٢٠٠٦-٠٣-٠٥

عصيان


هذا العام .. منتصف هذا العام تقريباً - تمر عشر سنوات بالتمام والكمال منذ تخرجت من كليتى .. عشر سنوات كنت خلالها أحلم دائماً بتحقيق مقولة أراها وأتحسسها كل يوم وأشعر بأنى قادر على تحقيقها .. " اللهم هب لى حياة عريضة لا حياة طويلة " كلمة .. اشعر اليوم بعد مرور عشر سنوات على التخرج بأنى لم أحقق منها .. ذرة واحدة.ه
لذا تضحكنى الى حد المرارة أغنية تذاع يومياً على معظم القنوات المصرية والمعنونة " يبقى انت اكيد فى مصر" ، وكثيراً ما تسائلت عن الأبله الذى كتب مثل هذا الكلام وهل هو يعيش فعلاً فى مصر أم انه يسكن كوكب آخر .. وإليكم اسباب نعتى له بالبلاهة : ه
انت اكيد فى مصر اذا ..
ه
كنت طفلاً نابهاً - كأغلب اطفال مصر - تبدو مواهبه متعددة متدفقة ، الى ان تدخل المدرسة الأبتدائية .. فتخرج منها جحشاً صغيراً ظريفاً .. عندما يُسئل " عايز تطلع ايه يا حبيبى لما تكبر " يجاوب وقد حلت الغباوة مكان النبهاة ، والعدوانية مكان الأبداع " عايز اطلع دكتور" .. فتنفرج الأسارير وتسعد القلوب وترد الألسنة " برافو عليك يا حبيبى ".ه
اذا دخلت الى مرحلتى الأعدادى والثانوى ، ممتلاء حيوية ورغبة فى الأنطلاق وتحدى العالم كله .. وخرجت منها كهلاً فى الثامنة عشر .. قد حددت مصيره وشكل حياته القادمين .. أرقام فى مكتب ما يدعى بالتنسيق.ه
اذا دخلت مرحلة الجامعة - وقد سلمت أمرك لله - وشعور بالذنب بأنك من جنى على نفسه بعدم قدرته على تحصيل المجموع المطلوب " كى تكون دكتوراً " ، ثم تقنع نفسك بأن الأمر لازال قابل للتحسن , وأنه من جد وجد .. ومن طلب العلا سهر الليالى ، فسهرت الليالى بعد ذلك كى تكون من الأوائل على دفعتك ..ونجحت فى ذلك ، ثم تدرك أنه ما دمت لا تملك الواسطة فأنت .. لاشئ.ه
اذا خرجت الى الحياة العملية .. وكنت من غالبية الشباب الذى هو احد حالين .. عاطل .. منذ سنين عدداً و تتنقل بين بعض الأعمال البسيطة هنا وهناك حياء من مد يدك الى اسرتك تطلب مصروف الجيب بعد ان صرت شطحاً جاوز الحادية والعشرين من العمر .او انك تعمل براتب يكفيك بالكاد ان تحيا وتعيش ، ثم تقاتل من اجل فرصة عمل توفر لك دخلاً يحفظ كرامتك قبل نهاية الشهر ، فأذا ما وجدته - داخل مصر او خارجها - فأنت تمسك به بيدك وأسنانك " وتعمل قرد " كى تحافظ عليه ولو كان عكس كل ميولك ورغباتك او مهاراتك وقدراتك .. فتعيش فى مقابل هذا الرخاء النسبيى حالة من حالات " التناحة " التى تنتابك بفعل استمرارك فى فعل ما قد يكون ابعد عن ما تحسن فعله .. فتصبح عاجزاً عن الأبداع والتمييز.ه
أنت فى مصر .. اذا أصبحت أيامك كورقة فى ماكينة تصوير تنسخ أيامك مئات المرات بنفس العيوب والأخطاء واللأمل فى التغيير ، الى ان ينتهى حبر الماكينة رويداً رويداً فتبهت مع الوقت ألوان الورقات المنسوخة وتخفت تدريجياً وتدرك بعد فوات الأوان بأن حياتك .. .. يوم أصل وألف صورة .ه
أنت فى مصر .. عندما تشعر بأن سبب وجودك فى الحياة مرهون - فقط - بقدرتك على الأستمرار فى ادارة " ساقية " اخترت - انت - بنفسك ان تضع لجامها فى رقبتك .. فتدور .. وتدور .. وتدور .. مغمض العينين ، حول محورك .. تصب الماء كى يحيا غيرك .. الى ان يأتى الأجل المحتوم .ه
الى كل اصدقائى المغردين خارج السرب .. الى من انتزع اللجام وعاد كما خلق .. برياً .. جامحاً .. لا يقبل القيد او العبودية باسم .. الدين والمجتمع .. والعادات ..والتقاليد ..والناس .. انى قادم .ه