٢٠٠٦-٠٤-٣٠

القضية أننا جيل .. بلا قضية


فى زمن الأنحطاط حين ينطمس النظر .. وتبهت الرؤية .. حين يصيب القلب الوهن .. وحين تذبل الزهرات حتى قبل تفتحها ..حين تصير الحياة رحلة من سخف الى أسخف.. حينها يصبح اليقين امراً مستحيلاً .. ويصير الشك فعلاً نبيلاً .ه
حين يصير الوطن معتقلاً عفناً .. تبغى الهروب منه .. ولا هروب .. تحاول العيش فيه .. فيقتلك فى اليوم ألف مرة .. رائحة العفونة .. والرطوبة المنبعثة من جنبات زنزاناته .. حين يصبح الوطن تابوتاً او مقبرة .. تزكمك رائحة الموت اينما ذهبت .. ولا تسمع فيه إلا عويل المعزين .. وهمهمات المرافقين .. فسحقاً لهذا التابوت .. الوطن.ه
حين يشتعل الأمر بين الرفقاء الفرقاء فى الوطن .. وتوشك ان تندلع فى لحظة طيش منها شرارة تجعل بقايا هذا الوطن كومة ركام.ه
حين يهتز قلب مصر .. سيناء .. بسلسلة من الأنفجارات مجهولة المصدر والسبب .. ونبحث عن الفاعل بيننا .. بينما ضحكات الشيطان تمزق سماء جيراننا الألداء فأننا فى الطريق الى قمة الهاوية .ه
حين تسحق احذية كلاب أمن الدولة .. وزبانية النظام البغيض .. شرف القضاء ووجه قاض .. فأننا فى زمن الهكسوس والتتار وسيادة الكلاب المسعورة ..ه
حين يتم التحقيق مع زعماء التمرد - من اجل الكرامة - من القضاة .. وتبدأ لعبة تصفية الحسابات بعد مولد الأنتخابات .. فأننا فى زمن الخرس .. والبكم .. والعمى .. ه
حين يقبع منافسوا الرئيس - الرئيسيين - الآن فى المعتقلات .. لأسباب ملفقة ومحبوكة .. ولا تسمع الا دوى الصمت .. فهو الدليل
على انقطاع الحياة .. وتفاهة من يعيشونها .ه
حين يمد عامين آخرين قانون " المطارق " التى تهوى على رؤس البشر والحجر .. ونقبل ونذعن .. خوفاً من مطرقة القانون الطارئ
فأننا نستحق العيش فى قلب هذا العفن .. ه
حين نرى الحكومة الفرنسية تنهار تحت مطالب المعارضين والمتظاهرين فيستقيل واحد ويعتذر آخر .. ويوشك آخر على السقوط .. تتمزق حسرة على أمة .. تتغنى بالكرامة .. وهى تمارس العهر يوماً بعد يوم .. ولا حياء ولا حياة .ه
حين يصمت هذا الشعب .. ولا ترى منه الا كل بلادة وفتور .. ولذة العيش تحت الأقدام .. ومتعة حك القفا بعد سيل لسعات كف المخبرين من كل شكل ولون .. فهذا ليس دليل موت .. انه دليل على عشق العبودية .. والخوف المفرط من الحرية وثمنها .ه
القضية فى مصر الآن .. اننا نحيا بلا قضية
وحين تصير قطعان البشر بلا هوية .. وبلا قضية .. فانتظروا اسوأ ما فيها .. انتظر الغاب وشريعة الغاب
انتظروا تسيد الضباع .. أحط آكلات اللحوم .. زمام الأمور
انتظروا الأسوأ.. فاليوم - على كل ما فيه - افضل مئات المرات من القادم .. غداً

