تعيشه فى الماضى وفى الحاضر
ان الشعوب لم ولن ترى العدل والرخاء المنشودين ابداً فى ظل وجود حكام من نوعية روبسبير والحجاج وصدام من شاربى الدماء ، ولن تراه ايضاً فى وجود حكام من نوعية مبارك والأسد والبشير والعميد والعقيد والأمير والشيخ والغفير، ممن جاءوا بالتوريث غصباً عن ارادة الشعب وسلطوا على رقابه عقود طويلة لا يرفع مؤخراتهم عن كراسى الحكم الأ هادم اللذات ومفرق الجماعات ، يشيخون فوق كراسيهم وتشيخ عقولهم وقلوبهم وتعجز سنوات أعمارهم التى تقارب الثمانين عن تحقيق طموح واحلام شعوبهم ، ولا يتورعون بعد ذلك عن توريث مقاعدهم لأبناء اقل ما يقال عنهم أنهم ولدوا وعاشوا فى أبراجاً عاجية .. لم يعرف ايا منهم الأحساس بالحرمان او طعم الظلم واهدار الكرامة ، هى التجربة التى تعلمتها شعوب الغرب .. فجعلت الملكيات دستورية .. فالملك .. لا يملك ولا يحكم .. والأمير يؤمر ولا يأمر . يبقى الحاكم فترة محدودة يعود بعدها الى الشعب الذى جاء منه .. لادماء زرقاء ولا الهه تسكن جبال الأوليمب ، وكلاماً من نوع " الأصلاح من الداخل .. وعدم المساس بالثوابت " هو الدليل على الرغبة المبيتة فى البقاء .. ولتشرب كل الشعوب البائسة من البحر كان محيطاً او خليجاً أيهما تحب
ان الديموقراطية ( وهى فى ابسط معانيها حكم الشعب ) وتداول السلطة التى ينادى بها المثقفون والنخبة ليست كلاماً من قبيل السفسطة او الحذلقة ، انها حقوق تلك الملايين المطحونة بلا أمل ، المهانة والمذلولة منذ فجر التاريخ ، فبقاء الحاكم – اى حاكم – فى السلطة لعشرين او ثلاثين عاماً هو صك غفران منا لهذا الحاكم ان افعل بنا ما تشاء فنحن الخانعون الراضخون ابداً .. هو تسليم لهذا الحاكم ولو كان نبياً او ظل الله فى الأرض الى الشيطان وابالسة الأنس وتركه بلا حماية الأ نفسه التى هى اهون من جناح بعوضة . السلطة المطلقة .. مفسدة مطلقة ، وطبائع الأستبداد جزء اصيل فى النفس البشرية ينمو ويكبر اذا ما اتيح له مناخ الأستبداد ، " الكلمة " على رقتها وبساطتها هى واحدة من اقوى اسلحة الأنسان ضد الطغيان والأستبداد ، و " اقرأ " هى اول امر ألهى صدر لهذه الأمة ، والتاريخ يقول انه لم تثر او تنتفض فى يوم من الأيام امة جاهلة او امية لا تعرف حقوقها ، واستمرار حركات الأنتفاضة الشعبية السلمية على يد " المثقفين " ، و " النخب " هى البداية لرفع وعى الناس بحقوقهم السياسية وتشجيعهم على ممارسة تلك الحقوق والمطالبة بالمزيد وهى المدخل الشرعى لأى مطالب بالتغيير ، وفقط الحكام الأغبياء هم من لا يدركون ان التالى .. هو الأنفجار ، وقد بات قاب قوسين او أدنى

٢٠٠٥-١٢-١٣

الثالوث .. والحرية .. (1) 0


الآتى ليس : فلسفة ولا هرطقة .. ليس زندقة ولا خروجاً عن الدين .. ليس علمنة ولا ملحدة .. ليس كلام جديد ولا هو بالكلام القديم المثقوب كالأحذية القديمة وليس من مفردات العهر والهجاء والشتيمة – كما قال نزار قبانى يوماً وهو يصف حالنا - ليس اى شئ من كل قاموس الهجوم والهجوم المضاد التى باتت سمة عصرنا الحالى .. احد اعظم عصور الأنحطاط ، اذا ما كنا نعشق استخدام صيغة افضل التفضيل
كان سلفنا التليد يقول .. ان مشكلات مصر الثلاث هى .. الجهل والفقر والمرض .. هراء .. محض هراء – وحقيقة لا اعرف تحديداً معنى كلمة هراء – انما من المؤكد انها تدل على محتوى غير لائق .. ايا كان هذا المحتوى
الجهل والفقر والمرض .. ليست ابداً اسباب تخلفنا .. ولم تكن ابداً ، فالأمور الثلاث السابقة بمنتهى البساطة هى نتائج .. وابعد ما تكون عن الأسباب لما فيه حالنا من انحطاط على كل الأصعدة – حتى وان لم تعجب كلمة انحطاط الكثيرين
الأمر كما قلت قد لا يكون جديداً لكنى اصر انه ليس بالقديم ايضاً ، لأنه طالما بقيت الأسباب الحقيقية بدون علاج جذرى .. ستبقى تلك الأسباب متجددة دائماً ، قابعة على انفاس هذا الوطن .. بشره وحجره .. لن يتحرك قيد انملة الى الأمام
انها الأسباب الخالدة .. خلود البشرية ما بقيت البشرية تعمر هذا الكون .. انها الأسباب الأشهر فى كتب التاريخ والفلسفة وعلم النفس وكل العلوم بحتها وتطبيقها ، طبيعيها ونظريها . التابوهات الأعظم فى شرقنا البائس والتى استطاع الغرب التعامل معها .. أنها الجنس والسياسة والدين
هكذا .. وبأبسط ما تكون الكلمات .. وبأوضح ما تكون يدرك كل عاقل – سراً او علانية ان الثالوث المقدس ، او غير المقدس هو لجام الشعوب وسياطها ، يلعب بها الطغاة كيف يشاؤون ومتى يشاؤون ، يمررون الى شعوبنا الشرقية البائسة جرعات موزونة ومحسوبة من كلاً منها فى اوقات مدروسة وبكميات مدروسة .. فتغيب الشعوب عن وعيها قروناً طويلة .. تصم أذانها ، وتخرس ألسنتها ، وتعمى عيونها .. بفعل آلة الأعلام التى هى وسيلة الحقن التى تخترق جلود تلك الشعوب معطية الجرعات رويداً رويداً .. لتنام الشعوب فى احل العسل
الجنس .. مشكلة المشاكل .. التابو الأكثر خطورة ، الفعل المحرم .. الخبيث .. الدنئ .. الكلمة القبيحة .. الفاجرة .. العاهرة .. التى تتردد الألسن مئات المرات قبل ان تنطق بها .. هى الرجس الذى من عمل الشيطان
هكذا تعلمنا .. وهكذا تشربنا .. وهكذا سمعنا .. الجنس .. الكلمة التى كانت ولا زالت – كما اعتقد – فى عرف الصغار .. " قلة الأدب " كما كنا نصف ذلك الفعل المبهم ، الذى ربما كانت اولى مصادر البحث حول " الفعل " ناتجة مما كنا نشاهده من الأفلام .. النظرات والقبلات والأحضان ، كان التساؤل يقفز من عيوننا الصغيرة فى غير فهم
ماذا يفعل رشدى اباظة مع شادية ؟ طب وليه بيعملوا كده ؟
كانت الأجابات كوميدية .. " بيحطلها قطرة فى عينيها " .. " بينفخلها فى بقها .. – برضه ليه " .. الى اخر تلك الجمل الطريفة التى ما ان كنا نحاول ان نقلدها اولاداً وبنات .. حتى نفاجاً بصواعق وكهارب فوق رؤسنا .. واذا ما تسائلنا والبراءة فى العيون الدامعة بعد جرعة التوبيخ والعقاب لماذا نوبخ على ذلك " اشمعنى رشدى اباظة " .. تكون الأجابة .. دى اصلها " قلة ادب "ل