٢٠٠٦-٠٤-٠٢

عن الحياة .. والموت


تبدو طريقاً طويلة .. احياناً ، وقصيرة فى أغلب الأحيان .. لكنَّا لاندرك أنها قصيرة إلا بعد فوات الآوان .. كأنها نفق او سرداب رطب مظلم ، لا يلوح فى الأفق له نهاية او انه بنهايات تتشابك فى البدايات فتوشك على ان تكون بداية أخرى .. الحياة .. نقطة البدء فى ذلك النفق المظلم الطويل المجهول .. والموت .. نهاية النفق .. ونهاية الرحلة .. نقطة الأستكانة واللاعودة .ه
كل كائن حى تعلم الدرس وأيقن ان لكل بداية نهاية ، ربما تكون النهاية نقطة بدء جديدة ، وربما لا تكون . تعلم الأنسان- بالتجربة - انه ابداً لم تطوى صفحة الا للشروع فى كتابة صفحة أخرى ، حتى أن لم يكن هو مقَلَّب الصفحات أو كاتب الصفحة الجديدة .. انها ابدية العلاقة بين البدء والأنتهاء .. او الأنتهاء والبدء.ه
من بين كل المسلمات التى ضُخت الى العقول منذ الصغر ، من بين كل أنهار وفيضان الأفكار والأراء والخطب والمواعظ ، من بين كل أوراق الكتب ، من بين كل أقوال المتقولين ، وكلام المتكلمين ، من بين كل الثوابت .. لا أستطيع اليوم إلا التأكد من الشئ الحقيقى الذى استطيع ان آراه بين الحين والحين .. الذى استطيع ان ألمسه فى برودة أجساد الآخرين - المختارين - الذى أستطيع ان احمله على كتفى فوق نعش ينقل من المعلوم الى المجهول .. أنه الثابت الوحيد دائماً وابداً ، القاسم المشترك الأعظم بين كل الكائنات - عاقلها وغير عاقلها - انه الموحد بين شتى صنوف البشر وألوانهم .. الذى لا يفرق بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر من جنس البشر .. أنه عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين .. أنه الموت .. حقيقة هذا العالم المؤكده .. الثابتة .. الراسخة التى لا تقبل النقاش او السفسطة او الجدل او العدم او الفلسفة وتفلسف اصحابها .. جادل الأنسان فى كل تفصيلات حياته ودقائقها .. فى الميلاد وفى الوجود .. فى الكون وخلقه وخالقه .. فى الأنسان والشيطان والجن والعفريت .. فى السماوات والأرض وما بينهما .. فى فناء الديناصورات وخلايا الجراثيم ..فى ذرات المعادن والعناصر وانشطارها .. فى الشمس والقمر .. فى كل شئ .. إلا الموت .. فكان المعركة الأخيرة فى لعبة الأنسان والحياة .. المعركة التى ودَّ الأنسان دائماً وابداً ان يخوضها بأمل النصر .. لكنه فى قرارة نفسه كان يعلم أنه المستحيل بعينه .. فالمعركة محسومة منذ لحظة البدء .. والهزيمة دائماً من نصيب بنى البشر .ه كان الموت دائماً وابداً .. الشمس الساطعة التى لا تغيب .. يد الغيب التى تلتقط من تشاء فى الوقت الذى تشاء دون حسيب او رقيب .. دون معنى او رغبة من اصحابها .. او حتى دون سابق انذار. ه ما قبله اختلف عليه كل البشر وما بعده ايضاً لم يتفق عليه البشر .. فقط لحظة الموت ... لحظة اعلان انهيار تلك الكتلة من اللحم والدم والأعصاب .. لحظة اعلان الدخول فى نفق النهاية .. كان يقف الأنسان لحظة .. رهبة ، وجلال ، وخوف ، وطمعاً فى تأخر تلك اللحظة الى ما لانهاية .ه تلك هى الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون .. ما لم يستطع الأنسان الشك فيها لحظة واحدة .. الوجودية .. الربوبية .. العدم .. الغنوصية .. كلها قتلت بحثاً وتفلسفاً .. كلها تقول تجادل فى المجئ .. الوقت .. الكيفية .. الخلق والفناء .. الحياة وما بعد الحياة .. كل ما قبل وكل ما بعد .. اما نقطة الفيصل .. البرزخ ما بين .. القبل والبعد .. ابداً لم تجد مغامراً او متفلسفاً او متحاذقاً .. انها اللحظة التى تقف كل موازين ونواميس الحياة .. الفيصل ببن البدء والأنتهاء .ه انها المسافة الفاصلة ما بين المعلوم والمجهول .. بين الشمس بسطوعها ودفئها وسخونتها وبين الضباب والدخان والتيه .. بين اليقين واللايقين .ه انه الخط الفاصل بين حدين .. عالمين .. المحسوس والملموس والمؤكد وبين الشك و اللامعلوم واللامؤكد ، ابداً .. لم يعد احد فى رحلة عكسية من الخلف الى الأمام .. من المجهول الى المعلوم فيحدثنا .. ويجب السؤال الذى حار فيه كل البشر .. منذ فجر التاريخ ودارت حوله الروايات والأقاصيص والأساطير والنبؤات والويل والثبور الجزاء والعقاب .. الجنة والنار.ه وماذا بعد .. ؟ اجابة السؤال كفيلة بأن تحل كل ألغاز البشرية نشأة الأنسان وبداية اعمال عقله .. عقله الذى دله الى وجود خالق .. طالما وجد المخلوق .. عقله الذى هيأ له هذا الخالق فى صور شتى .. محسوسة ومرئية حين كان الأنسان بحاجة الى آلهه يراها ويتحسسها .. وآخرى تمرح فى جبال الآوليمب .. تطلق ابنائها .. انصاف الآله .. كى تحكم البشر .. فيذعنون لمشيئة الآله المستبدة المتغطرسة .. التى تعيش حياة المجون فى قمة الأوليمب . ه انه السؤال الذى تكفل اجابته .. حياة غير الحياة ، ونمطاً غير النمط .. انه السؤال الكفيل بهدم كل التابوهات العصية منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا ، السؤال الذى تكمن فى اجابته .. راحة البشر ، وشقائهم ، السؤال الخالد فى اذهان وعقول وقلوب كل البشر..ه
هل – حقاً – هناك حياة آخرى بعد الموت ؟
ولأن السؤال سيظل ابداً بلا اجابة .. ستبقى تلك الكلمات فى افضل حالتها .. سفسطة.ه