وهكذا .. اللبنة الأولى فى جدار العزل وفى بناء الشخصية المقموعة المكبوتة , ربما حتى قبل بدء سن المدرسة .. وتجئ المرحلة الثانية مع سن التلمذة .. والأسئلة التى توقع الأهل فى الحيرة وربكة تثير الكثير من الشفقة .. والسؤال الشائع على شفاه الأطفال .. " بابا هو احنا جينا ازاى ؟ " .. وتبدو ايضاً الأجابات مبتسرة .. " الأولاد الصغيرين بيكونوا فى بطن ماما وبعدين بيخرجوا " .. " طب هما دخلوا بطن ماما ازاى " .. " امشى يلااا العب بعيد .. بعدين .. بعدين ، بابا عنده صداع "ع
تسير الأمور على تلك الوتيرة .. فترة غير قصيرة .. هى فترة البحث والفضول لدى الأطفال .. وتكون محصلة المرحلة .. افكار ضبابية حول امور يعلم انه لا ينبغى السؤال عنها .. تهدأ الامور مع التقدم الى سن الصبا والأنشغال بالصحبة وتكوين الأصدقاء .. الى مرحلة البعث .. او قل مرحلة الأنفجار اذا شئت .. فجأة وبين عشية وضحاها ، تختل الموازين بداخل الأجساد , وتنهمر ينابيع الهرمونات فى الأجساد الغضة ، محدثة .. حالة الفوران والغليان .. وتبداء مرحلة جديدة من مراحل معاناة الأب والأم .. لكبح جماح .. الأشبال الخارجة تواً الى فضاء الطبيعة واحتياجات الجسد . ويتزامن معها الأدارك بأمور جديدة نسبياً على الأذن .. فتسمع الويل والثبور .. والعذاب والنار وجهنم لمن يرتكب الجرم الأكبر بعد الشرك .. الزنا .. الفاحشة .. ويضاف الى طابور المرادفات كلمات اخرى الى جانب " قلة الأدب " . وتسمع الحكايات المرعبة حول الزناة وعذابهم .. ماذا يشربون .. وماذا يأكلون .. وكيف مصيرهم الخالد فى جهنم وبئس المصير
الشئ الأعجب من ذلك .. ان اغلب الشفاه التى تنطق بتلك العظائم .. والعيون التى تنثر الشرر لهذا الفعل الآثم .. هى نفسها الشفاه التى تلمع على اطرافها الجوع .. وعلى عيونها اللمعان حين تشاهد .. افلام ايناس الدغيدى ومشاهد العرى الجريئة بها
نعم .. يجب ان نلعن فى العلن .. ونغضب وننتفض .. وندعولأثواب للفضيلة وسراويل العفة .. لكن القلوب تشتاق والعقول تغلى والأجساد تحترق .. انها ازدواجية الشرق المسكين .. انه " السيد احمد عبدالجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ " فى كل منا .. بشكل او بآخر
يتحمل الشباب الشرقى عموماً .. والعربى تحديداً .. حالة من حالات الحرمان تستمر فى المتوسط خمسة عشر عاماً .. منذ سن الخامسة عشر وحتى الثلاثينات .. متوسط سن الزواج فى عصرنا الحالى .. فتيانا وفتيات . هى اجمل سنوات العمر .. هى سنوات الأبداع والعمل .. هى سنوات المغامرة والطيش والشباب .. سنوات الانطلاق والفوران والغليان .. هى سنوات العطاء الحقيقى العبقرية والنبوغ
سنوات يعيشها الشباب العربى .. معطلاً .. نصف منتج .. بنصف عقل .. ونصف قلب .. ونصف جهد .. فخمسون فى المائة – ليس مبالغة – من طاقة الشباب وتفكيرهم واحلامهم ورغباتهم .. هى فى التفكير فى الجنس الآخر .. وهو ما اشك ان احداً قادر على انكاره
يتسائل الكثيرون فى نوع من الغباء .. لمذا لا ينتج شبابناً .. كالشباب الغربى مثلاً .. ولماذا لا يوجد مبدعون فى حياتنا الآن .. واين نحن من شباب فى العصور السابقة قادوا الجيوش وفتحوا الدول وألفوا الكتب واخترعوا .. واكتشفوا .. وهم دون الثلاثين .. انها الحقيقة دون مواربة لن ينتج شباباً شيئاً وهو مقموع محروم .. معطل .. نصف كائن حى
لم تكن تلك مشكلة فى القرون السابقة .. ولا حتى كانت منذ خمسين عاماً ..وبطبيعة الحال لا يوجد شاب فى الغرب يعانى من تلك المشكلة .. ولذا لا تتعجب حين تعلم ان بيل جيتس طور اول نظام تشغيل له وهو دون الثامنة عشر .. وان غيره من الشباب يتبارون فى تحطيم الأرقام القياسية فى شتى المجالات .. جدها وهزلها .. علماً ورياضة .. فنا وادباً . لأنه وبكل بساطة منذ سن الرابعة او الخامسة عشر .. لا يعانى .. مما يعانيه شباب الشرق .. ودع عنك تشجنات المتشنجين حول الرذيلة وانحلال الغرب .. فشرقنا ملئ بالأمراض المخفية بفعل العرف والتقاليد .. وما حالات الزواج العرفى بين شباب الجامعات الا محاولة للهروب من الأحساس المتواصل بالذنب وتخديراً للنفوس .. نفوس الأهل اولاً – اذا ما انفضح الأمر – ونفوسهم ثانياً .. بعد ان لم يستطيعوا " الباء " .. وعجزوا عن الصوم القسرى المتواصل
الى الداعين الى الفضيلة .. لا تقبع فى برجك العاجى .. ولا تضع رأسك فى الرمال .. ولا تحدثنا عن الصوم غير المرغوب .. ولا تحارب فى العلن ما تكتوى انت بنيرانه فى الخفاء
الحل ايها السادة .. ان نعود الى الفطرة الأولى .. ونعود الى صحيح الدين .. حين كانت تمارس الحرية بأصدق صورها .. الحرية المسئولة كما يقول فيلسوفنا العظيم د/ زكى نجيب محمود فى كتابة الرائع " عن الحرية .. أتحدث " .. كل الدين الذى يأمر بتسهيل امور الزواج واجراءاته وعدم تحويله الى أمر شاق على الأنفس وحتى الطلاق الذى هو ابغض الحلال عند الله .. وانظر كيف يعالج الغرب الآن الطلاق ، وكيف يتحول الى حرب ضروس فى امتنا التى تدعو للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. واذكر كيف ذهبت امرأه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ تشكو انها لا تجد عيباً فى زوجها لكنها لا تطيق عشرته .. فكان رد الرسول الكريم .. " ردى اليه حديقته " .. هذا هو الرقى .. وتلك هى الحضارة .. انها ما يفعله الغرب الآن ..ونهرب منه نحن بدعاوى الظروف والضغوط والأبناء .. انها فى المقولة الخالدة .. لمن ذهب يشكو للرسول الكريم اخ له او صديق .. فكانت نصيحته .. " زوجوه " .. هو علاج اذن للعديد من المشكلات والأمراض التى استحالت مزمنة فى شرقنا المتباكى على الأطلال دائماً .. الأرتباط او حتى الأنفصال " الزواج حلوه ومره " .. بالشكل الذى نزلت به شرائعنا السماوية قبل ان ندس انوفنا ونعدل هنا ونصلح هناك ، بدعاوى حفظ الحقوق وتحسباً للزمان وغدره .. قبل فوات الآوان .. وقبل انفجار مجتمعنا الوشيك .. فلن نصمد اكثر من ذلك فى زمن انفلتت فيه كل الأمور وخرجت عن الزمام .. والأ فانتظروا حل الغرب لتلك المشكلة .. وهو الأمر غير المستبعد وغير المستحيل .. بعد ان فات زمان المنع والحجب
ذلك كان التابو الأعظم فى حياتنا
والتدوينة القادمة .. ستكون حول ثانى تلك التابوهات .. السياسة .. وتحسباً ندعو جميعاً " اللهم اجعل كلامنا خفيف عليهم " ب